المادة    
‏الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
قال الشارح: [المأخذ الثاني: أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله، وترك ما نهاه عنه كله، فإذا قال الرجل: أنا مؤمن بهذا الاعتبار؛ فقد شهد لنفسه أنه من الأبرار المتقين، القائمين بجميع ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه، فيكون من أولياء الله المقربين، وهذا من تزكية الإنسان لنفسه، ولو كانت هذه الشهادة صحيحة لكان ينبغي أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذا الحال، وهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون، وإن جوزوا ترك الاستثناء بمعنى آخر كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ويحتجون أيضاً بجواز الاستثناء فيما لا شك فيه، كما قال تعالى: (( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ))[الفتح:27]، وقال صلى الله عليه وسلم حين وقف على المقابر: ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون )، وقال أيضاً: ( إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ) ونظائر هذا.
وأما من يحرمه فكل من جعل الإيمان شيئاً واحداً، فيقول: أنا أعلم أني مؤمن كما أعلم أني تكلمت بالشهادتين، فقولي: أنا مؤمن؛ كقولي: أنا مسلم، فمن استثنى في إيمانه فهو شاك فيه، وسموا الذين يستثنون في إيمانهم الشكّاكة.
وأجابوا عن الاستثناء الذي في قوله تبارك وتعالى: (( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ))[الفتح:27] بأنه يعود إلى الأمن والخوف، فأما الدخول فلا شك فيه، وقيل: لتدخلنّ جميعكم أو بعضكم؛ لأن علم أن بعضهم يموت]
.
هذا الجواب عن الآية استطراد من الشارح أو نتيجة، والمقصود: بيان المأخذ الثاني من أقوال هؤلاء، وهو الذي قال به -كما ذكر الشيخ رحمه الله- بعض السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم في هذه المسألة، وقد حاولت أن أجمع أقوال القائلين بالاستثناء، والقائلين بعدم الاستثناء من السلف الصالح؛ لأن هذا هو الذي يهمنا، ثم بعد ذلك نجيب عما فهمته الطائفة التي أوجبت الاستثناء، ووافقتْ بعض السلف في قولهم في الاستثناء؛ دون أن يأخذوا كلام السلف الذي يمكن أن يجمع بين أطرافه.
  1. القائلون بعدم الاستثناء في الإيمان وأدلتهم

  2. السلف القائلون بالاستثناء في الإيمان وأدلتهم

  3. الجمع بين قولي السلف في مسألة الاستثناء في الإيمان

  4. تساهل أهل الشام في مسألة الاستثناء في الإيمان

  5. تعليل بعض السلف للاستثناء في الإيمان