قال: (ونظائر ذلك في كلام الله ورسوله وفي كلام الناس كثيرة، أعني: في الأفراد والاقتران) وهذا هو الذي بدأنا به الموضوع، وبيناه من قبل في موضوع الفرق بين التوبة والاستغفار، والعلاقة بين الألفاظ في دلالتها واقترانها. يقول: (منها لفظ الكفر والنفاق، فالكفر إذا ذكر مفرداً في وعيد الآخرة دخل فيه المنافقون) لأنهم كفار، كقوله تعالى: ((
وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))[المائدة:5]، فيدخل في هذا الكفار ونظائره كثيرة، فإذا ذكر الكفر وحده شمل كل كافر؛ سواءً كان ذلك كفر نفاق، أو كفر شك، أو كفر ظن، أو كفر إعراض، أو كفر جهل.. إلى آخر أنواع الكفر.فكفر النفاق يدخل في الكفر إذا أفرد، فإذا قيل: (إن الذين كفروا) في أي آية من القرآن دخل فيه كفر النفاق، وإما إذا قرن بين المنافقين وبين الكفار كان الكافر هو من أظهر كفره، كما ذكر الله تبارك وتعالى: ((
إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ))[النساء:140]، وفي أول سورة البقرة ذكر الله تعالى الأقسام الثلاثة: ذكر المؤمنين، ثم ذكر الكفار، ثم ذكر المنافقين، والمنافقون هم من الكفار؛ لكن كفرهم من نوع آخر، فالكافر هو من أظهر كفره كـ
اليهود و
النصارى والمشركين، فهؤلاء يقال لهم: كفار إذا ذكر معهم المنافقون، ويكون المنافقون هم الذين قالوا آمنا بأفواههم، ولم تؤمن قلوبهم، فلم يظهروا الكفر ولكنهم أبطنوه، فإذا أفرد الاسم وقال: الكفار؛ دخل فيه الجميع. وكذلك لفظ البر والتقوى، ولفظ الإثم والعدوان، ولفظ التوبة والاستغفار، كما في قول الله تبارك وتعالى: ((
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ))[المائدة:2]، فلما ذكر البر وذكرت التقوى دل كل منهما على معنى، لكن لو ذكر أحدهما كما في قوله تعالى: ((
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ))[البقرة:177]، فقال في آخرها: ((
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ))[البقرة:177]، فإنه يشمل الآخر.إذاً فالتقوى والبر بمعنى واحد، فمن أتى بأعمال البر فهو متقٍ، لكن هنا ذكرا معاً فدل كل واحد منهما على معنى، ويختلف تفسير ذلك من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقد يفسر هذا بشيء وهذا بشيء والمراد واحد.ولفظ الإثم والعدوان أيضاً، فالإثم إذا أفرد وحده دخل فيه العدوان، وأما إذا ذكر مع العدوان دل هذا على معنى، وذلك على معنى، ولفظ التوبة والاستغفار، وهذا ما تقدم شرحه فيما مضى.وكذلك لفظ الفقير والمسكين وأمثال ذلك، وقد تقدم ذلك أيضاً، فإذا أطلق الفقير وحده، أو المسكين وحده فهما بمعنى واحد، وأما إذا جمع بينهما كما في آية الصدقات في قوله تعالى: ((
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ))[التوبة:60]؛ فالفقراء لها معنى، والمساكين لها معنى، بغض النظر عما هو المعنى. ثم يقول في آخر الكلام: (والظاهر أن هذه المعارضات لم تثبت عن
أبي حنيفة رضي الله عنه).فهو الآن يرد على شبهات
المرجئة ؛ ولا سيما الحنفية منهم، وسيأتي بالأدلة، وفي النهاية يبين أن هذه الردود التي يشنع بها
المرجئة على
أهل السنة والجماعة لم تبلغ الإمام
أبا حنيفة ولم تثبت عنه، وليس هو الذي قالها.