المادة    
قال رحمه الله تعالى: (وإذا كان الأمر كذلك امتنع القطع لأحد معين من الأمة غير من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة).
يعني: إذا كان الوعيد له موانع قد تحول دون إنفاذه، فلا نقطع نحن ولا نجزم لأحد معين من هذه الأمة بأنه من أهل الجنة أو من أهل النار، فلا نقول: فلان هذا من أهل النار؛ لأنه زنى وسرق وفعل، بل نقول لقائل ذلك: وما أدراك أن يكون من أهل التوبة أو الاستغفار، أو أن له حسنات ماحية، أو نالته مصائب مكفرة، أو نالته الشفاعة أو دعاء المؤمنين، أو طهر بعذاب القبر؟! فلذلك نقول: لا نشهد ولا نقطع ولا نجزم لمعين مهما كانت ذنوبه ما دام من أهل التوحيد ومن أهل الإيمان في ظاهر حاله بأنه من أهل النار.
فإن قيل: ماذا نفعل؟ فالجواب: نرجو للمحسنين وللمتقين ولأهل الخير والصلاح والفلاح، ونثني عليهم بذلك، كما في حديث الجنازة حين مر بها فأثنوا خيراً، فنرجو لهم ذلك ونثني عليهم به وندعو الله سبحانه وتعالى لهم بالخير، ونخاف على المجرم والمسيء والمذنب، لكن رجاءنا لهذا المحسن لا يجعلنا نجزم له بالجنة، وخوفنا على هذا المجرم لا يجعلنا نجزم له بالنار، هكذا عقيدة أهل السنة والجماعة ، فنرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو الله تعالى عنهم ويدخلهم الجنة برحمته؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنه لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله! قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته ).
إذاً: السبب -في الحقيقة- هو الرحمة، فالدخول يكون بالرحمة، والأعمال أسباب لا تنكر ولا تنفى، لكنها ليست عوضاً.
وقوله: (ولا نأمن عليهم) أي: مهما فعلوا من الطاعات ومهما كانت درجاتهم في الخير والفضل لا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم ونخاف عليهم.
قال: (ولا نقنطهم)، فالمسيء نخاف عليه، لكن لا نقنطه من رحمة الله، بل نحثه على التوبة وعلى الرجاء وعلى الاستغفار، أما من شهد له النص بالجنة أو بالنار فهذا نشهد له كما شهد له النص، كالعشرة وكثير غيرهم، نشهد لهم بالجنة، والذين شهد لهم بالنار -نسأل الله العفو والعافية- كـأبي لهب و أبي طالب وغيرهما من هذه الأمة.
إذاً: هناك من نجزم له بالجنة وهناك من نجزم له بالنار بمقتضى النص الصريح عليهم بأسمائهم، وأما من عداهم فعقيدة أهل السنة والجماعة ومذهب السلف الصالح أنه يرجى للمحسن الثواب ويخشى على المسيء العقاب، لكن لا نشهد لهذا ولا لهذا، ولا يقنط أيضاً أصحاب الذنوب والمعاصي.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.