المادة    
قال رحمه الله: (وأما أولياء الله الكاملون فهم الموصوفون في قوله تعالى: (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ))[يونس:62-64]).
إذا رجعنا إلى المعنى السابق في الآية، ونحن ما دمنا قررنا أن أولياء الله هم المؤمنون، فنستطيع أن نأتي بالآيات التي تجمع صفات المؤمنين ونقول: هذه صفات أولياء الله سبحانه وتعالى كما يريدها، ومنها: قوله تعالى: (( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ))[المؤمنون:1] الآيات، وقوله تعالى: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ))[الأنفال:2]، أي: أن أولياء الله هم الذين إذا ذكر الله خافت قلوبهم، وإذا قرئت عليهم آياته ازدادوا إيماناً، وقوله: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ))[الحجرات:15]، أي: أن أولياء الله هم من هذا شأنه: الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، إيمان لا يتطرق إليه ريبة، والجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
والخلاصة: أن الولاية بقدر الإيمان، وهي لفظ من ألفاظ الإيمان يؤدي نفس المعنى.
قال رحمه الله: (والتقوى: هي المذكورة في قوله تعالى: (( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ... ))[البقرة:177]) فالآية هذه من سورة البقرة قد جمعت لنا لفظين: البر والتقوى، إلى أن قال: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ))[البقرة:177].
فالآية السابقة وصفتهم بالصادقين، وبالتالي فالصادقون والمتقون هم الذين استكملوا البر، وهم المؤمنون حقا؛ لأن أول صفاتهم أنه قال: (( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ))[البقرة:177]، فهي نفس صفات المؤمنين التي جاءت في حديث جبريل عليه السلام: ( ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ).
إذاً فالإيمان والبر والتقوى والصدق ألفاظ مترادفة، والولاية تبعاً لها تقل بقلتها وتكثر بكثرتها.
قال: [وهم قسمان: مقتصدون ومقربون، فالمقتصدون: الذين يتقربون إلى الله بالفرائض من أعمال القلوب والجوارح، والسابقون: الذين يتقربون إلى الله بالنوافل بعد الفرائض كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ) ].
هذا الكلام من كتاب شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، يقول: (وإذا كان أولياء الله هم المؤمنين المتقين، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى، فمن كان أكمل إيماناً وتقوى كان أكمل ولاية لله، فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق، قال الله تعالى: (( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ))[التوبة:124-125]، وقال تعالى: (( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ))[التوبة:37]).
وهنا تطرق الشيخ رحمه الله إلى الزيادة في الرجس والكفر والنفاق، فهؤلاء المنافقون يزيدهم القرآن نفاقاً وكفراً، وذلك لما في قلوبهم من التكذيب والإعراض، فمن كذب وأعرض وتولى عن مائة آية ليس كمن كذب أو أعرض وتولى عن عشر أو عشرين أو ثلاثين.
وهكذا فكلما ازدادت الآيات، وكلما أنزلت السور ازداد تكذيبهم وإعراضهم أكثر فأكثر والعياذ بالله، وقوله تعالى: (( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ))[التوبة:37]، وقد ذكرنا أن هذه الآية في موضوع الحكم بغير ما أنزل الله، أو تشريع شرع لم يأذن به الله، وهي من الأدلة على أن التشريع كفر، والمشركون في الجاهلية كان أصل كفرهم هو الشرك بالله وعبادة الأصنام، فقد شرعوا من الأنعام: البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، بل حتى فيما نسميه اليوم: التقويم، فجعلوا الأشهر كما يشاءون، فجعلوا الشهر الحرام حلالاً، والشهر الحلال حراماً، وقالوا: ينسأ، والنسيء هو: التأخير أو التأجيل، فيرون أن تتابع الأشهر الحرم وراء بعض شاق عليهم، فذو القعدة وذو الحجة شهرين محرمين، وكذلك محرم، فيشق على المشركين بأن لا يغزوا أو يقاتلوا أو يسبوا، وبالتالي قالوا: يؤخر محرم، أي: بعد صفر، وربيع، ثم يأتي رجب الذي هو فرد، فالله سبحانه وتعالى رد عليهم وأبطله فقال: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) فهم كفار، وزادوا في الكفر بأن شرعوا ما لم يأذن به الله، بل وقد يزيد الإنسان في الكفر ويزداد كفراً حتى يصبح طاغوتاً، والطاغوت رأس الكفر، وليس كل كافر طاغوتاً، والطاغوت هو من تمادى وطغى وتجاوز حده، قال تعالى: (( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ))[الحاقة:11]، أي: لما زاد وتجاوز حده.
وعليه فـ الطاغوت من تجاوز حده في الكفر حتى أصبح رمزاً وعلماً على الكفر، فيكفر بالله من أجله غلواً فيه أو طاعة له أو اتباعاً لتشريعاته، إذاً الكفر نفسه فيه مراتب ودرجات زيادات، فيقول الله تعالى: (( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ))[التوبة:37]، وقال تعالى: (( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ))[محمد:17]، وفي المقابل قال عن المنافقين: (( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ))[البقرة:10].
قال: (فبين سبحانه وتعالى أن الشخص الواحد قد يكون فيه قسط من ولاية الله بحسب إيمانه، وقد يكون فيه قسط من عداوة الله بحسب كفره ونفاقه، قال تعالى: (( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ))[المدثر:31]، وقال تعالى: ((لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ))[الفتح:4].