المادة    
  1. عدم خلو الزمان من ولي عد الصوفية

    قال رحمه الله: (وأما ما يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم) -هنا تطرق الشارح إلى بعض ما يقوله الصوفية - أنه قال: (ما من جماعة اجتمعت إلا وفيهم ولي لله، لا هم يدرون به ولا هو يدري بنفسه) وبالتالي ما فائدة هذا الذي لا يدري أنه ولي ولا يدرون أنه ولي؟! تأمل هذا الوهم كما بينا من كلام ابن عربي ونحوه، فيصبح الواحد يتوهم ويتخيل أن هذا ولي، وذاك ولي، حتى قال بعضهم: ليس من شرط الولي أن يكون رث الهيئة، أو ليس له منصب في الدنيا؛ لأن الناس أكثر ما تنصرف الولاية عندهم في العصور المتأخرة بالذات إلى الرجل رث الثياب الذي ينام حول المقابر أو في الأماكن الخربة، ويأكل مما يرمي الناس في الأرض، وبالتالي صار عند الصوفية ومن حذا حذوهم أن هذا هو الولي، وقال بعضهم: ليس هذا شرطاً، فقد يكون الولي من أهل المناصب والمال والثروة والإسراف والترف والبذخ، وهذا ستر حجاب، أي: أن الولاية موجودة، والله تعالى جعل هذا المال أو هذه الثروة أو هذا الترف حجاباً حتى لا يطلع الناس على حقيقة ولايته، وعلى هذا تضيع الأمور؛ لأنه لا تدري ربما يأتي ويقول قائل: إن هذا الذمي اليهودي أو النصراني قد يكون من أولياء الله وأنت لا تعلم، وحدثت وقائع من ذلك، ومنها: أن الحلاج مر برجل في سوق بغداد فسمعه يعير أحد اليهود قال له: يا يهودي! فأنكر عليه الحلاج إنكاراً شديداً، ثم قال في ذلك أبياتاً:
    تأملت في الأديان حتى رأيتها            شعباً تهدي إلى طرق جمة
    أي: أنه يقول له: لماذا تنكر عليه؟ فقال الرجل: هو يهودي، فقال له: أما تعلم أنك إذا أنكرت عليه أثبت له الاختيار، أي: أنه اختار أن يكون يهودياً، وبالتالي فـالحلاج يرى أن الاختيار لا يكون إلا لله، فالله هو الذي اختار أن يكون هذا يهودياً، وأن يكون هذا نصرانياً، وأن يكون هذا كذا، وما تدري أن كل هذه الطرق تهدي إلى الله، بل قد يكون هذا من أولياء الله، وأقرب منك إلى الله تعالى -تعالى الله عما يفترون عليه-، وهذا من افترائهم على الله تعالى، والمقصود أنهم يعتقدون أن هذا الفاجر قد يكون ولياً، وقد يكون هذا الظالم ولياً، وقد يكون هذا الفاسق أو هذا الزنديق الذي يتعرى ويترك الجمعة والجماعات، ولا يقرب بيوت الله، ولا يقيم شيئاً من أحكام الدين، ولياً من أولياء الله، ولذلك نلاحظ في كتب الصوفية أن كثيراً منهم يذهبون إلى الرهبان في المغارات كما في جبل لبنان مثلاً، حتى كتاب حلية الأولياء لـأبي نعيم رحمه الله -مع أنه من أئمة الحديث في زمانه، ومكثر من الحديث- مملوء بالضعاف والواهيات والموضوعات، وهو متقدم في القرن الرابع، فكيف بمن جاء بعده؟! فتجد أنه يذكر مثل هؤلاء أنه ذهب والتقى براهب، أو قابل رجلاً -وما بعده أشد- في جبل لبنان ، أو لقي راهباً في الطريق إلى مكة ، بل إن الحلاج ذهب إلى رهبان الهند فتلقى عنهم الحكمة وما يسمونه: المعرفة، ولهذا يسمونه الولي العارف، فيقولون: كان من العارفين بالله، والمعرفة وردت في إحدى روايات الصحيح من حديث معاذ رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، ثم قال: فإذا هم عرفوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات )، والمعنى: عرفوا توحيده وآمنوا به، وهذه ليس فيها إشكال، لكن العارف عندهم شيء آخر، ولهذا ألف بعضهم كتاب بد العارف ، وأظنه: ابن سبعين ، والبد هو مكان عبادة الأصنام والعياذ بالله، والعارف هو هذا، ولذلك من قرأ حياة بوذا يقولون لك: بوذا ليس اسماً، إنما هو لقبه، ومعنى بوذا : العارف، فهناك صلات مشتركة بين هؤلاء، والشاهد أنهم -حتى الرهبان- يتلقون ويأخذون منهم الحكمة والمعرفة، وليسوا من أتباع الأنبياء، فهم لا يؤمنون باتباع الشرع، والعلة التي يتعلل بها هؤلاء أنهم يقولون: إن الخضر لم يتبع شريعة موسى عليه السلام، وهذا كفر والعياذ بالله؛ لأن الله سبحانه وتعالى منذ أن بعث محمداً صلى الله عليه وسلم سد كل طريق توصل إليه إلا طريق اتباعه، قال تعالى: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ))[آل عمران:31]، وأي طريق آخر فلا يوصل إلى الله تعالى مطلقاً.
    أما في زمن موسى عليه السلام وغيره من الأنبياء؛ فإن الرجل كان يبعث إلى قومه خاصة كما قال صلى الله عليه وسلم: ( وبعثت إلى الناس عامة كافة )، قال تعالى: (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا َ ))[سبأ:28]، ففرق بين هذا وذاك، وشيخ الإسلام رحمه الله رد هذا حتى من غير أن يبحث في الإسناد؛ لأنه لا يمكن أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم معنىً باطلاً شرعاً وعقلاً، ولأن الجماعة يكونون من الكفار ويكونون من الفساق، فكيف يكون هناك جماعة وفيها ولي، وخاصة إذا كان لا يدري عن نفسه ولا يدرون عنه؟!
    إذاً هذا أمر إحالة إلى موهوم مجهول، فيظل كل أحد يتوقع هذه الولاية الموهومة، فتضيع معالم الولاية الحقيقية، ولذلك عندما تجلس إلى إنسان فترى علمه ودينه وتقواه وخلقه ومعاملته فتقول: هذا من أولياء الله، أي: بقدر ما فيه من التقوى والخير والصلاح، وبالتالي فالولاية لها معالم محددة تراها أو تقتدي به فيها، أما أمر خفي لا يعلم هو ولا هم يعلمون فلا.
    ثم كيف نهتدي؟ وكيف نقتدي إذا جلس واحد مع مجموعة يشربون الخمر وظن أن هذا هو الولي الذي لا يعلم عن نفسه ولا يعلمون به؟! إن المعيار هنا مفقود، وهذا ما يجعلنا نقول: إن طائفة من الصوفية هم في الحقيقة باطنية زنادقة، وقد حوكموا على الزندقة مراراً، ولو اتبعتم من يسمونه: ذا النون المصري ، تجدون دائماً في كتب الصوفية : وقال ذا النون ، وجاء ذا النون، فحال هذا الرجل ليس حال المؤمنين المتبعين، وإنما حال -والعياذ بالله- الزنادقة المتسترين، وهذا واضح في حياته، وغيره مثله أو أقل يتفاوتون في هذا، لكن منهم من إذا قرأت حياته لا تستطيع أن تخرج منها أن هذه حياة أو سيرة إنسان مؤمن ضل طريق العبادة، وإنما إنسان غير ملتزم أصلاً، وغير متدين أصلاً باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يراها معرفة عامة ربما يتلقاها أو يأخذها من أي أحد -نسأل الله العفو والعافية-.