قال رحمه الله:
[وهو نظير خبر الذي أتى مسجد قباء وأخبر أن القبلة تحولت إلى الكعبة فاستداروا إليها]. والحديث أيضاً متفق عليه، وهو مما ذكره
ابن القيم رحمه الله في الأخير دليلاً على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يعملون بخبر الواحد ولا يردونه، فقد عملوا رضي الله تعالى عنهم بخبر هذا الواحد الذي أخبرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحولوا من
بيت المقدس إلى الكعبة،
[وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل رسله آحاداً ويرسل كتبه مع الآحاد]، ومن ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث الكتب إلى ملوك الأرض: كسرى و
هرقل عظيم الروم وملك القبط وغيرهم في
جزيرة العرب وخارجها؛ فإنه صلى الله عليه وسلم إنما أرسل آحاداً، حتى أن كتاب كسرى إنما وصل إليه وجادةً، أي: ما بلَّغه
دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه مباشرة، وإنما دفعه إلى عامله ومن عامله، على
بصرى إليه في
حمص، فما كان الرسول قد وصل إليه أيضاً، ومع ذلك فإنه قبله، يقول:
[ولم يكن المرسل إليهم يقولون: لا نقبله؛ لأنه خبر واحد]. فقد كان الذين أرسل إليهم أعقل من أن يقولوا ذلك، وكما ذكرنا أنه ليس لأنه كتاب أتانا، فهذا يأتي في الخبر ويأتي في الكتاب وفي أي شيء، بل قلنا: هناك مسالة أخرى وهي: القرائن إذا حفت بأي شيء، فهذا ليس لأن الكتاب وقع في يد كسرى أو قيصر فقال: هذا الكتاب حق وآمن به، بل لأن هناك القرائن التي تحف بالشيء فتجعله يقيناً، فإن قيصر لو جاءه كتاب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم -مثلاً- قد لا ينظر إليه، ولا يأبه به، ولا يدري من الذي أرسله؟ ولماذا؟ لكن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث، وأخباره وأصداء دينه قد بلغت الآفاق، وقد تسامع عنه الناس، وأصبح الكذب عليه أو نسبة شيء إليه أمراً عظيماً وجلياً، فهناك قرائن معينة ونحن نقر بذلك، ولا نقول: لمجرد أنه كتاب، ولكن نقول: إن هذه القرائن مع هذا الكتاب جعلت المرسل إليهم يجزمون بصدقه، وأنه حق ممن أرسله، وكذلك نحن في علم الحديث ليس مجرد أي خبر يفيد العلم واليقين، وإنما له شروط معتبرة. ثم قال:
[وقد قال تعالى: (( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ))[التوبة:33] فلا بد أن يحفظ الله حججه وبيناته على خلقه؛ لئلا تبطل حججه وبيناته] وهذا قد تقدم في بيان أن
>حكمة الله تبارك وتعالى، وما وعد به من إظهار دينه، وإقامة الحجج على الخلق تقتضي القبول والتصديق بخبر الواحد الذي هذا شأنه؛ لأن أكثر السنة آحاد، فلو قال قائل: لا نقبل خبر الواحد لكان ذلك إبطالاً لحجة الله على خلقه، ولم تقم الحجة على أحد إلا بأن يرسل إليه العدد المتواتر الذي اختلفوا فيه: هل يكون سبعين أو أربعين أو عشرين أو اثنى عشر؟ فكل يرى المتواتر كما يريد، وهذا لم يقع أبداً، بل قامت حجة الله تبارك وتعالى على خلقه بهذا الدين، مع أن أكثره آحاد، ونعني به السنة.