المادة    
أما القائلون بأن العبد يفعل الشيء لذاته تعالى لا لغيره ولو لم يكن يلائمه؛ فإنهم طائفة شاذة يسمون حكماء اليونان الذين أخذوا هذا عن عباد الهند فجاءوا بهذه الشبهة، وقالوا: إن الذي يميل إلى المحبوب الملتذ به هم ضعفاء النفوس وأوساط الناس، أما من ترقى في الحكمة وفي العقليات، فإنه دائماً ينظر إلى النعيم الروحاني، فأفضل نعيم عنده هو النعيم الروحاني واللذة العقلية، وليس اللذة الجسدية أو الحسية! هكذا يزعمون، ولذلك نجد أن عباد الهنود غاية ما يريدون من عبادتهم الاتحاد بـبراهما؛ فتجدهم يعذبون أجسادهم في الدنيا عذاباً شديداً جداً؛ لأنها بزعمهم تتصفى وتتنقى لتتحد بـبراهما ، وهو الإله الأكبر عندهم، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، فلا يطمعون في جنة ولا يخافون من نار، وحكماء اليونان وأمثالهم أخذوا هذا منهم، وأصبحوا يعتقدون ذلك، ثم انتقل هذا التصور عن طريق من يسمون بالفلاسفة الإسلاميين، فأصبحوا يرون أن ذكر النعيم الذي أعده الله في الجنة، وذكر العذاب الذي أعده الله في النار إنما هو للعامة، أما هم فلذتهم لذة عقلية لا حسية، وعذابهم عذاب عقلي لا حسي.
وهذه مكابرة للواقع؛ فإنهم في حياتهم الدنيا المحدودة لا بد لهم من أمور تلائمهم ويحبونها، ولا بد لهم من أمور لا تعجبهم ولا تلائمهم وينفرون منها.