إننا في حديثنا عن الفلسفة نتناول أنواعاً كثيرة منها، وإن كان المصنف رحمه الله قد تعرض هنا للفلسفة القديمة؛ لأنها هي المعروفة، لكن يوجد الآن في العالم فلسفات كثيرة، أما الفلسفة القديمة -وهي فلسفة اليونان عموماً، كفلسفة
سقراط و
أفلاطون و
أرسطو وأمثالهم- فقد أصبحت الآن في حكم التاريخ، وأصبحت تدرس ضمن تاريخ الفلسفة على أنها مجرد تاريخ.
أما الفلسفات الحديثة فقد ظهرت في القرن التاسع عشر الميلادي -وقد ظهرت قبل ذلك، إلا أنها أكثر ما ظهرت واشتدت في القرن التاسع عشر- ثم امتداداً لها ظهرت فلسفات في القرن العشرين، لها أنظمة ومناهج أخرى، فكانت الفلسفة المثالية، وهي من أشهر الفلسفات التي نادى بها
هيجل في القرن التاسع عشر، ثم ظهرت بعد ذلك الفلسفة الوجودية، وهي أكبر وأشهر الفلسفات التي ظهرت في القرن العشرين، وقبل ذلك ظهرت الفلسفة التجريبية، وهي التي ما يزال ينتسب إليها أكثر الغربيين إلى اليوم.
أما في
أمريكا فإن الفلسفة الرائجة التي يدين بها الناس هي الفلسفة العملية، والتي يسمونها: البراجماتية، وهي لا تؤمن بأي شيء، ولا يهمها من أي شيء إلا نتيجته العملية.. فلا يهمهم النظريات، إنما الذي يهمهم هو النتيجة العملية لأي فكرة، فالمقياس والمعيار عندهم لأي فكرة هو نتيجتها وثمرتها العملية؛ وهي بهذا فرع من فروع المذهب النفعي، أو الفلسفة النفعية التي لا تعطي الأشياء قيماً مجردة، وإنما قيمة كل شيء بحسب منفعته.
وأول من نادى بالمذهب النفعي هو فيلسوف إنجليزي اسمه
بنتام، ثم بعد ذلك ظهر
وليم جيمس ودعا إلى المذهب البراجماتي الموجود الآن في
أمريكا، ثم بعد ذلك
موريس... إلخ.
فالمقصود: أن الفلسفات اليوم كثيرة جداً في العالم، وأشهرها الفلسفة الشيوعية، التي هي في الأصل مشتقة من فلسفة هيجل، التي هي فلسفة ماركس وإنجلز، والتي بني عليها المذهب المادي الشيوعي، وهي أكثر الفلسفات ظهوراً وشمولاً، وقد بنيت عليها ثورات وحقائق واقعية.
فهذه الفلسفات كلها بابها واحد، وحكمها واحد، لكن كلام المصنف هنا عن الفلسفة التي كان أصحابها يدّعون الإسلام وينتسبون إليه.. ما موقفهم من هذه الأصول الخمسة؟ لأنه يريد أن يبين بعد ذلك موقف المعتزلة وغيرهم من الفرق من أركان الإيمان الأساسية الخمسة، وقد ذكرهم بحسب بُعدهم عنها، وسوف يبين عقيدة الفلاسفة في الله، وعقيدتهم في الإيمان باليوم الآخر، وعقيدتهم في الكتب، وفي الرسل، وهذا الكلام الذي ذكره الشيخ هنا هو في الأصل ملخص ومنقول من كتاب إغاثة اللهفان، ولهذا ينبغي الرجوع إليه ضرورة؛ لأنه يعين بإذن الله على فهم هذه الجملة، ويعطي فكرة عن الفلسفة عموماً التي تعرض لها المصنف هنا؛ لأن هناك صعوبة في فهم أفكار هؤلاء الفلاسفة ونظرياتهم.