المادة    
وأما قوله تعالى: (( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ))[الزمر:33] فقد مضى الاستدلال بها على أن الإيمان هو التصديق والتصديق، يشمل قول القلب وعمل القلب، وقد ذكرناها سابقاً لنقول: إن بعض السلف قالوا: الإيمان هو التصديق، وقد يقول قائل: ما دام هؤلاء قالوا: الإيمان هو التصديق، والمرجئة يقولون: الإيمان هو التصديق، إذاً: فالمذهبان واحد، لا، إذ أن التصديق في كلام السلف له معنى آخر، وهو العمل بالقلب والعمل بالجوارح، واستدللنا على ذلك من القرآن ومن السنة.
إذاً: لو وجدنا أن الإمام أحمد رحمه الله أو الفضيل أو أحد من أئمة أهل السنة والجماعة قال: الإيمان هو التصديق، أو الإيمان هو التصديق -مثلاً- والعمل، فالتصديق عن السلف ليس كما يظن أولئك، فلو صح أن الإيمان لا يُعرَّف إلا بالتصديق، ونظرنا إلى المعنى اللغوي وقلنا: الإيمان هو التصديق -مثلاً- كما يقولون، فنقول: حتى التصديق لا نقصد به ما تقصدون أنتم من إخراج أعمال الجوارح وأعمال القلوب، وإنما المعنى كما في قوله تعالى: (( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ))[الصافات:105]، أي: أقررت وعملت بها، وطبقتها ونفذتها وحققتها، إذاً التصديق: هو العمل والتحقيق، قال تعالى: (( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ))[الزمر:33]، أي: آمن به قولاً وعملاً وحققه، ولو قال: أقر به وأصدق بقلبي ولا أعمل، فإن الله عز وجل لا يثني عليه بهذا الثناء.
فإذاً: هذا بيان أن السلف يقصدون بالتصديق المعنى الذي جاء في القرآن وجاء في السنة، وهو بمعنى العمل كما في حديث: ( والفرج يصدق ذلك أو يكذبه )، أي: بفعل الفاحشة والعياذ بالله، وليس المقصود الإقرار.
  1. الاستثناء في الإيمان بين أهل السنة والمرجئة

  2. أعمال القلوب أخص من أعمال الجوارح