المادة    
‏الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
قال رحمه الله: (وطائفة جعلوا الإسلام مرادفاً للإيمان، وجعلوا معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة.. ): شعائر الإسلام) يعني: عندما سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ( ما الإسلام؟ )، وهذا كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: (قد أجاب عنه صلى الله عليه وسلم كما يجاب بالحد عن المحدود) في اصطلاح الأصوليين والمتكلمين وأمثالهم، والحد: هو التعريف الجامع المانع، يقولون: ليس المقصود هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم عنده -على تأويلهم- أن الإيمان والإسلام شيء واحد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الإسلام أجاب بشعائر الإسلام، أي: الأعمال الظاهرة، والأركان الستة الباطنة هي حقيقة الإسلام، وهي الإيمان، فجعلوهما مترادفين بهذا التأويل، فتكون هذه الأركان الخمسة الظاهرة إذاً شعائر، وليست تعريفاً وإنما هي تعريف لشعائره، فجبريل عليه السلام لما سأل عن الإسلام كأن النبي أجابه بشعائره لا بحقيقته.
  1. الرد على من يقول بترادف الإيمان والإسلام

    قال الشيخ: (والأصل عدم التقدير)، فالحديث يقول: ( الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله … ) الحديث، فهما مبتدأ وخبر، ومسند ومسند إليه، ولا تقدير في الكلام، والأصل في كلام العرب عامة، وفي كلام الشرع خاصة في الألفاظ الشرعية والكلمات الشرعية: ألا يقدر إذا تم المعنى من غير تقدير، فالأصل هو عدم التقدير.
    قال: (مع أنهم قالوا: إن الإيمان هو التصديق بالقلب) وهذا -كما قررنا من قبل- هو مذهب الأشعرية و الماتريدية ، فإذا كان الإيمان هو التصديق بالقلب عندهم كما يقول الشارح رحمه الله، ويقولون أيضاً: إن الإسلام والإيمان شيء واحد؛ فيكون الإسلام على ذلك هو التصديق بالقلب، وما داما مترادفين فما عرّفوا به الإيمان هو أيضاً تعريف للإسلام، فيكون الإسلام إذاً هو التصديق بالقلب، [وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة]، وقد تقدم بالتفصيل معنى الإيمان، وتفصيل ذلك من الناحية اللغوية، وأما الإسلام من الناحية اللغوية فلا خلاف في أنه هو الانقياد والطاعة والاستسلام والإذعان وما أشبه ذلك، وليس من التصديق، أي: لا علاقة بين الإسلام وبين التصديق لغة، وإنما هو الانقياد والطاعة.
    يقول: (وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا في الحديث المتفق عليه- في الدعاء: ( اللهم لك أسلمت، وبك آمنت ) )، ففرق بينهما، وعدّى الإسلام باللام فقال: (لك)؛ لأنه بمعنى الانقياد، أي: انقدت لك، وأذعنت لك، واستسلمت لك، وأما الإيمان فتعدى بالباء؛ لأنه آمن -كما تقدم- في معنى الإيمان اللغوي، فآمن إذاً يتعدى بالباء.
    قال: (وفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالإيمان بالأصول الخمسة) أي: كما في حديث جبريل عليه السلام، وفسر الإيمان بالإيمان بالأصول الخمسة، أي: الأركان الستة التي هي في حديث جبريل، أيضاً، وقد حذف الإيمان بالقدر؛ لأنه يدخل في الإيمان بالله، وقد تقدم معنا في شرح الأصول الخمسة للمعتزلة أنهم جعلوا الأصول الخمسة بدل الأركان الخمسة هذه، وهكذا ابتدعوا في الدين.
    والمقصود بالأصول الخمسة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، هذا معنى كلام الشارح هنا، ولو أنه قال: والإيمان بالأصول الستة لكان أولى، حتى يطابق لفظ الحديث.
    قال: (فليس لنا إذا جمعنا بينهما أن نجيب بغير ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم) وأما إذا أطلق أحدهما دون الآخر دخل فيه، ولا إشكال حينئذ ما دام أن كل منهما يدخل في الآخر، ففي حال الإفراد لا إشكال أن تجيب بأي جواب من أجوبة النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما يصح من غيرها، فتلك حالة اتفاق لا إشكال فيها، والحالة التي نحن نريد أن نلزم بها هؤلاء هي حالة الاجتماع، فإذا اجتمع الإيمان والإسلام في نص واحد كما في حديث جبريل عليه السلام، وكما في آية الحجرات: (( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ))[الحجرات:14]، فليس لنا أن نقول: إنهما مترادفان، والنبي صلى الله عليه وسلم قد فرق بينهما، بل إن في القرآن التفريق بينهما، قال: (وإما إذا أفرد اسم الإيمان فإنه يتضمن الإسلام) (ولكن قولوا أسلمنا)، فمعنى ذلك: أنه لا بد أن يكونوا مؤمنين، فأسلمنا معناه: أن لديهم قدراً من الإيمان، فإذا أفرد اسم الإيمان فإنه يتضمن الإسلام، وإذا أفرد اسم الإسلام فإنه يتضمن الإيمان، كما في حديث وفد عبد القيس: ( أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة )، ففسر الإيمان بالإسلام.