المادة    
  1. هل يكون الكافر ولياً لله تعالى

    المسألة الأولى: هل يكون الكافر ولياً لله تعالى؟
    هذا السؤال لا تخفى الإجابة عليه، فهو لا يكون كذلك؛ لقول الله تعالى: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ))[يونس:62-63]، فمن كان عديم التقوى والإيمان فإنه لاحظ له في الولاية، وقوله تعالى: ((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ))[البقرة:257]، فمن كان ولياً لله فالله وليه، ومن كان ولياً للطاغوت فالطاغوت وليه: ((فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ))[البقرة:98].
    فالكافرون هم أعداء الله، والله عدو لهم، فلا تجتمع العداوة والولاية، (( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ))[فصلت:19]، فالله تعالى جعلهم أتباع الشيطان وحزبه، وأولياء الطاغوت، وأعداء الله، فكيف يكون لأحدهم حظ في الولاية؟! لا يكون ذلك أبداً.
  2. أخذ الصوفية من عباد النصارى والهند وغيرهم من الكفار

    وإذا كان الأمر كذلك فلماذا نحتاج إلى ذكر ذلك والتنصص عليه؟
    والجواب: لضلال وقع فيه بعض الناس، والضلال وقع من الصوفية الذين ظنوا أن بعض العباد من أهل الملل الأخرى -أي: الكفار- يمكن أن يكونوا أولياء؛ لذا نجدهم يذكرون ذلك في كثير من كتبهم؛ حتى نجد ذلك أحياناً في حلية الأولياء مع أن المؤلف أبا نعيم إمام محدث من أهل السنة والجماعة، لكنه يروي عنهم، فتجد الرجل منهم يذهب إلى عباد الهندوس ويظن أنهم أولياء، وقد يتحدثون عن بعض عباد النصارى أو رهبانهم بذلك، ويأخذون منهم الحكمة والمعرفة، ويظنون أنهم أولياء، وقد يتكلمون عن عباد لا يعلم ما دينهم، فيظنون أن الله يعبد بأي وسيلة، فكل من انقطع في مغارة، أو اعتزل في جبل، وأخذ يذكر الله ويتعبد ويسبح بأي نوع من الأنواع فهو ولي الله، وهو من المقربين؛ على أي دين كان، وإن كان يحب أهل الأديان جميعاً، ولا يميز ولا يفاضل بينهم، ولا يلتزم اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيظنون أن الأمر في هذا واسع.
  3. زعم بعض الصوفية أنهم يلزمهم اتباع النبي ظاهراً لا باطناً

    حتى إن بعضهم يقول: يلزمنا اتباع دين محمدٍ ظاهراً، ولا يلزمنا ذلك باطناً، يعني: أننا في الظاهر نصلي ونصوم مع المسلمين، وأما في الأحوال الباطنة والمعارف فيمكن أن نأخذ المعرفة عن طريق العارفين من البوذيين أو الهندوس أو النصارى أو ما أشبه ذلك، وأقرب مثال على ذلك -كما ذكرنا من قبل- ذو النون المصري ؛ فقد كان يذهب ويقابل العباد والرهبان في الأديرة، وفي المغارات، ويسألهم عن الحكمة، وعن المعرفة، وعن العبادة، وهم من عباد النصارى ، ومن أهل وحدة الوجود، أو الحلول، أو ما أشبه ذلك، وليسوا من أهل الملل الكتابية المعروفة، ومع ذلك يؤخذ كلامهم، ويقتدى بهم، وينتشر ذلك ويروج بين المسلمين، فيقول بعضهم: رأيت راهباً وسألته عن كذا، فقال لي: كذا! فهل كلام الراهب حجة؟ وهل يؤخذ بكلامه في معرفة الله، أو الدين، أو الإيمان؟ كلا؛ لا يؤخذ.
    فنقول لهؤلاء الصوفية وأمثالهم: إن ولي الله لا يكون كافراً أبداً، فمن كان كافراً فلا ولاية له بوجه من الوجوه، ولا يؤخذ عنه، ولا يتلقى منه، ومن زعم أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إما ظاهراً وإما باطناً، أو في أي أمر من الأمور، واحتج أو استشهد بخروج الخضر عن شريعة موسى عليهما السلام؛ فقد كفر، فمنذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم والخلق كلهم مأمورون بالإيمان به، واتباع دينه وشريعته، ولا طريق إلى الجنة، ولا إلى معرفة الله، ولا إلى الحق إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم، وما عداه فكل الطرق مسدودة، ولا تؤدي إلا إلى النار.
    فهذه من أعظم عقائد المسلمين، ومن اعتقد غير ذلك فليس من الإسلام في شيء ولو تابع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور، فمن اعتقد أنه يجوز الخروج عن شريعته في أمور أخرى فإنه لا يكون مسلماً قط.
    والمقصود: اعتقاد ذلك وتلقيه من غيره، وأما إذا ترك شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو معصية منه وتقصيراً؛ فهذا حاله حال عصاة المسلمين المقصرين، وهم أكثر المسلمين إلا من رحم الله عز وجل، لذلك فإن حديث الولي يدل على الولاية الخاصة؛ لأن المؤمنين جميعاً أولياء لله.
    والولاية الخاصة تنال بالتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، ولا شك أن الكافر غير داخل في شيء من الولايتين، فإذا كنا قد سلبناه الولاية العامة فكيف يكون من أهل الولاية الخاصة؟
    ومن ضلال الصوفية في هذا الباب أنهم يجعلون هؤلاء الرهبان وأمثالهم من أهل الولاية الخاصة؛ الذين يتلقى عنهم الدين، ويسألون عن الحكمة، وعن الزهد، وعن الورع، وعن التقرب إلى الله، وعن أمور لا يسأل عنها الأنبياء، أو من يفتي بميراث النبوة.