المادة    
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[فإن مذهبهم أن الله سبحانه وجودٌ مجرد لا ماهية له ولا حقيقة، فلا يعلم الجزئيات بأعيانها، وكل موجود في الخارج فهو جزئي، ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته، وإنما العالم عندهم لازم له أزلاً وأبداً، وإن سموه مفعولاً له، فمُصانعةً ومصالحة للمسلمين في اللفظ، وليس عندهم بمفعول، ولا مخلوق، ولا مقدور عليه، وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته، فهذا إيمانهم بالله.
وأما كتبه عندهم فإنهم لا يصفونه بالكلام، فلا تكلم ولا يتكلم، ولا قال ولا يقول، والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: قوة الإدراك وسرعته؛ لينال العلم أعظم مما يناله غيره! وقوه النفس؛ ليؤثر بها في هيولى العالم بقلب صورة إلى صورة، وقوة التخييل؛ ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم! وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيءُ وترى وتخاطب الرسول، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان.
وأما اليوم الآخر فهم أشد الناس تكذيباً به وإنكاراً له، وعندهم أن هذا العالم لا يخرب، ولا تنشقُّ السماوات ولا تنفطر، ولا تنكدر النجوم، ولا تكوَّر الشمس والقمر، ولا يقوم الناس من قبورهم، ويبعثون إلى جنة ونار، كل هذا عندهم أمثال مضروبة لتفهيم العوام، لا حقيقة لها في الخارج، كما يفهم منها أتباع الرسل، فهذا إيمان هذه الطائفة -الذليلة الحقيرة- بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذه هي أصول الدين الخمسة
] اهـ.
الشرح:
الإيمان بالله عند الفلاسفة معناه: الإقرار بأن هذا الكون معلول وله علة، بمعنى: أنهم لا يقولون: إن الكون مخلوق وله خالق، والعلة هي التي يسميها المؤمنون الله سبحانه وتعالى، أي: أن نشوء الكون ووجوده مثل نشوء المعلول عن طريق العلة، ولا يقولون بخالق أنشأ مخلوقاً أو خلق خلقاً وأوجده، فالعلاقة بين الخالق والمخلوق، وبين الكون وبين الله سبحانه وتعالى عندهم تختلف عما يعرفه المؤمنون، وهذه العلاقة تختلف بحسب الأديان والآراء، لكن الله سبحانه عند الفلاسفة هو العلة الأولى، ويقولون: الأولى -حسب كلام أرسطو - على أساس أن أرسطو يرى أن العلة الأولى نشأت منها العلة الثانية، أو العقول، وهكذا إلى العقل العاشر، ثم عنه نشأ الكون، وهذا كلام ليس عليه دليل لا من المنقول ولا من المعقول، ولا يؤمن به عاقل.
فالله سبحانه وتعالى عند الفلاسفة موجود لا ما هية له ولا حقيقة، أي: لا يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى ذات موجودة خارج الأذهان، كما يؤمن جميع الناس من غيرهم من أهل الأديان وغيرها، بأنه سبحانه وتعالى له وجود حقيقي فوق العالم، فهو ذات موجودة؛ بل يرون أن وجود هذا الإله في الذهن فقط؛ لأنه علة نشأ عنها هذا الكون، فليس له وجود حقيقي، وليس له ماهية.