لما كان موضوع الولاية بهذا النهي والتحذير عن موالاة الكفار، وبهذه المثابة وبهذه المنزلة، جاء من صفات المؤمنين الذين يأتي بهم الله تبارك وتعالى عوضاً عمن ارتد عن دينه، من صفاتهم أنهم أذلة على المؤمنين، كما علل الشيخ رحمه الله بأن هؤلاء يحبون الله، ويحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبون الدين، فمن كان من أهل الدين والإيمان، من أهل محبة الله، من عباد الله الصالحين، من أهل اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم أذلة معه، يعاملونه باللين والرحمة والشفقة وخفض الجناح؛ لأنهم ينظرون إلى دينه، وإلى محبوبه، وإلى غايته وإلى همه ومراده، وهو الله واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعاملونه بمقتضى ذلك، فهو أخوهم وحبيبهم وخليلهم وقريبهم، حتى لو أخطأ عليهم يعفون عنه ويتجاوزن، ولا يغلظون عليه؛ لأنهم ينظرون إلى قوة صلته بالله ومحبته له، فمن أحب الله حقاً فإنه لا بد أن يحب كل من أحب الله من الأحياء أو من الأموات.لو أنك فتحت كتاباً من كتب التاريخ، فقرأت سيرة رجل عالم عابد داع إلى الله، آمر بالمعروف ناه عن المنكر لأحببته وليس بينك وبينه أي صلة، قد يكون من بلاد
الهند ، أو الترك، أو آخر
إفريقيا ، أو أطراف الدنيا، ولكن لما وجدت صفته بهذه الحال تحبه وتترحم عليه، وتترضى عنه، وتسأل الله سبحانه وتعالى أن يكثر من أمثاله في هذه الأمة. كذلك لو لم يكن هنالك أي رابطة إلا أن الإنسان المؤمن يقرأ عن الماضين أو عن المعاصرين في أقاصي الدنيا، أن رجلاً منهم حاله وشأنه من البعد عن الله، ومن محادة الله ورسوله، ومن ارتكاب ما حرم الله؛ فإنه يبغضه.إذاً: هذا أمر يكون في قلب كل مؤمن، ودرجته ومقداره تكون بمقدار إيمان الإنسان ومحبته لله، فـ
كلما عظمت محبة الله تبارك وتعالى في قلب العبد المؤمن عظمت محبة أولياء الله وأحباب الله، فكان خافضاً للجناح ذليلاً أمامهم، لاحظوا كلمة ((
أَذِلَّةٍ ))[المائدة:54] والذل هذه صفة الأصل فيها أنها عند الإنسان صفة مكروهة لا أحد يريدها، ولا يتمناها، ولا يصف بها إخوانه، ولا يصف بها أحداً ممن يحب، ومع ذلك جاءت هذه الصفة في هؤلاء، يعني: لم يقل فقط: (رحماء)، وقد قال في الآية الأخرى عندما وصف الصحابة فيما بينهم: ((
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ))[الفتح:29]، لكن عندما ذكر شروط هؤلاء القوم جاء بوصف أبلغ من مجرد الرحمة وهو الذلة؛ لأنك قد ترحم إنساناً لكن أن تكون ذليلاً له فهذه مرحلة أعمق من ذلك، فهذا دليل على أن هذا الشرط مهم ودقيق وضروري، ولا بد منه لمن يريد أن يكون من هؤلاء القوم.وعليه فإذا وجدت الإنسان غليظاً على المؤمنين، شديداً على الصالحين، عنيفاً على المتقين، بأي سبب؛ حتى لو يرى أنهم ظلموه في دنياه أو خالفوه في رأي أو فتيا؛ فاعلم أنه فقد صفة أساسية من هذه الصفات، ولا يمكن أن توجد الولاية أو المحبة لله مع وجودها، ولا بد من ترك ما يضادها.