المادة    
وقال اللقاني في شرح الجوهرة في شرح قوله: (وفسر الإيمان) أي: حده جمهور الأشاعرة والماتريدية وغيرهم بالتصديق المعهود شرعاً، وهو تصديق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما علم مجيئه من الدين بالضرورة. فهم لا يقولون: إن الإيمان الشرعي: هو تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به، وإنما يقولون: فيما علم من الدين بالضرورة، واشتهر بين أهل الإسلام، وصار العلم به يشابه العلم الحاصل بالضرورة بحيث يعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال، فهم يشترطون ذلك لأن الإيمان عندهم لا يتجزأ، ولا ينقص، ولا يزيد، وأما نحن فليس عندنا أي حرج، فمن بلغه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أمر من أمور الآخرة، كشرط من أشراط الساعة مثلاً، أو حديث فيه خبر من أخبار من كان قبلنا من الأنبياء أو غيرهم؛ آمن به من غير حرج، ومن علم شيئاً غداً فالحمد لله، وأما هم فعندهم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ فيلزم منه الحرج، وتكفير من جهل شيئاً، أو لم يتعلم شيئاً؛ لأننا إذا قلنا: إن الإيمان: هو الإيمان بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقطعاً أن كثيراً من الناس -إن لم يكونوا أكثر الناس- لا يعلمون بعض ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً فليس عندهم إيمان؛ لأنه لا يزيد ولا ينقص، إذاً فهم كفار.
إذاً فالسبب هو حتى يكون الإيمان ماهية لا تزيد ولا تنقص، وحقيقة واحدة غير مركبة، أو كما يقولون: جوهر أو حقيقة واحدة؛ لكي يتجنبوا ما قد يقع من إشكال، فإذا قيل لهم: من جهل حكم كذا فإنه يكفر، قالوا: لا يكفر؛ لأننا اشترطنا أن يكون الأمر معلوماً من الدين بالضرورة، وبناءً عليه فحديث الآحاد لا يعملون به؛ لأنه لم يثبت عندهم بالضرورة، وقولهم هذا يلزم عليه لوازم باطلة.
ونجد دائماً صاحب البدعة، أو صاحب القول الباطل أو الخطأ إذ أصل أصلاً خطأ فإن لوازم هذا الأصل تكون خطأ، فما بني على باطل فهو باطل، فالإيمان عندهم: هو أن يعلم الإنسان ما هو معلوم من هذا الدين بالضرورة؛ حتى يعلمه كل أحد، وفي الواقع أن هذا محل إشكال؛ لأن ما قد تراه أنت معلوماً لدى كل أحد قد تفاجأ بمن يجهله، فهل تقول: إنه فاقد للإيمان بالكلية؟! فما فروا منه لا بد أن يقعوا فيه؛ لأن الباطل لا بد أن يوقع صاحبه في الحرج والباطل؛ إلا إن رجع عنه إلى الحق.
ففي موضوع العمل يقولون: فلو لم يصدق بوجوب الصلاة ونحوها عند السؤال عنه يكون كافراً، فليس لازماً أن يصلي، فإذا سئل عن الصلاة: هل الصلاة واجبة؟ فإنه يلزمه أن يقول: واجبة، وإذا قيل له: هل تصدق بأن الله فرض الصلاة؟ فإنه يلزمه أن يقول: نعم، ولو لم يصدق كان كافراً، فليس ذلك بترك الصلاة كما يقول أهل السنة والجماعة ، ولكن بعدم الإقرار والتصديق بها.
يقول: والمراد من تصديقه صلى الله عليه وسلم قبول ما جاء به، مع الرضا بترك التكبر والعناد، وبناء الأعمال عليه، لا مجرد وقوع نسبة الصدق إليه بالقلب من غير إذعان، وقبول له، حتى لا يلزم الحكم بإيمان كثير من الكفار الذين كانوا عالمين بحقيقة نبوته عليه الصلاة والسلام، وما جاء به؛ لأنهم لم يكونوا أذعنوا بذلك، ولا قبلوه، ولا بنوا الأعمال الصالحة عليه.
إذاً فهو يستدرك حتى لا يقال له: يلزم من هذا الكلام إيمان فرعون، وإيمان أهل الكتاب، فهو يقول: لا، نحن لا نعني مجرد اعتقاد نسبة الصدق، وإنما لا بد من الرضا، وترك التكبر والعناد، وبناء الأعمال -إن عمل- عليه.
إذاً: فالإيمان الواجب على العبد في هذه الحالة هو: أن يصدق بها، ويذعن، فلو صلَى فإنه يصلي بناءً على هذا الإذعان، لكن لو لم يصل فهو عندهم مؤمن؛ لأنه ولو لم يرض بهذا الأمر. قال: كأن يقول: ما شرع الصلاة، فهذا يكفر عندهم بناءً على هذا، وليس على عمل الجوارح، لاحظوا حتى حينما يحاول يدافع يكون كل كلامهم داخل في دائرة العمل أو التصديق الباطن، وأما العمل الظاهر فهم لا يذكرونه مطلقاً.
يقول صاحب الجوهرة:
مثال هذا الحج والصلاة             كذا الصيام فادر والزكاة
فقوله: (اشرح الإسلام بالعمل)، أي: اشرح الإسلام بالصلاة والحج والزكاة، فهذا هو ما في حديث جبريل، لكنهم لا يقصدون ولا يوافقون حديث جبريل عليه السلام، وإنما يقولون: المراد هو الإذعان بالمذكورات من الحج والصلاة، وتسليمها، وعدم مقابلتها بالرد والاستكبار.