أما مفهوم
أهل السنة والجماعة ، وهذا الذي سوف نوضحه حتى نستكمله، ثم نأتي على أولئك ونرد شبهاتهم، فالأولياء عندهم هم من نص الله تبارك وتعالى عليهم في الآية: ((
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ))[يونس:62-64] في سورة يونس. يقول المصنف رحمه الله تعالى: (فـ (الذين آمنوا وكانوا يتقون) منصوب. يعني: محله النصب؛ لأن (الذين) اسم موصول فلا تظهر عليه الحركات الإعرابية، ولكنه مبني فيكون منصوباً (على أنه صفة أولياء الله). إذاً: يقول: ((
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *
الَّذِينَ آمَنُوا ))[يونس:62-63] هذه صفة لهم، فيكون الخبر: ((
لَهُمُ الْبُشْرَى ))[يونس:64]. ثم قال:
[أو بدل منه] والبدل نوع من الصفة لكنه أخص، فيكون من جهة المعنى واحد، فأولياء الله هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، وبهذا المؤمنون المتقون هم أولياء الله. ثم قال:
[أو بإضمار (أمدح)، يمكن أن نجعل بدل (أمدح) (أعني)، يعني: (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ))[يونس:62] من هم؟ يقول: أعني: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ))[يونس:63] أو أمدح، يعني أن يكون العامل مضمراً والاسم الموصول في محل نصب]. فالتقدير: أعني أو أمدح أو أريد الذين آمنوا، أو أخص بالمدح: ((
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))[يونس:63-64] فعلى هذا يكون (لهم البشرى) استئنافاً، ويكون خبر إن جملة، فلا بد أن يكون المبتدأ والخبر في الآية الأولى، فالمبتدأ: (أولياء) والخبر هو: ((
لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ))[يونس:62] فالضمير (هم) في محل رفع خبر، ثم بين من هم أولياؤه فقال: ((
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ))[يونس:63]. ثم قال:
[أو مرفوع بإضمار (هم)، أيضاً ممكن أن نقول: ((ألا إن أولياء الله)) اسم (إن) و(الذي) هو مبتدأ في الأصل ((لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) في موضع الخبر، ثم ابتدأ مبتدأ ثانياً مقدراً هو (هم) (( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ))[يونس:63] فيكون (الذين آمنوا) خبراً لمبتدأ محذوف تقديره (هم)].<\m> ثم قال: [أو خبر ثان لـ(إن) وهذا يصح ما دام أنه يصح أن يقدر له مبتدأ ثان فيصح أن يكون له خبر ثان، فيكون هناك خبران: (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ))[يونس:62-63] ].<\m> ثم قال: [وأجيز فيه الجر]. إذاً: عرفنا وجه النصب إما بدلية أو مفعولية لفعل، وعرفنا وجه الرفع وهو إما خبر ثان أو خبر لمبتدأ محذوف. يعني: ثلاثة أوجه. والجر يمكن أن يصح. ثم قال: [بدلاً من ضمير (عليهم)] فيكون التقدير: لا خوف على الذين آمنوا وكانوا يتقون، وأضعف الوجوه هو الجر. ثم قال: (وعلى هذه الوجوه كلها -على أي وجه قدرت إعراب الآية- فالولاية لمن كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون) أي: مهما قدرنا فأولياء الله هم الذين آمنوا. أي: المؤمنون المتقون، فهي عامة لكل مؤمن تقي. ثم قال: (وهم أهل الوعد المذكور في الآيات الثلاث)، وهي من قوله تعالى: (( لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ...))[يونس:62] إلى: (( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ))[يونس:64] . ثم قال: (وهي -أي: الولاية- عبارة عن موافقة الولي الحميد -سبحانه وتعالى- في محابه ومساخطه)، فهم يحبون الله ويتقربون إليه بامتثال ما افترض عليهم واجتناب ما حرم عليهم ونهاهم عنه. ثم قال: (وليست بكثرة صوم ولا صلاة) يعني: العبرة فيها ليست بكثرة التعبد، ولكن بموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع السنة. إذاً: الصواب أولى من مجرد الكثرة، وكما قال الحسن رضي الله تعالى عنه وغيره: [ ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن بشيء وقر في قلبه ]، فقوة الإيمان هي الأساس، وليس كثرة العبادة. (ولا تملق ولا رياضة) يعني بذلك الرد على الصوفية ، الذين يدعون الرياضات والمكاشفات والمجاهدات؛ ليصلوا بها إلى الولاية، حتى يكون من أولياء الله، وهذا ما سنوضحه إن شاء الله فيما بعد. ثم قال: (وقيل: (الذين آمنوا) مبتدأ، والخبر (لهم البشرى)، وهو بعيد؛ لقطع الجملة عما قبلها، وانتثار نظم الآية) هذا وجه ضعيف، وهو أن يكون (لهم البشرى) خبر، قال تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى ))[يونس:63-64] فتكون الجملتان مستأنفتان، والجملة الأولى مبتدؤها وخبرها قد انتهى، وهذا وجه وقول ضعيف. إلى هنا نقف إن شاء الله بعد أن وضحنا درجات الولاية عند أهل السنة أو الترتيب الشرعي للولاية ودرجاتها، وأما أهل البدع ودرجاتهم وترتيبهم فهو كما ذكرنا، ثم نفصل إن شاء الله بعض الشبهات من كلام شيخ الإسلام رحمه الله وغيره، التي يوردها الصوفية وأشباههم على الأولياء. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.