وأما القضية الثانية وهي: قضية القبول، وهذا نوع عندهم من الوسوسة الخفية، قال الشيخ: (ثم صار إلى هذا القول طائفة غلو فيه حتى صار الرجل منهم يستثني في الأعمال الصالحة) فالإنسان إذا خرج عن الحق فإنه لا يأمن أن يتوقف عند حد، بل قد يتدهده أكثر، فقالوا: ما دام أننا في الإيمان كله لا ندري بما نلقى الله حتى نموت على الإسلام؛ فكذلك في آحاد الأعمال، فمثلاً إذا قيل لي: صليت، قلت: صليت إن شاء الله؛ لأني لا أدري هل قبلت أو لا حتى أقول صليت؛ لأني إذا قلت صليت؛ فكأني قلت: أنا مؤمن، وكأن صلاتي قد قبلت، مع أنها قد لا تكون قبلت، قالوا: إذاً: لا بد أن تقول: صليت إن شاء الله، وصمت إن شاء الله، وأتيت المسجد إن شاء الله.. وهكذا، صارت وسوسة وهوساً بعد أن كان لها مأخذ.ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فالانحراف دائماً يجري بأصحابه، ويجرفهم إلى ما لا نهاية، والقول الثالث من الغلو: قال الشيخ: (ثم صار كثير منهم يستثنون في كل شيء، فيقول أحدهم: هذا ثوب إن شاء الله، وهذا حبل إن شاء الله)، وهذا كتاب إن شاء الله، وهذا مسجد إن شاء الله، فإذا قيل له: هذا أمامك فلماذا تقول: إن شاء الله؟ قال: إن الله قادر على أن يغيره، فنقول: هو قادر؛ لكن هل كلفت أنت أن تتكلم في كون الله هو قادر أن يغير كل شيء وهو قادر على كل شيء؟! إنما تتكلم أنت باعتبار الوجود والواقع، فإذا قيل لهم: إن هذا لا شك فيه، قالوا: نعم، لكن إذا أراد الله أن يغيره غيره، ألم تكن العصا في يد موسى ثم صارت حية؟! فنقول: إن هذه الاستثناءات الخاصة لا تؤثر في الأحكام العامة، وهذا معلوم لكل عاقل. هذا هو المأخذ الأول، وهذا الغلو الأخير ينسب إلى
المرازقة . والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.