المادة    
  1. نقد منهج الشارح في طريقة عرض الخلاف في مسمى الإيمان

    هذا كلام الشارح رحمه الله في عرضه للمذاهب المختلفة في الإيمان، وأول مأخذٍ عليه لا يخفى، وهو ذكره أن الناس اختلفوا في موضوع الإيمان اختلافاً كثيراً، ثم ذكر المذهب الأول وهو مذهب أهل السنة والجماعة مذهب السلف، ثم ذكر المذهب الثاني مذهب الحنفية، ثم ذكر مذهب الكرامية ثم ذكر مذهب الجهمية .
    والأصل أن يقال: أجمع السلف وأهل السنة والجماعة على هذا، خاصةً أن الصحابة والتابعين لم يكن بينهم خلاف في هذا، ثم بعد ذلك يقال: وشذ أو وخالف فلان ثم يبين بعد ذلك، فما كان من مذهب الإمام أبي حنيفة ومن معه شذوذ، فهم من أهل السنة ولكنهم شذوا وخالفوا وأخطئوا، وما كان من غيرهم فهو ابتداع، وما قاله الجهم وما ذهب إليه أيضاً الماتريدي و الأشعري و الصالحي وغيرهم بدعة منكرة تنكر على صاحبها، وهي مخالِفة للإجماع.
    فمنهجنا الذي يجب أن نلتزم به دائماً في عرض العقيدة هو أن نبين أولاً المذهب الصحيح، ونبين الحق بالأدلة، ونشبع ذلك بحثاً كما قد عملنا والحمد لله، حيث نقلنا إجماعات كثيرة في مسألة حقيقة الإيمان، ثم بعد ذلك ننظر في الخلاف.
    وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله في أول كتاب الإيمان الكبير : إن الناس اختلفوا منذ أن خرج الخوارج، وكثر الكلام وكثرت المصنفات في موضوع الإيمان، ونحن نبتدئ بذكر هذا وبيانه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك نأتي على أقوال الناس؛ إذ الأصل أن يقرر ما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يقال: إن فلاناً خالف، وإن فلاناً وافق في شيء وخالف في شيء.. إلخ.
    فهذه قاعدة منهجية عندنا، خاصةً أنه ليس كل أحد من الناس يحتاج إلى أن يعرف المذهب المخالِف ويعرف كيف يرد عليه، ولكن كل الناس محتاجون إلى أن يعرفوا الحق وأن يعتقدوه، ولهذا لا يضر بعض الناس أنه لا يستطيع أن يرد على مذهب الجهمية أو الأشعرية ، ولكن يضره أنه لا يعرف حقيقة مذهب أهل السنة والجماعة .
    فهذا أول ملحظ يؤخذ على الشيخ الشارح رحمه الله، فالمسألة ليست منحصرة في الأئمة الثلاثة -كما ذكر- وبعض أهل الحديث، وإنما نقول: انعقد الإجماع على هذا، ويكفي أن الإمام الشافعي رحمه الله -على إمامته وفضله وتقدمه حقيقةً وزمناً- نقل الإجماع على أن الدين قولٌ وعمل كما بينا، واستدل على ذلك بآية البينة، وغيره كذلك.
  2. نقد نسبته إلى السلف تفسير الإيمان بقول اللسان واعتقاد القلب وعمل الجوارح

    والملحظ الثاني: قوله: إنهم يقولون إن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، وهذه ثلاث جمل، وقد رجحنا أنه: قولٌ وعمل، وأن القول قولان والعمل عملان.
    أما هذه الثلاث الجمل فلا تُدخِل قول القلب، ولابد من أنهم يشترطون قول القلب، لكن هذه العبارة لا تفصل بين القول والعمل، ففي الكلام إجمال.
    ثم إن قوله: اعتقاد بالجنان وقولٌ باللسان وعملٌ بالأركان، يفهم منه أن كل جزء من هذه الأجزاء الثلاثة منفصلٌ عن الآخر، فالقلب منه الاعتقاد أو الإقرار، واللسان منه القول، والجوارح منها العمل.
    فإذا قلنا: عملٌ بالأركان فكأننا فصلناه عن عمل القلب، وعليه فإنه يمكن لقائل أن يقول: أنا عندي ركنان: اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان، وليس عندي عمل بالأركان! وهذا الذي وقعت فيه مرجئة الفقهاء .
    وأما نحن فنقول: الأصل أنها لا تنفصل، أي أن عمل الجوارح لا يمكن أن ينفصل عن عمل القلب.
    ومثال ذلك الصلاة، فقول القلب فيها أن يعتقد العبد أن الله تبارك وتعالى افترض عليه أن يؤدي الصلوات الخمس، وجعلها ركناً من أركان الإسلام، وأمره بها، فيفعلها بنية التقرب إلى الله تعالى، فعمل القلب هو الانقياد والإذعان والتزام العمل، واليقين، والإرادة الجازمة، ومحبة الصلاة، والخشية والخشوع.
    وأما قول اللسان في الصلاة فالتكبير والقراءة والتسبيح، وأما عمل الجوارح فالركوع والسجود.
    فمذهب أهل السنة والجماعة ميسر وواضح وسهل.
    صحيح أن بعض الأعمال قد تكون من عمل القلب في الأصل، ولكن ينشأ منها أثر وهو عمل الجوارح، وبعض الأعمال هي في الأصل من عمل الجوارح، ولكن ينشأ منها أثر في القلب، والتلازم بين الباطن والظاهر، وبين عمل القلب وعمل والجوارح ليس بدرجة واحدة.