المادة    
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين: (من أحكام التوبة أنه: هل يشترط في صحتها ألا يعود إلى الذنب أبداً أم ليس ذلك بشرط؟).
هذه قضية أخرى، فكثير من الناس -ولله الحمد- تابوا وأقلعوا عن الذنوب وعادوا إلى الله والتزموا طريقه، ولكن هل يشترط في هذه التوبة ألا يعود هذا التائب إلى الذنب أبداً، حتى إذا عاد انتقضت كلها وكأن التوبة لم تكن، أم أن ذلك ليس بشرط؟
وهذه المسألة ترجع إلى أنه هل هنالك شروط غير الشروط الثلاثة التي ذكرناها، وهي الإقلاع والندم والعزم على ألا يعود، وأن يتحلل منه إذا كان حقاً لآدمي؟
وهذه المسألة -أعني مسألة الشروط- محل بحث ونظر بين العلماء، فمنهم من جعلها شرطاً واحداً وهو الندم، فقالوا: كل من ندم على ذنب فعله فقد تحققت منه التوبة. ويستشهدون لذلك بحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الندم توبة )، والحديث حسن كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح كتاب التوحيد من صحيح الإمام البخاري .
وبعضهم يزيد على ذلك شروطاً أخرى يذكرها العلماء رحمهم الله في كتب التفسير وفي كتب المواعظ عندما يتعرضون لمعنى التوبة النصوح؛ لأنهم يرون أن التوبة النصوح قد استكملت الشرائط وتحققت فيها الأمور الواجبة والكمالات وهي التي ذكرها الله تعالى في قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ))[التحريم:8].
فالتوبة الحقيقية الكاملة التي يكفر الله تعالى بها الذنوب والسيئات ويرفع بها الدرجات هي الموصوفة بأنها نصوح، فهنا موضع ذكر العلماء لشروط التوبة ولما ورد بشأنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عمن دونه من الصحابة والتابعين، ولهذا نجد الإمام ابن حجر رحمه الله لما تعرض لهذا الموضع ذكر عن القرطبي أنه اجتمع له في معنى (النصوح) ثلاثة وعشرون قولاً، والقاعدة أن اختلاف السلف الصالح غالباً هو من باب اختلاف التنوع وليس من باب اختلاف التضاد، إلا فيما ندر من المسائل فمنهم من قال: (نصوح): بإخلاص. ومنهم من قال: إنها بندم، وهو أكثر وأظهر ما روي عنهم، كما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه -وروي مرفوعاً، والأظهر أنه من كلام عمر - أنه قال: [ التوبة النصوح: ألا يعود إلى الذنب أبداً ].
وقال بعضهم: النصوح: هي التي يتوبها العبد صادقاً مخلصاً، وأخذوا ذلك من كلام العرب، وهذه الأقوال تجدها في تفسير هذه الآية في تفسير الإمام الحافظ محمد بن جرير الطبري ، كما تجدها أيضاً في الدر المنثور ، حيث جمع الروايات في ذلك.
فالعرب إذا قالت: هذا شيء ناصح فمعناه: نقي خالص صاف غير مغشوش، ومنه: (الدين النصيحة)، فالنصيحة أمر يجتمع فيه الصدق مع الإخلاص، فلو قلت لأخ من إخوانك: أنا لك ناصح فمعنى ذلك أنك صادق فيما تقول وأنك مخلص، إذ قد يصدق بعض الناس لكنه يكون غير مخلص، فيصدق وهو كذوب، مثل الشيطان الذي جرت قصته مع أبي هريرة رضي الله عنه، فقد صدق في قوله لكنه لم يقله وهو مخلص أو على سبيل النصح الحقيقي له، ولكن ليأخذ مقابل ذلك عرضاً من الدنيا، وقد يكون الإنسان مخلصاً ولكن لا يكون صادقاً، أي: لا تكون نصيحته مطابقة للواقع، لكن الناصح هو الذي يقول الكلام عن صدق وعن إخلاص، ولهذا قال كل من الرُسل الكرام: (( وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ))[الأعراف:68]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة ).
إذا قلنا: إن من شروط التوبة النصوح عدم معاودة الذنب، أو ألا يرجع إلى الذنب مطلقاً؛ فهل معنى ذلك أنه إذا عاد إلى الذنب تبطل التوبة ويصبح كأنه لم يتب، فيحاسب ويعاقب على الأول والآخر من ذنوبه، أم أنه يستأنف من جديد؟
هذه المسألة موضع خلاف بين العلماء، وهناك قول لـعبد الله بن المبارك رضي الله عنه ذكر فيه بعضاً مما عده بعض العلماء من شروط التوبة زيادة على ما سبق، لكن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قال: هذا من المكملات. ولكنه قول مفيد يبين أن كلام السلف رضي الله عنهم هو أفضل العلم، كما كتب الحافظ ابن رجب : (فضل علم السلف على علم الخلف)، ففضل علم السلف أمر يجب أن يعلم في كل قول وفي كل مسألة.
فـعبد الله بن المبارك في هذا الأمر يقول: [ التوبة هي الندم والعزم على عدم العود ورد المظلمة وأداء ما ضيع من الفرائض وأن يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيب ].
يعني أن البدن الذي تربى بالسحت وتربى بالحرام وبالشهوات المحرمة يذاب شحمه ولحمه بالهم والحزن والألم والندم على ما فات منه، والتضرع إلى الله تعالى بأن يغفر له ويمحو عنه خطيئته، حتى يبدله الله لحماً طيباً ينشأ مكانه، فكأنه لا ينسلخ من ذنبه فحسب، بل كذلك ينسلخ من ذلك الجسد، فيتغير القلب وتتغير الجوارح؛ حتى تكون التوبة حقيقية.
قال رحمه الله تعالى: [وأن يذيق نفسه ألم الطاعة كما أذاقها لذة المعصية].
والطاعة في الحقيقة ليست مؤلمة لمن عرف قيمتها، بل الطاعة هي الراحة وهي اللذة وهي النعيم، لكن التائب يكون -غالباً- حديث العهد بالطاعة، فتكون الطاعة عليه شاقة ومؤلمة، فـابن المبارك يقول: آلم نفسك وجوارحك، واجعلها تتحمل المشقة والألم في الطاعة كما ذاقت لذة الشهوة في الذنب والهوى والمعصية، فهذه كفارة تلك، فحينئذ تكون التوبة وتحصل بإذن الله تعالى.
إذاً: هناك شروط قد يعدها بعض العلماء زيادة على الثلاثة والبعض يرى أنها مكملات داخلة ضمن الندم.
  1. أقوال العلماء في اشتراط عدم معاودة الذنب

    قال رحمه الله تعالى: (فشرط بعض الناس عدم معاودة الذنب وقال: متى عاد إليه تبينا أن التوبة كانت باطلة غير صحيحة).
    وقد بحثت لأجد من قال ذلك، فوجدت أن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قال في الجزء الحادي عشر من الفتح في شرط عدم العودة إلى الذنب: (عُزي إلى القاضي أبي بكر الباقلاني )، وهو إمام مشهور من أئمة الأشعرية ، وهو من قدماء الأشعرية ، ولذلك -بالنسبة إليهم- يعد من أمثلهم ومن أفضلهم فهو يؤمن ببعض الصفات التي أنكرها من جاء بعده، ولديه حظ من العلم الشرعي خير ممن جاء بعده من متكلمي هذا المذهب.
    لكن ابن حجر رحمه الله تعالى قال: (ويرده الحديث الآتي بعد عشرين باباً)، وقد بحثت فيما بعد خمسة عشر باباً إلى ثلاثين باباً ولم أجده، وإنما وجدت الحديث في كتاب التوحيد، وهو حديث محفوظ عند الجميع، وهو حديث متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( أذنب عبد ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب -وفي بعض الروايات: فأذنب ذنباً آخر- فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك ).
    وهذا لفظ مسلم ، وأما لفظ البخاري ففيه أن الله تعالى قال: (غفرت لعبدي) بعد ذكر الإذناب في المرات الثلاث. ولعل الحافظ يقصد هذا الحديث والله أعلم، وإن كانت رواية: (فأذنب ذنباً آخر) جعلتني أقول: لعله كان ذنباً آخر، أي أنه أذنب ذنباً غير الذي تاب منه، وهذا مثاله أن يكون -مثلاً- قد شرب الخمر، ثم تاب منها، ولكن غلبه الشيطان فوقع في الزنا، فتاب أولاً من الخمر ثم تاب من الزنا، ومع ذلك نقول: القضية واحدة؛ لأن القضية قضية معصية وذنب وكبيرة، فهل هو في طريق الغواية أم في طريق الهداية؟ وهل هو مطيع للرحمن أم مطيع للشيطان؟
    أما مسألة أنواع الذنوب، وإذا تاب من ذنب فهل تلزم من آخر؛ فقد تقدمت فيما مضى، وهي مسألة أخرى.
    إذاً: هذا الحديث يدل على هذا، ولكن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى لا يكتفي بأن يورد المسألة ويورد عليها حديثاً أو حديثين، ولهذا أطال أكثر من الحافظ وغيره فأورد الأدلة العقلية والنقلية لكلتا الطائفتين، وسوف نوجز ما أورد من هذه الأدلة.
    قال رحمه الله تعالى: (والأكثرون على أن ذلك ليس بشرط، وإنما صحة التوبة تتوقف على الإقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم الجازم على ترك معاودته، فإن كانت في حق آدمي فهل يشترط تحلله؟ فيه تفصيل سنذكره إن شاء الله، فإن عاوده مع عزمه حال التوبة على أن لا يعاوده صار كمن ابتدأ المعصية ولم تبطل توبته المتقدمة).
    يقول: إن الأكثرين على أنه إذا تاب توبة صادقة مع العزيمة على ألا يرجع إلى هذا الذنب ثم وقع فيه فإنه يستأنف، يعني: عمل ذنباً وتاب توبة كفرت الذنب، ثم عاد فعمل ذنباً، فهذه صفحة جديدة يكتب فيها ذنب جديد، فإن تاب منه محته التوبة، وإن استمر عليه أخذ به، أما ما قبله فقد انقضى بالتوبة الأولى.
    ومن العلماء الذين قالوا بهذا الإمام النووي رحمه الله؛ فإنه يرى أن الذنوب ولو تكررت ألف مرة وتاب في كل مرة تقبل توبته منها، وكذلك إذا تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته، اعتماداً منه على عموم الأدلة مثل الحديث السابق ذكره، وحديث: ( إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ) فرحمة الله تعالى دائمة، كما أن الإساءة دائمة، وحديث أبي ذر رضي الله عنه: ( يا عبادي! إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم ).
    إذاً: تتكرر الذنوب ويتكرر الغفران، فإن قيل: تغفر مهما بلغت؟ قلنا: نعم.
    وقد أتى ابن القيم رحمه الله بأصول المسألة فقال: (فالمسألة مبنية على أصل، وهو أن العبد إذا تاب من الذنب ثم عاوده فهل يعود إليه إثم الذنب الذي قد تاب منه ثم عاوده بحيث يستحق العقوبة على الأول والآخر إن مات مصراً، أو أن ذلك قد بطل بالكلية فلا يعود إليه إثمه وإنما يعاقب على هذا الأخير؟).
    وهذا سؤال مهم جداً؛ إذ كل منا بحاجة إلى الجواب عنه لأننا نرتكب الذنوب ليلاً ونهاراً.
  2. ذكر حجج القائلين بشرطية عدم المعاودة

    قال رحمه الله تعالى: (وفي هذا الأصل قولان: فقالت طائفة: يعود إليه إثم الذنب الأول).
    فبعض العلماء قالوا: يرجع إليه إثم الذنب الأول ما دام أنه نقض التوبة؛ لأن التوبة بطلت.
    قال رحمه الله تعالى: (قالوا: لأن التوبة من الذنب بمنزلة الإسلام من الكفر).
    إذاً: دليلهم هنا هو القياس، حيث قالوا: التوبة من الزنا أو الخمر أو أي شيء من الفواحش كتوبة من يتوب من الكفر ويدخل في الدين.
    قالوا: (والكافر إذا أسلم هدم إسلامه ما قبله من إثم الكفر وتوابعه، فإذا ارتد عاد إليه الإثم الأول مع إثم الردة، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر )، فهذا حال من أسلم وأساء في إسلامه، ومعلوم أن الردة من أعظم الإساءة في الإسلام، فإذا أخذ بعدها بما كان منه في حال كفره ولم يسقطه الإسلام المتخلل بينهما؛ فهكذا التوبة المتخللة بين الذنبين لا تسقط الإثم السابق كما لا تمنع الإثم اللاحق، قالوا: ولأن صحة التوبة مشروطة باستمرارها والموافاة عليها) أي: أن يظل كذلك إلى أن يلقى الله وهو تائب (والمعلق على الشرط يعدم عند عدم الشرط، كما أن صحة الإسلام مشروطة باستمراره والموافاة عليه قالوا: والتوبة واجبة وجوباً مضيقاً مدى العمر)، وهذا من الاستنباطات الفقهية الدقيقة، يقولون: الواجبات الموقوتة التي فرضها الله علينا لها أوقات معينة، وكذلك التوبة موقوتة، لكن وقتها العمر كله، كما قلنا: إن التوبة هي الاستقامة الدائمة. قالوا: (فوقتها مدة العمر؛ إذ يجب عليه استصحاب حكمها مدى عمره، فهي بالنسبة للعمر كالإمساك عن المفطرات في صوم اليوم، فإذا أمسك معظم النهار ثم نقض إمساكه بأحد المفطرات بطل ما تقدم من صيامه) ولو لم يبق من النهار إلا قليل (ولم يعتد به وكان بمنزلة من لم يمسك شيئاً من يومه. وقالوا: ويدل على هذا -أي: القياس- الحديث الصحيح؛ وهو قوله: ( إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها )، وهذا أعم من أن يكون هذا العمل الثاني كفراً موجباً للخلود أو معصية موجبة للدخول؛ فإنه لم يقل: فيرتد فيفارق الإسلام، وإنما أخبر أنه يعمل بعمل يوجب له النار).
    أي أن هذا العمل الذي يدخل النار أعم من أن يكون كفراً وأعم من أن يكون معصية.
    (وفي بعض السنن: ( إن العبد ليعمل بطاعة الله ستين سنة، فإذا كان عند الموت جار في وصيته فدخل النار ) ).
    وهذا بعض ما فسر به حديث عبد الله بن مسعود : ( إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة ... )، فهذا رجل كان على عبادة وخير وفضل وتقوى وصلاح، ولكن لما جاءه الموت جار في الوصية، فبعض الناس إذا جاءه الموت طلق الزوجة حتى لا ترث، وأوقف المال على الذكور دون الإناث، فاعتدى وغير بهذا القصد، فهذا الجور -مع عبادته ومع ما عمله من خير- نوع من سوء الخاتمة.
    قال رحمه الله تعالى: (فإن قيل: فهذا يلزم منه إحباط الحسنات بالسيئات وهذا قول المعتزلة) حيث يسوون بين إحباط السيئات للحسنات وتكفير الحسنات للسيئات.
    قال رحمه الله تعالى: (والقرآن والسنة قد دلا على أن الحسنات هي التي تحبط السيئات لا العكس).
    هذا على قول المعترض، وإلا فليس الذي ورد في الكتاب والسنة هو أن الحسنات تذهب السيئات وتحبطها فحسب دون العكس، بل ورد في القرآن هذا وهذا.
    ثم ذكر رحمه الله استدلال المعترض بقوله تعالى: (( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ))[هود:114] وبقوله صلى الله عليه وسلم لـمعاذ في الوصية المشهورة: ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ).
    ثم ذكر أن القرآن والسنة دلا على إحباط السيئات للحسنات، وعلى أن الحسنات تذهب السيئات، كما أنهما دلا على الموازنة بينهما فقال رحمه الله تعالى: (فأما الموازنة فمذكورة في سورة الأعراف ... وأما الإحباط فقد قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ))[محمد:33]، وتفسير الإبطال هاهنا بالردة؛ لأنها أعظم المبطلات لا لأن المبطل منحصر فيها) يعلل تفسير الإبطال بالردة بأنها أعظم المبطلات لا أنها المبطل الوحيد قال: وقال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى ))[البقرة:264]) إذاً: المن والأذى يعرضان للصدقة فيبطلانها مع أنها في الأصل من الخير.
    قال: (وقال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ))[الحجرات:2]).
    إذاً: فلو أن أحداً فعل ذلك فقد يحبط عمله مع أن العمل السابق كان عملاً صالحاً، لكنَّه بهذا الذنب قد يحبط، ومثل هذا قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها -كما في الصحيح- لأم ولد زيد بن أرقم لما باع بيع العينة: [ أخبري زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب ].
    قال رحمه الله تعالى: (وقد نص أحمد على هذا في رواية فقال: (ينبغي للعبد أن يتزوج إذا خاف على نفسه، فيستدين ويتزوج، ولا يقع في محظور فيحبط عمله) )، فالإمام أحمد رحمه الله يقول: إذا خشيت على نفسك الفاحشة وأن تقع في محظور واشتد بك العنت؛ فإنه يجب عليك في هذه الحالة أن تتزوج ولو كان ديناً، حتى لا تقع في الفاحشة فيحبط العمل فتخسر الدنيا والآخرة، نسأل الله العفو والعافية.
  3. حجة القائلين بصحة التوبة الأولى مع معاودة الذنب

    سنتجاوز موضوع الموازنة؛ لأنه سيأتينا ضمن موانع وقوع الوعيد؛ إذ سيأتي منها فعل الحسنات والتكفير بالمصائب، وسنكمل هنا الكلام عن حجج الفريق الآخر القائل بأن العبد يشترط عليه أن يكون صادقاً في توبته الأولى، فإن عاد فارتكب ذنباً فإنه يحتاج إلى توبة أخرى، ولكن لا يؤاخذ بإثم الأول والآخر، وهذا القول هو الأقرب والأظهر إن شاء الله.
    قال رحمه الله تعالى: (فصل: واحتج الفريق الآخر -وهم القائلون بأنه لا يعود إليه إثم الذنب الذي تاب منه بنقض التوبة- بأن ذلك الإثم قد ارتفع بالتوبة)، فإذا اتفقنا على أن التوبة كانت مستوفية مستكملة للشروط؛ فقد ارتفع بها الإثم الأول (وصار بمنزلة ما لم يعمله وكأنه لم يكن) وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حسن أنه قال: ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )، وهذا الحديث ذكره -أيضاً- ابن حجر في نفس الموطن.
    إذاً: فهؤلاء يقولون: كأنه لم يكن الذنب الأول، وقالوا: (وإنما العائد إثم المستأنف) لا الماضي، أي أنه يؤاخذ بالذنب الذي وقع منه بعد توبته فحسب.
    قال رحمه الله تعالى: (ولا يشترط في صحة التوبة العصمة إلى الممات) أي أنهم قالوا للفريق الأول: على كلامكم أنه لابد من أن يستمر في التوبة كأنكم تقولون: إن كل من تاب يجب أن يُعصم من الذنوب إلى أن يموت. وهذا لا يمكن ولا يشترط، وهو صعب محال، بل إذا ندم وأقلع وعزم على الترك محي عنه إثم الذنب بمجرد ذلك. أي أنه في الإسلام يتصور أن الإنسان إذا أسلم لا يرجع إلى الكفر أبداً، لكن في الذنوب الأخرى يقل عدم المعاودة، لا نقول: يقل عدم المعاودة، إنه لا يمكن إلا أن يعود، لكنه نادر، والغالب على الناس الوقوع في الخطأ.
    قال رحمه الله تعالى: (قالوا: فليس هذا كالكفر الذي يحبط الأعمال؛ فإن الكفر له شأن آخر، ولهذا يحبط جميع الحسنات، ومعاودة الذنب لا تحبط ما تقدمه من الحسنات) ففرق بين الكفر وبين بقية الذنوب.
    ثم قالوا: (والتوبة من أكبر الحسنات)، فنحن اتفقنا على أن التوبة من أعظم الأعمال الصالحة، واتفقنا على أن التائب عند الله بمنزلة عظيمة، ورب معصية أورثت ذلاً وانكساراً بسب التوبة خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً، فالتوبة نفسها حسنة عظيمة (فلو أبطلتها معاودة الذنب لأبطلت غيرها من الحسنات)؛ لأنها حسنة، فلو أبطلت المعاودة هذه الحسنة لأبطلت حسنات أخرى كالصيام والصلاة والصدقة وغير ذلك، وهذا باطل قطعاً؛ بل هو مشبه لمذهب الخوارج وأمثالهم؛ لأن مذهب الخوارج أنه إذا ارتكب كبيرة كفر، وقال المعتزلة إذا ارتكب كبيرة وجب له الخلود في النار. فلا يقولون بكفره، ولكن يقولون: هو في منزلة بين الكفر والإيمان. وهو معنى قولهم: (في منزلة بين المنزلتين)، فهذا الكلام يشبه كلام هؤلاء الذين نتفق نحن جميعاً - أهل السنة - على أن مذهبهم باطل وأن أهل السنة منه بُرآء.
    واستشهد هؤلاء بالآية الكريمة: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ))[النساء:40]، فلو حوسب الذي عاد في الذنب بعد أن تاب منه وبطلت توبته منه؛ لما بقيت له ذرة ولا دون ذرة.
    قال رحمه الله تعالى: (قالوا: وقد ذكر الإمام أحمد في مسنده مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب العبد المفتن التواب )، قلت: وهو الذي كلما فتن بالذنب تاب منه) يعني أن المفتن التواب هو الذي كلما وقع منه الذنب تاب منه، وهو حديث حسن.
    قال رحمه الله تعالى: (فلو كانت معاودته تبطل توبته لما كان محبوباً للرب).
    وهذا الحديث يوضح المراد في الحديث الأول الوارد في العبد الذي كلما أصاب ذنباً استغفر، وفي الثالثة قال الله له: ( اعمل ما شئت فقد غفرت لك )، فمعناه: كلما تذنب فتتوب أغفر لك. وليس معناه: اترك الطاعات وارتكب الموبقات، بل: إذا كان حالك أنك كلما أذنبت استغفرت؛ فاعمل ما شئت واستغفر، فأنا أقبل توبتك وأغفر لك. وهذا من كمال فضله تبارك وتعالى وجوده وإحسانه.
    قال رحمه الله تعالى: (قالوا: وقد علق الله تعالى قبول التوبة بالاستغفار وعدم الإصرار دون المعاودة).
    هذا فقه عظيم ودقيق، ففرق بين الإصرار على الذنب وبين المعاودة إلى الذنب، فالمصر عليه مستمر لا يفكر ولا يبالي، أما من تاب وندم ثم غلبته الشهوة والشيطان فوقع فليس كالمصر.
    فقال تعالى: (( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))[آل عمران:135].
    ففي الآية الكريمة ذكر الله تعالى قيد الإصرار مع العلم، أما إذا لم يصر، بل تاب وندم وأقلع ثم غلبه الشيطان بعد ذلك؛ فهذا حال آخر.
    قال رحمه الله تعالى: (قالوا: وأما استمرار التوبة فشرط في صحة كمالها ونفعها لا شرط في صحة ما مضى منها) فقول عبد الله بن المبارك بإذابة الجسد الذي نبت من الحرام بالهم والحزن وإذاقته ألم الطاعة كما ذاق الشهوة ولذة المعصية، المقصود به أن تستمر لديك التوبة، وتنتفع بأثر التوبة وتكتمل لديك حقيقة التوبة، وليس المقصود أنها تبطل لو أن العبد عاود الذنب، فالمطلوب في التوبة الاستمرار فيها ليحصل أثرها ومنفعتها، وهي تزكية القلب وترقيقه وإخضاع النفس لله؛ لأن هذه النفس بطبيعتها أمارة بالسوء حريصة على أن توقع بك، ومعها الشيطان والهوى، فإذا اجتهدت وحرصت فإنك بهذا تبلغ -إن شاء الله- ما تريد، فاستمر على التوبة لتحصل لك الفائدة المرادة المطلوبة، فهذا أمر وكونها تحبط بالمعاودة أمر آخر، فكلام ابن المبارك شرط في تمام نفعها.
    قالوا: (وليس كذلك العبادات كصيام اليوم وعدد ركعات الصلاة؛ فإن تلك عبادة واحدة).
    أي: لا تقاس التوبة على مثل اليوم إذا صامه وأفطر فيه؛ لأن صيام اليوم متصل مع بعضه، وهذه ناحية فقهية عند ابن القيم ، فالمطلوب منك شرعاً أنك تصوم اليوم من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، فإذا أكلت في أثناء هذا اليوم عامداً فما صمت؛ إذ إنك ما أتيت بالعبادة المطلوبة، وهذا بخلاف التائب من ذنبه الأول، فهو يقول: أنا أتيت بالعبادة المطلوبة، وهي أنني ندمت وأقلعت وعزمت على ألا أعود، وتحللت من صاحب المظلمة، فأديت العبادة كاملة، وبعد مدة وقعت مرة أخرى. فيقال له: هذا كما لو أنك صمت يوماً من رمضان كاملاً ثم أفطرت اليوم الذي بعده، فصومك الأول طاعة وإفطارك في الثاني معصية، فانفصلت هذه عن هذه، فهو يقول: القياس ليس كما تظنون، فالعمر كله محل للتوبة، وهذا صحيح، لكن لا يعني ذلك أن التوبة تستمر فيه مطلقاً كما يستمر الصائم في الإمساك عن الطعام والشراب إلى غروب الشمس، فالمقصود أنك تتم الطاعة بعينها، ومن الطاعات ما تتمها وتفعل بعد ذلك ما ينقضها أو يخالفها أو يحبطها.
    قال رحمه الله تعالى: (فهي عبادات متعددة بتعدد الذنوب، فكل ذنب له توبة تخصه، فإذا أتى بعبادة وترك أخرى لم يكن ما ترك موجباً لبطلان ما فعل).
    فهذه قاعدة عامة، ونحن نعلم أن الإيمان شعب، وأنه يزيد وينقص، وأن العبد يجتمع فيه طاعة ومعصية وإيمان ونفاق، فقد تجد من يحافظ على الصلوات والحج والصيام والنفقة وهو مع ذلك عاق لأمه أو أبيه أو كليهما، أو يسيء إلى الجيران، أو يأكل المال الحرام، وفي المسجد كأنه من الأوابين، وقد يكون العكس، فقد ترى الرجل يقصر في صلاة الجماعة، ولكن لو جئت إلى باب الصدقة والنفقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لرأيت منه عجباً وكأنه من الموقنين، فلو أن كل من فعل معصية بعد طاعة أو قصر فيها أبطلها ما بقي لأحد حسنة ولا طاعة.
    قال رحمه الله تعالى: (ونكتة المسألة أن التوبة المتقدمة حسنة، ومعاودة الذنب سيئة، فلا تبطل معاودته هذه الحسنة، كما لا تبطل ما قارنها من الحسنات).
    فلو أن إنساناً كان على ذنب من الذنوب -كالغش في البيع- ثم تاب منها، وفي نفس الوقت الذي تاب فيه وكسب هذه الحسنة صلى وصام وتصدق، وبعد ذلك عاد إلى الغش في البيع؛ فإن هذا الغش الأخير لا يبطل التوبة منه أولاً، كما أنه لا يبطل ما قارنها، فلا يبطل الصلاة ولا الصدقة ولا الإحسان، وإنما هذا يحاسب عليه وذاك يحسب له، وتكون الموازنة بين السيئات وبين الحسنات.
  4. مدى موافقة القول بصحة التوبة مع المعاودة لأصول أهل السنة

    قال رحمه الله تعالى: (قالوا: وهذا على أصول أهل السنة أظهر) أي: الأقرب والأرجح هو هذا القول؛ لأننا نرجع المسألة إلى أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة ، وهو مذهبهم في الإيمان وأصل الإيمان عندهم.
    قال رحمه الله تعالى: (فإنهم متفقون على أن الشخص الواحد يكون فيه ولاية لله وعداوة من وجهين مختلفين، ويكون محبوباً لله مبغوضاً له من وجهين أيضاً، بل يكون فيه إيمان ونفاق وإيمان وكفر، ويكون إلى أحدهما أقرب منه إلى الآخر، فيكون من أهله).
    يعني أن قلبه تمده مادتان، ويكون إلى إحداهما أقرب.
    قال رحمه الله تعالى: (كما قال تعالى: (( هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ))[آل عمران:167]).
    وفي هذه الآية علمنا الله العدل والإنصاف حتى مع المنافقين، فالمنافقون منهم المنافقون نفاقاً أكبر، الذين ذكر الله تعالى أنهم كفروا بعد إيمانهم وكفروا بعد إسلامهم وأن الله لا يقبل منهم، وأن شهادتهم بأن محمداً رسول الله يشهد الله على أنهم فيها كاذبون، ويعلم أنهم فيها غير صادقين، فهذا نوع، ومنهم نوع آخر هم ضعاف إيمان، والإشارة إلى ذلك جاءت في سورة التوبة وسورة الأحزاب، كما قال تعالى: (( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ))[الأحزاب:60] فذكر ثلاثة أصناف: المنافقين النفاق الأكبر، والذين في قلوبهم مرض تمدها مادتان: نفاق وإيمان، والمرجفون، وفي سورة التوبة فصل أكثر، فذكر تعالى السماعين من ضعاف الإيمان، ومن كفر بعد إيمانه، ومن كفر بعد إسلامه، ومن هو للكفر أقرب منه للإيمان.
    قال رحمه الله تعالى: (وقال: (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ))[يوسف:106]).
    هذه الآية فسرها ابن عباس وغيره بأنها ليست في المشركين الذين يعبدون الأصنام، بل فيمن يؤمن بالله ولكنه يشرك شرك الألفاظ أو الشرك الأصغر أو الشرك الخفي.
    قال رحمه الله تعالى: (فأثبت لهم الإيمان به مع مقارنة الشرك، فإن كان مع هذا الشرك تكذيب لرسله لم ينفعهم ما معهم من الإيمان بالله، وإن كان معه تصديق لرسله وهم مرتكبون لأنواع من الشرك لا تخرجهم عن الإيمان بالرسل وباليوم الآخر؛ فهؤلاء مستحقون للوعيد أعظم من استحقاق أرباب الكبائر وشركهم قسمان شرك خفي وشرك جلي).
    كما قال ابن عباس في قوله تعالى: (( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ))[البقرة:22]: هذه تفسر تلك، ولذا لما جاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما شاء الله وشئت، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أجعلتني لله نداً؟! ) مع أنه في الحديث الآخر لما سئل: أي الذنب أعظم قال: ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )، فهل هذا من هذا؟! لا. ولكنه يوصل إليه وذريعة إليه، فهذا شرك يفعله المؤمن؛ لأنه عطف بالواو فقال: (ما شاء الله وشئت) فقرن بين الله وبين العبد المخلوق، ولو كان النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
    وقال ابن عباس أيضاً في هذا: [ أن يقول الرجل: لولا البط في الدار لسرقنا اللصوص، وأن يقول: وحياتك ] فهذا شرك الألفاظ، وهو شرك عظيم يدخل في الندية وإن كان صاحبه لا يعتقد أن مع الله نداً، أما إن اعتقد أن مع الله نداً فقد كفر.
    إذاً: قد يجتمع في العبد الإيمان والشرك، فالمقصود أنه إذا كان ممكناً أن يجتمع في العبد الإيمان والنفاق، والإيمان والشرك، والطاعة والمعصية؛ فكذلك تجتمع في العبد الواحد التوبة والمعاودة، وهذه المعاودة لا تعدو أن تكون ذنباً كما أن تلك التوبة حسنة، فالحسنة مع الحسنات الأخرى من صلاة وصيام وزكاة ونحو ذلك في كفة اليمين، والمعاودة هي ذنب من جملة ذنوب أخرى تكون في كفة السيئات، والله تعالى يضع الموازين القسط ليوم القيامة: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ))[يونس:44]، فهذا هو خلاصة الأمر في هذه المسألة.