المادة    
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فموضوعنا إكمال لبقية أحكام التوبة، والحكم الذي سيدور عليه الحديث -بإذن الله- هو من تعذر عليه أداء الحق الذي فرط فيه، ولم يمكنه أن يتداركه، ثم تاب، خاصة إذا كان من الذين لا يؤدون الصلاة ولا يصومون رمضان، فهل يجب عليه أن يقضي تلك الصلوات أم لا يجب عليه ذلك؟
وهذا موضوع مهم بالنسبة لواقعنا اليوم؛ فكثيراً ما يسأل عنه التائبون العائدون إلى الله تبارك وتعالى، وترد فيه الفتاوى المختلفة، وبعض الذين يفتون في القنوات الفضائية ممن يشاهدهم الناس كثيراً ويسمعونهم يفتون بوجوب القضاء، ويحددون لذلك من الأمور ما لم يرد به شيء من الشرع؛ بل هي أقوال لبعض أهل العلم، وهي -في الحقيقة- مرجوحة -كما سنبين إن شاء الله- ولا دليل عليها، فيجعلون ذلك عائقاً كبيراً في طريق من يريد التوبة؛ لأنه إذا علم أنه يجب عليه أن يقضي صلاة عشر سنوات أو عشرين أو ثلاثين سنة، وأن يقضي صيام عشرة رمضانات أو ثلاثين أو أربعين أو ما أشبه ذلك لكي تتحقق توبته؛ فإن ذلك يحول بينه وبين التوبة غالباً، وفي هذا من الحرج ما فيه، وسوف نستعرض إن شاء الله الأدلة بإيجاز كما ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله، ثم نعرض لفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة، وسنبين قوة الاستدلال الذي أورده رحمه الله فيها.
قال ابن القيم رحمه الله فيمن يتوب وقد تعذر عليه أداء الحق الذي قد فرط فيه: (يتصور هذا في حق الله سبحانه وحقوق عباده، أما في حق الله فكمن ترك الصلاة عمداً من غير عذر مع علمه بوجوبها وفرضها)، ثم ذكر أن المسألة خلافية بين العلماء، فمن العلماء من أوجب عليه القضاء ومنهم من لم يوجب عليه ذلك، وابتدأ بذكر حجج الموجبين للقضاء، ونحن نوردها إجمالاً.
  1. القول بعدم وجوب القضاء وأدلته

  2. امتثال الأمر بالعبادة المقيدة بوصف أو وقت أو شرط لا يتم إلا بقيدها

  3. العبادة في غير وقتها عمل لم يكن عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم

  4. القول بوجوب القضاء وأدلته