ثم يقول: (والطاغوت اسم لكل ما تعدى حده وتجاوز طوره) والطاغوت ليس شيئاً معيناً، فقد فسره الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم، فقال بعضهم: الشيطان، وقال بعضهم: الأصنام، وقال بعضهم: الكهان وكل هذا حق، لكن ليس محصوراً في شيء من هذا، إذ إن هذا يسمى التفسير بالمثال، ولا يعني أن ما عداه غير داخل فيه، فمن أمثلة الطواغيت: الشيطان، والأصنام، والكهان، والحكماء الذين كانوا في الجاهلية ينتصبون في الأسواق ويتحاكم إليهم الناس في أقضيتهم، فهذه كلها طاغوت، والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع مطاع، و
طاغوت كل قوم هو من يعبدونه من دون الله، أو يتحاكمون إليه من دون الله، أو يتبعونه ويطيعونه في معصية الله، ويمكن أن يكون هذا الطاغوت بشراً، ويمكن أن يكون حجراً، ويمكن أن يكون شجراً، ويمكن أن يكون شيطاناً، ويمكن أن يكون أي شيء ينطبق عليه هذا الوصف الجامع، فكل ما كان كذلك فهو طاغوت يجب أن يكفر به. ثم قال: (ومعلوم أن هذا الذي يتحاكم إليه أهل الزيغ حده أن يكون محكوماً عليه لا حاكماً) أي: أن كلام
اليونان أو كلام المتكلمين أو كلام
الصوفية وما أشبههم يجب أن يكون محكوماً عليه لا حاكماً، ولذلك
ابن القيم رحمه الله هنا في هذا
الصواعق المرسلة جعل المجاز طاغوتاً، والتأويل طاغوتاً، فأراد أن يحطم هذه الطواغيت، فهذه طواغيت يجب أن يحكم عليها لا أن تكون هي الحاكم الذي يتحاكم إليه، وترد إليه الآيات والأحاديث. ثم قال: (فقال تعالى: ((
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ))[النساء:61]، فجعل الإعراض عما جاء به الرسول، والالتفاف إلى غيره هو حقيقة النفاق، كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدور بحكمه والتسليم لما حكم به رضاً واختياراً ومحبة -وهذان أمران متقابلان- فهذا حقيقة الإيمان، وذلك الإعراض حقيقة النفاق).