المادة    
يقول: [ولكن النفاة قد جعلوا قوله تعالى: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))[الشورى:11]: مستنداً لهم في رد الأحاديث الصحيحة] فالمقصود بالنفاة: نفاة الصفات أو نفاة الأسماء والصفات، وهذا كما ذكرنا منهم رد أو ضرب لكتاب الله بعضه ببعض، فيجعلون بعضه محكماً كما يشاءون، ويجعلون بعضه متشابهاً كما يشاءون، بل ربما جعلوا المتشابه هو المحكم والمحكم هو المتشابه، فكل آيات الصفات محكمة، لكن جعلوا ثلاث آيات أو أربع هي المحكمة فقط، وما عداها جعلوه متشابهاً، الأولى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، والثانية: (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ))[الإخلاص:4]، والثالثة: (( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ))[مريم:65]، فهذه عندهم محكمة، وهي كذلك، لكن ما أرادوا بإحكامها إلا أن يردوا غيرها من الآيات التي فيها الصفات، فمثلاً فخر الدين الرازي صاحب كتاب أساس التقديس؛ فإنه بنى أصوله في رد الصفات على مثل ذلك، أي: على القواطع العقلية، وعلى مثل هذه الآية، يقول رحمه الله: [فكلما جاءهم حديث يخالف قواعدهم وآراءهم، وما وضعته خواطرهم وأفكارهم ردوه بـ (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))[الشورى:11]].
فإذا قلت لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر -وهو حديث متواتر- أن الله عز وجل ينزل إذا كان الثلث الأخير من كل ليلة، ويقول كذا وكذا، قالوا: هذا لا يصح، أو لا نثبت ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))[الشورى:11]، فنقول: وما الاختلاف أو ما التعارض؟ فهو ليس كمثله شيء، ونزوله سبحانه وتعالى ليس كنزولنا، كما أن ذاته ليس كذواتنا، وهكذا فلا إشكال، لكن هم يردونه، وهكذا حتى في أبواب أخرى كأبواب القدر مثلاً، يقول رحمه الله: [تلبيساً منهم وتدليساً على من هو أعمى قلباً منهم، وتحريفاً لمعنى الآيه عن مواضعه] وهذا كما فعلت اليهود ، إذ إنهم يحرفون الكلم عن مواضعه.
  1. كيفية فهم النفاة لأحاديث الصفات

    قال رحمه الله: [ففهموا من أخبار الصفات ما لم يرده الله ولا رسوله] وذكر النفاة والصفات لأن أصل المشكلة في رد خبر الواحد هي الصفات كما في كلام الرازي وغيره، إذ كيف ننسب إلى الله هذه الأمور التي تنافي العقل ونقول: رواها فلان وذكرها فلان؟ فاضطروا عياذاً بالله من تحكيمهم لهذه الآراء والأهواء أن يردوا الأحاديث الصحيحة، وهذه القضية ليست وحدها في أبواب الإيمان، بل في أبواب القدر وغيرها يردون أيضاً الأحاديث، لكن ذكر الصفة لأنها هي الأصل عندهم، وهي الأهم، فيفهمون منها ما لم يرده الله ولا رسوله [ولا فهمه أحد من أئمة الإسلام، أنه يقتضي إثباتها التمثيل بما للمخلوقين] وهذا لا يمكن، فالله عز وجل عندما ذكر أن له عيناً، وأن له يدين سبحانه وتعالى، أو أنه ينزل إلى سماء الدنيا، ما كان أحد يظن من الصحابة أن ذلك كصفات المخلوقين أبداً، لكن جاء هؤلاء فقالوا: النزول لا يعقل إلا بانتقال الجسم من حيز إلى حيز، فنقول: هذا بالنسبة للمخلوقين، أما الله تعالى فليس كمثله شيء، وليس كشيء من خلقه، فأنتم تتوهمون وتظنون أن هذا الحديث فيه تمثيل أو تشبيه، وهكذا في كل الأحاديث التي ردوها؛ لأنه في ذهنهم أن هذه تفيد التشبيه كما في قولهم: وكل نص أوهم التشبيه! فسبحان الله! هل يمكن أن يأتي نص عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوهم التشبيه؟! إن العقول الضعيفة تتوهم ذلك، أما النصوص فإنها لا توهم ذلك؛ ولذلك فإن أئمة الإسلام وفقهائه وعلمائه، بل حتى العامي من المسلمين، لا يخطر بباله ذلك إلا إذا عُلِّم من شبههم، أو ألقى الشيطان في نفسه شبهة لضعف يقينه، ثم يقول رحمه الله: [ثم استدلوا على بطلان ذلك بـ(( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))[الشورى:11] تحريفاً للنصين] أي: أنهم حرفوا الآية، ولنفرض مثلاً قوله تعالى: (( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ))[المائدة:64]، فإذا ردوا هذه الآية بقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فقد حرفوا معنى الآيتين، أما آية إثبات اليدين فإنها لم يرد الله تبارك وتعالى بها إثبات أن له يدين كأيدي المخلوقين، تعالى وتبارك عن ذلك وتقدس، فهم فهموا هذا، ثم إن هذه الآية: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) لم يرد بها إبطال آية أخرى في كتاب الله، فهم في الحقيقة حرفوا الآيتين معاً أو النصين معاً، ثم قال: [ويصنفون الكتب، ويقولون: هذا أصول دين الإسلام الذي أمر الله به، وجاء من عنده] كما يسمون كتبهم (الأصول)، مثل: الأربعين في أصول الدين للرازي [ويقرءون كثيراً من القرآن ويفوضون معناه إلى الله تعالى من غير تدبر لمعناه الذي بينه الرسول، وأخبر أنه معناه الذي أراده الله] والفرق بين أهل السنة وبينهم: أن أهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية، أما المعنى فيثبتونها، فمثلاً: يثبتون معنى استوى، ومعنى العين، ومعنى اليد، ومعنى النزول وغير ذلك في القرآن أو في السنة، أما أولئك فإنهم يفوضون المعنى، فيصبح الحال أن الكلام لا مفهوم له، فيقرءون حروفاً ليس لها أي معنى، وبالتالي فما قيمتها؟! وما فائدة القراءة؟ هل للتبرك فقط؟!