الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:فقد ذكرنا قول الإمام
الشافعي رحمه الله تعالى: (لم أسمع أحداً ينسبه عامة إلى علم أو ينسب نفسه إلى علم يخالف في أن الله سبحانه فرض اتباع أثر رسوله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمة؛ لأن الله لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما) أي: حتى ولو كان هذا القول هو قول أفضل العلماء، وهم علماء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فإن قولهم إنما يعمل به على سبيل التبعية لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. يقول: (وإنما فرض الله علينا وعلى من قبلنا وبعدنا قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف فيه أحد أنه فرض وواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اتفق المسلمون على أن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض). وهذا أمر متفق عليه، ولو أن أحداً من الناس أبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى درجة من البغض فإنه لا يكون مؤمناً أبداً. ثم قال: (بل لا يتم الإيمان والإسلام إلا بكونه أحب إلى العبد من نفسه فضلاً عن غيره) أي: من أراد تمام وكمال الإيمان والإسلام، فإنه لا يحصل له ذلك إلا بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من كل أحد حتى من نفسه، ويدل على ذلك: حديث
عمر رضي الله تعالى عنه. ثم قال: (واتفقوا أن حبه لا يتحقق إلا باتباع آثاره) فكيف يتحقق حب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إن كثيراً من الخلق يدعي محبة الله، أو يدعي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا سمى بعض السلف الصالح آية آل عمران: آية المحنة أو آية الامتحان، فقد امتحن الله تبارك وتعالى بها الخلق الذي يدعون محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله قوله: ((
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ))[آل عمران:31]، فهذه آية الامتحان، أي: امتحان لمن ادعى أو زعم المحبة لله أو لرسوله، فكل مسلم يقول: أنا أحب الله، وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليمتحن نفسه بهذا الامتحان، وليعرض قلبه وعمله وإيمانه على هذه الآية، فإن كان متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الشرط يحصل جوابه وجزاؤه: ((
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ))[آل عمران:31]، فهذا تحصل له محبة الله، وإذا أحبه الله عز وجل فهذا غاية ما يريده، وغاية ما يسعى إليه المؤمنون المتقون المقربون، كما قال تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (
ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه )، فهذه درجة عظيمة، ثم قال: (
فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه )، وهذه درجة المقربين المحسنين، الخلص.يقول: (واتفقوا أن حبه لا يتحقق إلا باتباع آثاره والتسليم لما جاء به، والعمل على سنته، وترك ما خالف قوله لقوله) أي: أن يترك ما خالف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلامه، أي لأجل كلامه، فإذا بلغه عن عالم أو حاكم أو قاضٍ أو مفتٍ أو إنسان أو والد أو والدة أو أي إنسان يحبه أو يقدره أو يعتد بقوله فأعجبه وأحبه، ثم وجد كلاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف ذلك ويناقضه، فيرد ذلك لأجل قوله صلى الله عليه وسلم، وهذه هي حقيقة التوحيد، وحقيقة الاتباع. يقول: (وهاتان مقدمتان برهانيتان لا تحتاج إلى تقرير) أي: هاتان المقدمتان واضحتان -والحمد لله- عند كل مؤمن، ولا تحتاج إلى أن تقرر وأن تشرح وأن تفصل لوضوحها.