المادة    
فإذا قال أحد في هذا العصر: هل هناك أحد يقول: ليس هناك عداوة مطلقة؟ فنقول: نعم، والآن في هذا الزمان ما كان يعبر عنه بوحدة الوجود كفر تقليدي، كفر ساذج، كفر سخيف وتافه، كيف تكون كل الموجودات هي الله، فالذي يعبد حجراً يعبد الله، والذي يعبد شجرة يعبد الله؟ إن هذا كفر لا يقره أدنى عقل؛ ولذلك جاءت الحضارة الحديثة بكفر حديث، ومصيبة هذه الحضارة الجديدة أنها حضارة مظاهر وطلاءات وبهرجة وزخرفة، فكل شيء يأتونك به في صورة جديدة مزخرفة مبهرجة، وخذ مثلاً: الخمر، فتوجد اليوم بعض المصانع الوطنية في بعض الأماكن، بينما قديماً كانوا يضعون فواكه وسكر في برميل أو في شيء قديم ويدفنوها في أي شيء، ثم بعد فترة يشربونها بطريقتهم البدائية الساذجة، لكن اليوم في العصر الحديث قد تطورت، فيأتون بقوارير مختومة بشكل فضي أو ذهبي وألوان ودعاية ويقولون: هذا الشراب المفضل! وهي ذو رائحة عفنة وقذرة.
وكذلك الزنا، فإنه عند الناس العقلاء فاحشة قذرة يترفعون عنها، حتى في الجاهلية، وقد قال عنترة بن شداد :
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي            حتى يواري جارتي مأواها
فهو يفتخر بأنهم يتعففون عن النظر، فما بالك بالزنا؟!
وقال الآخر:
رب حسناء ذات دل قد            دعتني لنفسها فأبيت
لم يكن طبعي الحياء ولكن            كنت خلاً لبعلها فاستحيت
أي: استحيت أن أفعل بها الفاحشة مع جمالها؛ لأني كنت خلاً لبعلها؛ ولذلك كان عندهم نوع من الزواجر، لكن الآن أتوا لنا بالصداقة وحرية العلاقات بين الجنسين، والقضاء على التقاليد القديمة، ويأتي بأول فتاة خليجية تترك الحجاب وتتحرر وتتنور وتتوظف وتصبح تعمل كذا، فتقود السيارة، وتعمل مضيفة في الطائرة، وتعمل ممرضة في المستشفى، فيأتي ببهارج هذه الفاحشة والعياذ بالله. فهذه البهرجة والزخارف هي مشكلة الحضارة المعاصرة، ونفس الأمر لم يعودوا يقولون: وحدة الوجود، وإنما قالوا: وحدة الأديان باسم الإنسانية وحقوق الإنسان، فإذا أقررت بدستور أو وثيقة حقوق الإنسان التي أول ما عملوا لها نموذجاً فيما يسمونه مؤتمراً في نادليفيا ، ثم في سان فرانسيسكو ، وكل الدول العربية والإسلامية تفتخر أنها انضمت إلى هذا الميثاق ووقعت عليه، وأحياناً تفتخر إحدى الدول العربية فتقول: نحن من الدول المؤسسة لنظام الأمم المتحدة، ومن السباقين إلى إعلان الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان، والمهم أن الإنسان حر، فله أن يعتقد ما يشاء من الأديان، فاليوم هو مسلم وغداً يهودي أو نصراني، وهذا غاية التطور والحرية والحقوق أن يكفر بعد إذ عرفه الله تعالى الإيمان، أن يخرج من النور إلى الظلمات، أن يتمرد على رب العالمين، أن يجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أن يكفر بكتاب الله، هذه هي التي تطورنا إليها ونفتخر أننا وافقنا عليها والعياذ بالله، وهذه هي التي يسمونها: الأمم المتحدة، ومواثيق الأمم المتحدة، والشرعية الدولية، وحقوق الإنسان إلى آخر هذه الشعارات، فأصبحت تسمى وحدة الأديان حق، وليس لأحد الحق أن يعترض على أحد، أو يطعن في دينه، إذ إن الدستور الأمريكي خاصة يحمي أي واحد أو أي دين من النقد أو الطعن أو التشهير، وهو مكتوب في نص الدستور، وعند التطبيق -فعلاً- لو كتبت إحدى الجرائد عن اليهودية أو عن النصرانية سباً أو شتماً في الدين وحوكمت فإنها تعاقب عقوبة رادعة قاسية؛ لأنها ضد الدستور، لكن لو أن الصحافة والإعلام هاجمت الإسلام ليلاً ونهاراً؛ فإن الأمر عادي، ومن أسباب ذلك: أن المسلمين لا يحركون الدستور، لا يدافعون عن دينهم، وليست هذه هي القضية، إنما القضية إقرار المبدأ، ونحن ربما نقول: إن أفضل شيء ألا يسبوا ديننا وألا نسب دينهم! وهل هذا هو المطلب النهائي؟ نعم في بلاد الكفر نقول: هذا مرحلة، أما أنه مطلب نهائي وغاية ما تسعى إليه الإنسانية فلا، إذ إننا لا نكتفي أن نعترض على دينهم، بل لا بد أن نقاتلهم ونجاهدهم ونتقرب إلى الله تبارك وتعالى بذلك، قال تعالى: (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ))[الأنفال:39]، والفتنة هي الشرك، (( وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ))[الأنفال:39]، أي: أن الدين عند الله هو الإسلام، فنقاتلهم جميعاً حتى يؤمنوا بالله وحده.