المادة    
الأثر الثاني والعشرين: حدثنا غندر عن شعبة عن سلمة عن إبراهيم عن علقمة -وهو من تلاميذ عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه- قال: [قال رجل عند عبد الله: إني مؤمن، قال: قل إني في الجنة، فقال: ولكنا نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله]، قال الشيخ الألباني : موقوف صحيح الإسناد.
فقوله: قل: إني في الجنة؛ إنكار عليه، أي: لا تقل: إني مؤمن، وإلا فمعنى ذلك أن يجوز لك أن تقول: إني في الجنة، ولكن قل: نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، فهذا خير لك من أن تجزم وتقول: إني مؤمن، وهنا نظر إلى الاستكمال، والتزكية.
الثالث والعشرون: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله أيضاً فقال: [إني لقيت ركباً فقلت: من أنتم؟ فقالوا: نحن المؤمنون، قال: فقال: ألا قالوا: نحن من أهل الجنة؟] أي: ينكر عليهم، ويريد منهم أن يقولوا: نحن المسلمون.
الرابع والعشرون: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: قيل له: [أمؤمن أنت؟ قال: أرجو]، ولم يجزم.
الخامس والعشرون: حدثنا جرير عن المغيرة عن سماك بن سلمة عن عبد الرحمن بن عصمة : أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: [أنتم المؤمنون إن شاء الله]، يقول الشيخ الألباني : إنه لم يجد لـابن عصمة هذا الذي يروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها ترجمة.
السادس والعشرون: حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن قال: [إذا سئل أحدكم أمؤمن أنت؟ فلا يشكن] أي: لا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وإنما يجزم، فقد نظر إلى أصل الإيمان.
ثم ذكر أيضاً بسنده إلى عبد الله بن يزيد أنه قال: [إذا سئل أحدكم: أمؤمن أنت؟ فلا يشك في إيمانه]، وأيضاً بسنده عن رجل لم يسمه عن أبيه قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقول: [أنا مؤمن]، إذاً فقد اختلفت الأقوال عنه.
وحدث عن ابن طاوس عن أبيه -وهو طاوس التابعي المعروف- وعن محمد عن إبراهيم -وهو النخعي غالباً، إذا أريد التيمي سمي- قال: [إنهما كانا إذا سئلا -يعني: إذا قيل لهما: أمؤمنان أنتما؟- قالا: آمنا بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله] أي: أنهما لم يجزما، إنما يعدل الواحد ويقول: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، فهذا الإيمان موجود، فيراعي الأصل، ويفر من قوله: نعم؛ لئلا يفهم منه الاستكمال والتزكية.
وقال أيضاً: حدثنا أبو معاوية عن الشيباني -وهو أبو إسحاق الشيباني - قال: لقيت عبد الله بن مغفل قال: فقلت: إن أناساً من أهل الصلاح يعيبون عليَّ أن أقول: أنا مؤمن -أي: أنه يشكو ذلك- فقال عبد الله بن مغفل: [لقد خبت وخسرت إن لم تكن مؤمناً].
قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن شقيق عن سلمة بن سبرة قال: [خطبنا معاذ فقال: أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنة]، وهذا قد تقدم ذكره.
وفي (ص:16) نجد الأثر الثالث والخمسين يقول: حدثنا أبو معاوية عن يوسف بن ميمون قال: قلت لـعطاء : إن قبلنا قوماً نعدهم من أهل الصلاح، إن قلنا: نحن مؤمنون؛ عابوا ذلك علينا، قال: فقال عطاء: [نحن المسلمون المؤمنون، وكذلك أدركنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ]، ولم تأتِ في ذهنهم قضية الخوارج والإرجاء، وأيضاً ذكر الشيخ الألباني أن إسناده ضعيف.
وفي (ص:19) ذكر أثراً عظيماً عن عمر رضي الله تعالى، وما به من عيب إلا أنه من رواية محمد بن إسحاق صاحب السيرة ، وهو مدلس، ولا تقبل روايته إذا عنعن، وقد عنعنه هنا؛ يقول: حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن يسار قال: [بلغ عمر أن رجلاً بـالشام يزعم أنه مؤمن، إشكال في القضية، قال: فكتب عمر : أن أجلبوه عليَّ -أي: أنه طلب إحضاره إليه- فقدم على عمر فقال: أنت الذي تزعم أنك مؤمن؟]، أي: أنه أراد أن يتثبت منه؛ لعل له ملحظاً ومأخذاً صحيحاً يعذر به، فنأخذ من ذلك أدب التثبت، وعدم التسرع أحياناً بالتخطئة قبل أن ندرك مأخذ القائل- قال: [أنت الذي تزعم أنك مؤمن؟ -فكان الرجل قوي القلب؛ فلم يخف من عمر رضي الله تعالى عنه- فقال: وهل كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على ثلاثة منازل: مؤمن، وكافر، ومنافق، وما أنا بكافر، ولا منافق، قال: فقال عمر : ابسط يدك، قال ابن إدريس : رضي بما قال ]، أي: رضي عمر رضي الله تعالى عنه بما قال، ولا يلزم من رضاه بما قال: أن يكون عمر رضي الله تعالى عنه يقر ذلك مطلقاً، لكن قوله له اعتباره، أي: أنه اطمأن أنه لا يقصد به التزكية لنفسه، واستكمال الإيمان، فهو يقول: أنا أريد يا أمير المؤمنين أني لست بكافر، ولا منافق، ولا أريد أن أزكي نفسي وأقول: أنا مثل أبي بكر و عمر ، أو مثل جبريل وميكائيل، فأقره عمر رضي الله تعالى عنه بهذا الاعتبار.
ثم ننتقل إلى الأثر التاسع والستين، وهذا الأثر للفائدة التي فيه فقط، وهو في (ص:21) قال حبة بن جوين العرني : كنا مع سلمان وقد صاففنا العدو، فقال: [هؤلاء المؤمنون -وهذا قد نستدل به على عدم الاستثناء، لكن أنا ذكرته وأردت به فائدة أخرى- وهؤلاء المنافقون -أي: بعض الذين كانوا معه، وكان في قلوبهم مرض- وهؤلاء المشركون -وهم الأعداء- فينصر الله المنافقين بدعوة المؤمنين -أي: أن المؤمنين يدعون الله، والله سبحانه وتعالى ينصر المؤمنين، والمنافقون معهم في الصف، فينصر الله المنافقين بدعوة المؤمنين- ويؤيد الله المؤمنين بقوة المنافقين]، فانظرو إلى حكمة الله تعالى، فالمشركون والروم إذا رأوا المؤمنين ومن معهم كثرة خافوا، مع أن كثيراً منهم منافقون، وهذا كان حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الأثر الثالث والسبعين في (ص:23) يقول: حدثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق -أي: الشيباني -عن ثعلبة عن أبي قلابة حدثنا الرسول الذي سأل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وهو الحارث الشامي - قال: [أنشدك بالله! أتعلم أن الناس كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أصناف: مؤمن السريرة مؤمن العلانية -وهو المؤمن ظاهراً وباطناً- وكافر السريرة كافر العلانية -أي: الكافر ظاهراً وباطناً، وهم المشركون الذين ماتوا على شركهم-، ومؤمن العلانية كافر السريرة -وهم المنافقون-، قال: فقال عبد الله : اللهم نعم، قال: فأنشدك بالله! من أيهم كنت؟ فقال: اللهم كنتُ مؤمن السريرة مؤمن العلانية، أنا مؤمن، قال أبو إسحاق فلقيت عبد الله -كأنه في انقطاع في الكلام لكن- أنا مؤمن ] أي: كأن الحارث يقول له: أرأيت يا عبد الله ! إن كلام معاذ رضي الله تعالى عنه هو الصواب، وأنك تعلم من نفسك أنك مؤمن ظاهرا ًوباطناً؛ فقل: أنا مؤمن من دون أن تنظر إلى التزكية أو الاستكمال.
قال أبو إسحاق -وهو الشيباني -: فلقيت عبد الله بن مغفل فقلت: إن أناساً من أهل الصلاح.. فأعاد الأثر المتقدم، قال: [لقد خبت وخسرت إن لم تكن مؤمناً ].
الأثر الرابع والسبعون: حدثنا أبو معاوية عن موسى الشيباني عن إبراهيم التيمي قال: [وما على أحدهم أن يقول: أنا مؤمن ] فهو إذاً بخلاف إبراهيم النخعي ، قال: [وما على أحدهم أن يقول أنا مؤمن -يعني: إذا سئل أحدهم فلماذا لا يقول: أنا مؤمن، ولماذا لابد من الاستثناء- فوالله! إن كان صادقاً لا يعذبه الله على صدقه ] يعني: إذا كان واثقاً من كونه مؤمناً فلا يؤاخذه الله على شيء يعلم أنه حق، قال: [ولئن كان كاذباً لما دخل عليه من الكفر أشد من الكذب] أي: في قوله: أنا مؤمن؛ وهو كافر، فهذا أيضاً ملحظ يلحظه بعض العلماء رضي الله تعالى عنهم، فالقضية إذاً هي مجرد إخبار عن شيء في القلب، وهو حق وصدق، فلا داعي للتردد أو التحرج من هذا.
نكتفي بهذا القدر من الآثار، وقد أوضحنا وجهات نظر العلماء، فمن نظر ولحظ من السلف التزكية أو الاستكمال فإنه يقول بالاستثناء، ومن لحظ منهم أصل الإيمان وهو: أننا نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ونعلم ذلك من أنفسنا، ونجرم به بإذن الله، ولا نرتب عليه أكثر من ذلك، ولا ندعي التزكية، ولا ندعي استكمال الإيمان، قال: لا بأس أن يقول بهذا.