المادة    
قال المصنف رحمه الله: {والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص}، عند الفلاسفة ثلاث خصائص، يمكن لأي أحد وجدت عنده، أو حاول أن يكتسبها، أن يصبح نبياً على مفهومهم للنبوة.
وهذه الصفات أو الخصائص هي:
  1. قوة الإدراك

    قال المصنف: [...قوة الإدراك وسرعته؛ لينال من العلم أعظم مما يناله غيره]، فيكون عنده إدراك وذكاء بحيث يفهم من اللمحة أكثر مما يفهم غيره.
  2. قوة النفس والتأثير

    قال: [وقوة النفس؛ ليؤثر بها في هيولى العالم، بقلب صورة إلى صورة].
    عنده أيضاً قوة تأثير نفسي بحيث يقلب الهيولى إلى صورة، والهيولى كلمة يونانية تعني مادة الشيء.
    فمثلاً: الخشب في ذاته يسمونه هيولى، أي: مادة الخشب، فإذا صنع من الخشب كرسي أو عصا، أو نحو ذلك، سمي هذا الشيء: صورة، فالذي لديه قوة نفس يستطيع أن يقلب الهيولى إلى صورة، أي: أنه يستطيع بالقوة النفسية -على زعمهم- أن يقلب هذا الشيء إلى شيء آخر، وهذا في الحقيقة هو الساحر، وهذه هي صفاته؛ ولهذا اقترن السحر بالفلسفة، وبالتصوف؛ لأن الصوفية في الأصل فلاسفة، فلا فرق عندهم بين معجزات الأنبياء وبين السحر.
    فمثلاً يقولون: إن الله تعالى أعطى الأنبياء آيات ومعجزات، ومن ذلك أنه أعطى موسى معجزة قلب العصا إلى حية، فما فعله موسى وأظهره الله على يده لا يختلف عما فعله السحرة، فالكل عندهم مجرد تغيير من هيولى إلى صورة وإلى شكل، ولا فرق، فالكل واحد، ولذلك فإنهم إما أن يعتبروا الأنبياء سحرة والعياذ بالله! وهذا مما يكفرون به، وإما أن يعتبروا السحرة أنبياء، ولا فرق عندهم، فكل من كانت عنده قدرة على أن يقلب الأشياء، فهذا هو الذي يملك صفة النبوة؛ لأن النبوة في نظرهم هي أن يمتلك هذه القوة التأثيرية النفسية لقلب الأشياء والحقائق، فيؤثر في هيولى العالم ويقلبها من صورة إلى صورة.
  3. قوة التخييل

    قال: [وقوة التخييل؛ ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم]، فالملائكة عندهم عبارة عن قوى عقلية، فبقوة هذا الرجل الذي عنده قوة التخييل، يقلب هذه القوى العقلية إلى أشكال وهيئات محسوسة.
    فهم في الحقيقة لا يعتقدون بوجود الملائكة، وقوة التخييل هي كفعل السحرة الذين يقلبون الأشياء من شكل إلى شكل آخر، وهي عند الفلاسفة أنه يستطيع أن يقلب القوى العقلية -وهي الملائكة في زعمهم- إلى أشكال محسوسة، فيقول: جاءني ملك صفته كذا وكذا.. وهذا من كفرهم والعياذ بالله!
    يقول: [وليس في الخارج -أي: خارج الذهن عندهم- ذات منفصلة، تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، وتُرى وتخاطب الرسول]، أي: أنه ليس هناك ملائكة لها ذوات مستقلة تفعل هذه الأفعال، من الصعود والنزول... إلخ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار}، فهي تذهب وتجئ، وتُرى، وتخاطب الرسول، كما خاطب جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم.
    يقول: [وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان]، فالملائكة عندهم ليست حقائق خارجية موجودة، إنما هي مجرد تخيلات في أذهان هؤلاء الذين عندهم هذه الخصائص وهذه الصفات.
    إذاً: مما سبق يتبين أنهم لا يؤمنون بالله، ولا بالملائكة، ولا بالكتب، ولا بالرسل.