وللحافظ
ابن رجب رحمه الله تعالى كلام نفيس لا بأس بأن نأتي على طائفة منه في كتابه المفيد النافع كتاب
التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار ، وهو -رحمه الله تعالى- لا يخرج عن كلام
ابن القيم ، ولكن فيه بعض التفصيل، ولأننا ذكرنا كلام
ابن القيم فيما سبق آثرنا هنا أن نأتي بكلام الحافظ
ابن رجب رحمه الله.يقول رحمه الله تعالى: (الخوف من عذاب جهنم لا ينجو منه أحد من الخلق) نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا وسائر إخواننا المسلمين منها، فلا يجوز لأحد أن يدعه (وقد توعد الله تبارك وتعالى خاصة خلقه على المعصية)، فما توعد الله سبحانه وتعالى المذنبين والمجرمين فقط. (قال الله تعالى: ((
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ))[الإسراء:39]، وقال في حق الملائكة المقربين: ((
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ))[الأنبياء:29])، وقال في حق الرسل: ((
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))[الزمر:65].فهذا الوعيد جعله الله تبارك وتعالى لخاصة خلقه من الأنبياء والرسل الكرام -ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم- والملائكة، فلا يأمن -إذاً- أحد من الوعيد.قال رحمه الله تعالى: (وثبت من حديث
عمارة بن القعقاع عن
أبي زرعة عن
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال: (
فيأتون آدم ... ) وذكر الحديث، وقال: (
فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه أمرني بأمر فعصيته، فأخاف أن يطرحني في النار، انطلقوا إلى غيري، نفسي نفسي ) وذكر في نوح وإبراهيم وموسى وعيسى مثل ذلك، كلهم يقول: إني أخاف أن يطرحني في النار).أي: أنهم يذهبون إلى أبينا آدم عليه السلام؛ لأنه أول الخلق وأبوهم ومقدمهم من ناحية السن والوجود، وبعده يذهبون إلى أولي العزم من الرسل، وكل واحد من هؤلاء الرسل الكرام يقول: إني أخاف أن يطرحني في النار، نفسي نفسي. لا يسأل الله سبحانه وتعالى شيئاً غير ذلك، حتى يأتوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: (
أنا لها، أنا لها ) صلوات الله وسلامه عليه.فهذا دليل على أن الخوف من النار يجب أن يكون عند كل أحد حتى من كان هذا حاله وهذا شأنه.