قال تعالى: ((
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ))[التوبة:71]، فأثبتنا الولاية المطلقة، وأثبتا العداوة المطلقة، ثم ما بين أهل الولاية بعضهم مع بعض ثابت، وكذلك ما بين الكفار ثابت، والمؤمنون كما ذكر الله تبارك وتعالى في سورة التوبة، وكما قال عن المنافقين: ((
وَالْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ))[التوبة:67]، أي: جنساً واحداً، تقابل واحداً أو تقابل الثاني، فالكلام واحد والفكرة واحدة والرأي واحد نعوذ بالله، أما المؤمنون فإن بعضهم أولياء بعض، فهذا ولي أخيه ينصره ظالماً أو مظلوماً، وأما الكفار فبعضهم من بعض، أي: أن كلهم يداً واحدة على المؤمنين، فلا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة، لكن لو أن مؤمناً أو مسلماً ظلم كافراً؛ فإن إخوانه المسلمين يردونه عن ذلك، بل لو كان كافراً؛ لأن أمتنا هي أمة الحق وأمة العدل، فنحن نهدي بالحق وبه نعدل بما علمنا الله تبارك وتعالى، أما هم فأمة الظلم والجور، والكفر كله ملة واحدة، وقال تعالى: ((
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ))[الأنفال:72]، فأثبت الله تبارك وتعالى في هذه الآية العظيمة الولاية بين المهاجرين والأنصار الذين هم نواة أمة الإسلام وأسها وقاعدتها، ومنهم وحولهم التفت الأمة المسلمة إلى يوم القيامة، ثم قال: ((
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ *
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ))[المائدة:55-56]، ففي الدنيا حزبان: حزب الله، وحزب الشيطان، وهذه هي الحزبية الشرعية التي تمدح شرعاً، أي: أن تكون من حزب الله، أي: من أولياء الله المؤمنين المتقين المتعاونين على التوحيد والسنة وطاعة الله تعالى ورسوله والدعوة إلى ذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهله ممدوحون بإطلاق، والحزب المقابل هو حزب الشيطان الذين اجتمعوا وتحزبوا على الكفر والبدعة والمعصية ومخالفة السنة، والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، والتعاون على الضلال والفجور والعياذ بالله، وهكذا فهما عدوان، فذاك أولياء الرحمن، وهؤلاء أولياء الشيطان.يقول الشيخ: (فهذه النصوص كلها ثبت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأنهم أولياء الله، وأن الله وليهم ومولاهم، فالله يتولى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه) قال تعالى: ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ ))[المائدة:54]، فأول شيء أن الله تعالى جعل من صفاتهم: أنه يحبهم ويحبونه، فلا يجاهدون في سبيله ويموتون ويضحون ويهاجرون ويصبرون وينفقون إلا بدافع المحبة، فالمحبة هي أساس كل الأعمال القلبية، وهي أساس العبادة وأصلها، وكل عبادة تجردت عن المحبة فلا أجر فيها، ولا تعد قربة إلى الله تبارك وتعالى، ومن معاني الولاية: المحبة والنصرة، ثم قال: ويرضى عنهم ويرضون عنه، ومن هنا نعرف ضلال وبطلان من نفى الرضا والمحبة عن الله من المتكلمين
المعتزلة و
الأشعرية وأشباههم؛ فإنهم قالوا: إن الله تعالى لا يحب ولا يُحب، ولا يرضى ولا يُرضى عنه، وهذا رد لصريح كتاب الله، لكن بزعمهم يقولون: إن هذا يقتضي التشبيه، فنقول: هذا باطل، فالله تعالى يحب ويبغض، والمؤمنون يحبون الله ويبغضون الكفر والكافرين، والمؤمنون يحبون الله تعالى وهو غاية ما يحبون، ويبغضون إبليس وهو غاية ما يبغضون وهكذا.وكذلك فالله تعالى يرضى عن عبادة المؤمنين، ويرضى لهم الإيمان، ويرضى لهم الطاعة، ولا يرضى لعباده الكفر والفسق والفجور والمعصية، ثم قال: (ومن عادى له ولياً فقد بارزه بالمحاربة) وهنا أراد الشيخ رحمه الله الحديث الذي رواه الإمام
البخاري و
أحمد وغيرهما: (
من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة )، أو قال: (
من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، وهذا الحديث عظيم جليل القدر تكلم فيه العلماء قديماً وحديثاً. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.