المادة    
يقول السنوسي أيضاً -وهو من المتأخرين، وهو صاحب متون كثيرة يدرسونها في شمال إفريقيا وغيرها، وهو متوفى سنة ثمانمائة وخمس وثمانين-: (أما الكافر فذكره لهذه الكلمة -يعني: كلمة التوحيد- واجب وشرط في صحة إيمانه القلبي مع القدرة). أي: الإيمان موجود عندهم لكن من شرط صحته أن يقول ويقر بلسانه مع القدرة، وأما الحالات العارضة فلا تذكر.
يقول: (وإن عجز عنها -أي: عن النطق بها- بعد حصول إيمانه القلبي لمفاجأة الموت ونحو ذلك سقط عنه الوجوب، وكان مؤمناً).
وهذا الافتراض خيال، والمقصود به أن يردوا كلام أهل السنة والجماعة .
قال: (هذا هو المشهور من مذاهب علماء أهل السنة) ويعني بـأهل السنة هنا: أصحابهم، ومن هنا تتجلى أهمية المعلم؛ فالكتاب ولا يقرأ إلا بمعلم، أو على الأقل تسأل عن هذا الكتاب: وما هي العقيدة التي فيه؟ وماذا يتضمن؟ وماذا يعتقد مؤلفه؟
قال: (وقيل: لا يصح الإيمان بدونها مطلقاً) أي: هناك قول: أن الإيمان لا يصح بغير كلمة الشهادة.
يقول: (وقيل: يصح الإيمان بدونها مطلقاً، وإن كان التارك لها اختياراً؛ كما في حق المؤمن بالأصالة إذا نطق بها ولم ينو الوجوب، ومنشأ هذه الأقوال الثلاثة، والخلاف في هذه الكلمة: هل هي شرط في صحة الإيمان، أو جزء منه فتكون شطراً، أو ليست بشرط فيه، ولا جزء منه، والأول هو المختار).
أي: أنه رجح أنها شرط وليست شطراً.
ثم جاء الدسوقي يشرح كلامه فقال: (حاصل ما ذكره الشارح من الأقوال: أن الأقوال فيه ثلاثة: فقيل: إن النطق بالشهادتين شرط في صحته -يعني: الإيمان- فيكون خارجاً عن ماهيته، وقيل: إنه شطر -أي: جزء من حقيقة الإيمان- فالإيمان: مجموع التصديق القلبي، والنطق بالشهادتين)، وهذا مثل مذهب الحنفية الفقهاء الذين يجعلون الإيمان أمرين: النطق والاعتقاد، أو الإقرار والاعتقاد، أو التصديق والإقرار، (وقيل: ليس شرطاً في صحته، ولا جزءاً من مفهومه؛ بل هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية، وهو المعتمد).
فالراجح عندهم: أنه ليس شرطاً ولا شطراً، وإنما فقط من أجل إجراء الأحكام الدنيوية، فنحن نشترط عليه أن يقول: لا إله إلا الله؛ حتى نجري عليه الأحكام؛ وإلا فلو آمن من غير أن يقولها، أي: بينه وبين الله فإنه يدخل الجنة، ويكون كامل الإيمان، ولا يترتب على ذلك شيء.
يقول: (وعليه فمن صدق بقلبه ولم ينطق بالشهادتين -سواءً كان قادراً على النطق، أو عاجزاً عنه- فهو مؤمن عند الله، ويدخل الجنة)، وهذا افتراء عظيم، (وإن كانت لا تجري عليه الأحكام الدنيوية: من غسلٍ، وصلاة عليه، ودفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه ورثته المسلمون، لكنه عند الله مؤمن، وناجٍ، ومن أهل الجنة)، وهذا تناقض.
قال: (فقول الشارح: هذا هو المشهور أي: وجوب النطق -وأنه شرط؛ غير مسلَّم، بل هذا ضعيف. وقوله: وقيل: لا يصح الإيمان بدونها مطلقاً، أي: سواءً كان قادراً أو عاجزاً، وهذا القول منكر).
أي: أن القول: بأن الإيمان لا يصح إلا بالشهادتين قول منكراً، مع أنه هو الحق، وهو إجماع السلف الصالح، وكان ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أمراً متواتراً ومعروفاً، فالإنسان لا يكون مؤمناً ظاهراً ولا باطناً إلا بأن يشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقر بذلك، وهنا جعله منكراً.
يقول: (وليس مبنياً على القول بأن النطق شطر من الإيمان؛ لأن من قال بذلك ترك القدرة، وأما العاجز عن النطق لخرس ونحوه فيكفيه لصحة إيمانه عند الله التصديق القلبي. ونحن هنا لا نتكلم عن الحالات العارضة الاستثنائية).
ويقول الكمال بن الهمام صاحب المسامرة على المسايرة ، وهو من كبار الماتريدية ، وكتاب السنوسي هذا هو حاشية على أم البراهين ، وأم البراهين متن مشهور في بلاد المغرب و إفريقيا وهذه حاشية على أم البراهين كتبها الدسوقي ، وأما الكمال بن الهمام فكتابه اسمه المسامرة يقول الكمال : اختلاف الناس في الإيمان، فذكر أولاً القول بأن مسمى الإيمان هو التصديق فقط، ثم قال: وهو المختار عند جمهور الأشاعرة ، وبه قال الماتريدي ، وعليه الماتريدية ، والثاني: أن مسمى الإيمان تصديق القلب، والإقرار باللسان، وعمل سائر الجوارح، فماهيته على هذا مركبة من أمور ثلاثة إقرار باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، يقول: فمن أخل بشيء منها فهو كافر)، وهذا قول الخوارج يقول: (ولذا كُفِّر بالذنب؛ لانتفاء جزء الماهية). أي: أنه إذا انتفى جزء الماهية فقد انتفت الماهية؛ فلذلك يكفرون بالذنب، وأما أهل السنة والجماعة فإنهم يقولون بهذا ولا يكفرون بمجرد الذنب.