المادة    
قال: (وأهله في أصله سواء)، ويعني بالأصل: أعمال القلب، وأعمال القلب تتفاوت، فما دام أن الأصل هو أعمال القلوب، أي: الإيمان الباطن، فهم جعلوا الإيمان الباطن هو الإيمان، أما الإيمان الظاهر فلا يستطيعون أن يجعلوه؛ لأنهم قالوا: يتركه الإنسان ولا يكفر، لكن لو ترك شيئاً من الإيمان -أعمال الإيمان- فجعلوا الإيمان هو ما في القلب، أي: الإيمان الباطن، ومع ذلك قال: (وأهله في أصله سواء)، فلو كان أهله فيه سواء للزم من ذلك أن يكونوا سواء في اليقين والإخلاص والخشية والتقوى، وهذا الملحظ الأول على العبارة، وأما الملحظ الآخر: هل عندما سألهم الله تعالى: (( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ))[الأعراف:172] هذا الإقرار الموجود في كل النفوس، هل أهله فيه سواء؟ وهل الإقرار بالربوبية واحد؟ وإن الإقرار الذي أخذ في عالم الذر يسألون عنه يوم القيامة، منهم في الدنيا لديه هذا الإقرار بالربوبية.
إذاً: فالسؤال: هل الإقرار بربوبية الله تبارك وتعالى واحد وأهله فيه سواء؟ إن بعض الكفار اليوم، وكثير منهم علماء فلك، وعلماء طبيعة، وعلماء أحياء تأملوا آيات الله الكونية التي قال الله تبارك وتعالى عنها: (( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ))[فصلت:53] فتبين لهم أن الله تبارك وتعالى هو الحق، وأن القرآن هو الحق، وكونه مسلم هذا أمر آخر، فقد لا يسلم، لكن يقول: القرآن لا يمكن أن يكون من كلام بشر، والله تعالى حق، ولم يخلق هذا الخلق عن عبث وصدفة مثلما يقول الملحدون عندنا في الغرب، بل يقر بأن هذا حق، فهذا إقرار بالربوبية، وهو مقتضي: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)، ولكن هل هذا موجود لدى بقية الناس؟ إنه غير موجود، وأضف إلى ذلك: المؤمنون، المسلمون، الموحدون، هل إقرارهم بالربوبية ليس واحداً؟ لا؛ لأنه جزء من الإيمان، وهم في أصلابهم إيمانهم سواء، ولما خرجوا إلى الدنيا هم كذلك، والعالم والمتعلم يتكلم عن جميع الناس الأحياء المخاطبين في هذه الدنيا، أما ما دام أن البشر في عالم الذر فهم دون التكليف، فالإنسان لا يكلف إلا بعد البلوغ، فنحن لا نتكلم عن هذه الحالة؛ لأنها حالة غيبية، لكن الكلام هو بعد أن أوجدهم الله، وأصبحوا في هذه الدنيا؛ ولذلك السؤال يكون يوم القيامة عن أعمالهم، وعن إقرارهم: (( أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ))[الأعراف:172-173]، فالمقصود من هذا الإقرار هو: الإعداد للجواب يوم القيامة.
إذاً: فالكلام عن المكلفين المخاطبين الأحياء في الدنيا، فنقول قوله: (وأهله في أصله سواء) العبارة خطأ من جهة كلمة (سواء)؛ لأن أهل الإيمان متفاوتون فيه.
وما دام أنه أثبت أصلاً فلا بد أن لهذا الأصل فروعاً، لكن نحن نقول لهم: هل هذه الفروع داخلة في الأصل أم خارجة عنه؟ مثال ذلك: الشجرة، وقد ذكره الله تعالى في القرآن، وهو دليل فطري على صحة عقيدة أهل السنة والجماعة ، إذ إن الشجرة تسمى: شجرة، فجذورها التي في الأرض والجذع والأغصان والفروع والثمر كله يقال له: شجرة، قال تعالى: (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ))[إبراهيم:24]، فهذه شجرة: لا إله إلا الله، وهذا هو الإيمان، لكن على كلام الإمام الطحاوي: (أهله في أصله سواء) فهل الفرع تابع للأصل؟ إن قال: إن الفرع داخل في مسمى وفي حقيقة الأصل ألزمناه بأن يكون من أهل السنة والجماعة ، وهذا كلامنا نحن.
إذاً: لماذا تقول: (وأهله في أصله سواء)؟ إن هذه العبارة أصبحت خطأ، فأنت بهذا يلزمك أن تقول: إن الأصل والفرع كلها إيمان، وعلى هذا إن قال: إن الناس في الإيمان سواء بأصله وفرعه، فهو لا يقر بذلك؛ لأنه يعلم أن الناس لا يمكن أن يتساووا في الفروع على الأقل في الأعمال الظاهرة، وإن التزم غير ذلك فقد ألزمناه بأنه كمن جعل جذور شجر التفاح -مثلاً- في الأرض للتفاح، وأما الجذع والثمر والورق والأغصان فهو لشجرة الطلح، وهو شوك وأذى، فكيف يمكن أن يكون هذا؟ يمكن أن يكون شيء منها طلحاً وشيء منها تفاحاً؟ إن هذا هو الذي يوقع في التناقض، إذاً: عبارة الشارح إما أن يقول: (وأهله فيه سواء) مثل ما نقل عن شيخهم الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وعلى هذا فلا داعي أن يقول: والتفاضل بينهم في كذا، أو إن قالها على تأويل، المقصود: عليك أن تقول: (أهله فيه سواء)، فإذا قال ألزمناه به الطائفة كلها من قبل، وهو أن الإيمان ليس أهله فيه سواء بالأدلة المعروفة لدى الجميع، وإما أن يقول: وأهله يتفاضلون فيه، ولا داعي لأصل وفرع ما دام قد جعلناه شيئاً واحداً، فلا يجعل التفاضل بالتقوى والخشية، ويجعل الأصل هو مجال التساوي فيقول: وأهله يتفاضلون فيه.
  1. تصحيح عبارة المصنف: (وأهله في أصله سواء)