وعليه؛ فبناء على كلام هؤلاء لا يوجد عدو لله، وإنما الكل يعبدونه وإن اختلفت مظاهر عبادتهم، ومن هنا نحتاج إلى أن نثبت أن لله تعالى أولياء وأعداء، وأنه يوجد له أولياء ولاية مطلقة وأعداء عداوة مطلقة، أما النسبية فهي واردة؛ لأن الولاية كالإيمان، فالأولياء هم المؤمنون المسلمون، فكيف نثبت أن لله تعالى أولياء وأعداء من القرآن؟ قال الله تبارك وتعالى: ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ))[الممتحنة:1]، فالله تعالى بين أن له أعداء، وخاطب المؤمنين باسم الإيمان ألا يتخذوا أعداءه أولياء، وقال: ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ))[المائدة:51].فالخطاب واحد؛ لأن بعض من كتب في هذا المقام يفرق ويقول: هنا تولي، وهناك ولاية، والصحيح أن الخطاب واحد، والله تعالى خاطبه باسم الإيمان في الآيتين، فليس فيه فرق إلا أن المقصود بآية الممتحنة: المشركون، وهناك صرح بذكر أهل الكتاب من
اليهود و
النصارى ، ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض، ثم أكد فقال: ((
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ))[المائدة:51]، أي: من يتولى الكفار فهو كافر مثلهم، ولا يصح له دعوى الإيمان وإن زعم ذلك وادعاه.فإذاً الآية فيها إثبات الولاية، لكن كلمة (العداوة) ليست واردة فيها، بل هي متضمنة لها: ((
وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ ))[الممتحنة:4]، وقوله: ((
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ))[المائدة:82] والأصرح من ذلك قوله تعالى: ((
مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ))[البقرة:98] وأيضاً: ((
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ))[الأنفال:60]، فأثبتت الآية -كما في آية الممتحنة- أعداء لله وأعداء المؤمنين، وقال تعالى في سورة فصلت: ((
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ))[فصلت:19] وهذا دليل على -كما في سياق الآيات- أن هؤلاء الكفار هم أعداء الله، وأن مصيرهم إلى النار، كما أن المؤمنين هم أولياء الله ومصيرهم الجنة، فهما طريقان مفترقان تماماً، فهذا ولي بإطلاق، وهذا عدو بإطلاق.