وننتقل بعده إلى الشاهد الذي نريده، وهو ما يتعلق بوجوب تلقي أحاديث الآحاد بالقبول، وأن هذا أصل عظيم من أصول عقيدة
أهل السنة والجماعة .يقول رحمه الله: (قال
البخاري : سمعت
الحميدي يقول: كنا عند
الشافعي)
ابن القيم رحمه الله يبدأ بـ
الشافعي ويكثر النقل عنه؛ لأن أصل المشكلة: أن صاحب القانون الكلي
الرازي شافعي، و
الأشاعرة أكثرهم شافعية، فعلم الكلام الذي يدَّعونه مخالف لما كان عليه ولما قرره وقعده الإمام
الشافعي رحمه الله، وأذكر لكم كلمة عظيمة يجب أن تحفظوها عن غير
الشافعي، وهي في بابها من أعظم ما قيل؛ لكن لم نقدمها لأنها لا تخدم هنا مثل ما تخدمه كلمات
الشافعي ، وهي قول
يزيد بن هارون -وهو من قرناء
الشافعي - الإمام المحدث المشهور رحمه الله تعالى، معلماً تلاميذه -بأبسط عبارة- كيف يردون على أهل البدع المتكلمين، فيقول: قولوا لهم: نحن أخذنا ديننا عن أتباع التابعين، عن التابعين، عن الصحابة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنتم عمن أخذتم؟ فسيقول عن العقل، عن اليونان أو عن
النظام أو
العلاف أو
عمرو بن عبيد أو
واصل بن عطاء. إذاً هم أخذوا دينهم عن أهل الإفك والباطل والانحراف والزيغ والضلال، أما نحن فأخذنا عن المصدر الأساس الذي لا يمكن أن يكون أحد أعلم بالله تبارك وتعالى منه.قال رحمه الله: (فأتاه رجل فسأله عن مسألة، فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، فقال الرجل
للشافعي : ما تقول أنت؟ فقال
الشافعي رحمه الله: [
سبحان الله! تراني في كنيسة؟! تراني في بيعة؟! -أي: هل أنا يهودي أو نصراني؟ ترى وسطي زناراً؟!] وأهل الذمة كانوا يلزمون بأن يضعوا الزنانير، فهذا في العصور الوسطى كما يسمونها، وهي عصور خير بالنسبة لنا والحمد لله، ما كان عند الناس هويات يكتبون فيها الدين، ولهذا كان أهل الذمة يلزمون أن تكون الهوية في ملبسهم، وفي دوابهم، وهذا موجود في كتاب
أحكام أهل الذمة، ومن ذلك لبس الزنار على الوسط، فيعرف الناس أنه ليس بمسلم، فيتعاملون معه على أنه كافر، فيقصد
الشافعي أن هذا القول لا يقال إلا لمن كان يهودياً أو نصرانياً، أو لمن كان على غير ملة الإسلام، ثم قال
ابن القيم: (وقال
المزني و
حرملة عن
الشافعي: [
إذا وجدتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى أحد] ولا تقل: ماذا قال فلان أو علان؟وقال
الربيع عن
الشافعي: [
ليس لأحد قول مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الربيع : وسمعته روى حديثاً فقال له رجل: أتأخذ بهذا يا أبا عبد الله ؟ فقال: متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً -وهذا هو الشرط- فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب؟]. إذاً ليس هناك عقل يعارض الوحي أبداً، ثم يقول: (وتذاكر
الشافعي و
إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي بـ
مكة و
أحمد بن حنبل حاضر، فقال
الشافعي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
وهل ترك لنا عقيل من دار؟ )، أي: كان الكلام في دور
مكة ، فقال
إسحاق : حدثنا
يزيد عن
الحسن (ح) وأخبرنا
أبو نعيم و
عبدة عن
سفيان عن
منصور عن
إبراهيم أنهما لم يكونا يريانه، أي: بيع رباع أو دور
مكة ، بينما الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
وهل ترك لنا عقيل من دار؟ )، أي: لو ترك لنا لملكناها، ولو ملكناها لبعناها، قال: فقال
الشافعي لبعض من عرفه: من هذا؟ قالوا:
إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : فقال
الشافعي : أنت الذي يزعم أهل
خراسان أنك فقيههم؟ -وكان إماماً عظيماً رحمه الله تعالى- ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك -أي: أنا أقدرك، فأنت إمام- لو كان غيرك في موضعك لكنت آمر بفرك أذنيه، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت:
عطاء و
طاوس و
منصور عن
إبراهيم و
الحسن ، وهل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول؟ ثم ذكر كلاماً
للشافعي رحمه الله تعالى مفاده: لم أسمع أحداً يقال عنه: إنه عالم، أو يقول عن نفسه: إنه عالم، يخالف في أن الله سبحانه وتعالى فرض اتباع أثر رسوله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه؛ لأن الله لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وإنما فرض الله علينا وعلى من قبلنا وبعدنا قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف فيه أحد أن قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض وواجب. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.