المادة    
ثم عقب رحمه الله بفصل صغير فقال: (فصل: وإذا استغرقت سيئاته الحديثات حسناته القديمات وأبطلتها، ثم تاب منها توبة نصوحاً خالصة عادت إليه حسناته، ولم يكن حكمه حكم المستأنف لها، بل يقال له: تبت على ما أسلفت من خير).
هذه مسألة أخرى، وهي: إذا استغرقت سيئاته الحديثات حسناته القديمات، كشاب نشأ في عبادة الله وقراءة القرآن والخير والطاعة، ثم غلبته الشهوة والمعاصي وصحبة الأشرار فاستغرقت سيئاته حسناته، حتى أفنتها وأتت عليها كلها، ثم تاب توبة نصوحاً خالصة، يقول: (عادت إليه حسناته، ولم يكن حكمه حكم المستأنف لها، بل يقال له: تبت على ما أسلفت من خير) وهذا فضل عظيم.
قال رحمه الله تعالى: (بل يقال له: تبت على ما أسلفت من خير؛ فإن الحسنات التي فعلتها في الإسلام أعظم من الحسنات التي يفعلها الكافر في كفره).
أي: نقول له: إذا تبت فإنه يعود لك ثواب الأعمال الصالحة الأولى، وإن كنت قد فرطت وضيعت، لكن بإذن الله يوصل لك الأول بالآخر، وهذا من جوده وفضله تبارك وتعالى.
وقد احتج رحمه الله بالفهم الصحيح، وأتى بالنص ليدل على هذا الفهم، فقال: (لأن الحسنات التي فعلتها في الإسلام أعظم من الحسنات التي يفعلها الكافر في حال كفره من عتاقة وصدقة وصلة، وقد قال حكيم بن حزام : ( يا رسول الله! أرأيت عتاقة أعتقتها في الجاهلية وصدقة تصدقت بها وصلة وصلت بها رحمي، فهل لي فيها من أجر؟ فقال: أسلمت على ما أسلفت من خير ).
يقول: لو أن أحداً انقطع عن الطاعات ثم عاد إليها نقول له: تبت على ما أسلفت من خير، فاحمد ربك ولا تعد إلى الذنب مرة أخرى واستمر على التوبة.
قال رحمه الله تعالى: (وذلك لأن الإساءة المتخللة بين الطاعتين قد ارتفعت بالتوبة وصارت كأنها لم تكن، فتلاقت الطاعتان واجتمعتا) فرفعت تلك الخطيئة ورفعت تلك الإساءة، والله تعالى أعلم.
بهذا اختتم رحمه الله تعالى الكلام في هذه المسألة، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من التوابين وأن يجعلنا من المتطهرين.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.