مثال ذلك: ((
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))[طه:5]، فقالوا: (استوى) بمعنى: (استولى)، مع أن (استوى) في كلام العرب معروفة، ولهذا قال الإمام
مالك: [
الاستواء معلوم] أي عربي يفهم معناه، بمعنى: علا وارتفع، إذا كان غير متعدي بـ(على)، فإن كان متعدياً بالواو فالمراد: المساواة، يقال: استوى الماء والخشبة، أي: استوى الماء مع الخشبة، وذكر
الخليل أو غيره فقال: (إنا إذا ذهبنا إلى أعرابي -وهذا مذكور في
أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي وغيره- فأطل من السطح وقال: استووا إلي) أي: إما أن تأتي (استوى) من غير تعدي أو تتعدى بـ(على) أو بالـ(واو) كما في
مختصر الصواعق .بينما هؤلاء جعلوها بمعنى استولى، فزادوا لاماً فتحرف المعنى، ولذلك لو قلت لأعرابي: استوليت على كذا، يفهم أنك قد غالبت ونازعت غيرك حتى استوليت عليه، وأخذته وحزته وملكته، وإلى الآن الناس يقولون: استولى على الأرض التي هي لفلان، فأين هذا من استوى على؟ إذاً: هذا تحريف للكلم عن مواضعه، وهذا الذي أخذه الله تعالى على
اليهود ، إذ إنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، قال تعالى: ((
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ))[المائدة:41].ولهذا شبه
ابن القيم رحمه الله لام
الجهمية بنون
اليهود ؛ لأن الله تعالى قال: ((
وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ ))[البقرة:58]، فجاء
اليهود وقالوا: (حنطة)، فزادوا النون فتغير المعنى، وأما لام
المعطلة و
الجهمية فهي أن الله تعالى يقول: ((
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))[طه:5]، وهؤلاء زادوا اللام، فقالوا: (استولى)، ومثله حديث: (
يضع الجبار قدمه أو رجله في النار ... )، فقالوا: الذي يضع هو: ملك، أو الرجل بمعنى الجماعة، أي: أنهم يخرجون عن المعنى المراد. كذلك قوله تعالى: ((
أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ))[الملك:16]، قالوا: أمره أو جبريل أو ملك العذاب. أيضاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (
ينزل الله في كل ليلة إذا كان الثلث الأخير )، فقالوا: تنزل رحمته، فيرد عليهم: بأنه إن كان المقصود: الرحمة لقال: تنزل رحمة الله، ولا إشكال حينئذٍ، لكن هذا دليل على أنهم يتعمدون التحريف، أي: إخراج النص عن دلالته الظاهرة الجلية وتحريفها، ويسمون ذلك تأويلاً، وكل هذا قد تقدم وليس هذا موضعه، وإنما المقصود أن
أهل البدع يضعون أصلاً من الأصول ويسمونه: المعقول أو القاعدة، ثم يجعلون هذا هو المعيار أو الحكم، ويحاكمون إليه الأدلة فما وافقها قبلوه وإن كان آحاداً، وإن كان ضعيفاً، بل ربما كان موضوعاً، فمثلاً: حديث
معاوية بن الحكم السلمي في
صحيح مسلم و
مسند الإمام أحمد رضي الله تعالى عنهما وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية: (
أين الله؟ ... )، فهو الذي سأل، والجارية تجيب فتقول: (
في السماء)، لكن قال هؤلاء: إن هذا الحديث آحاد، ويخالف القواطع والقواعد العقلية، والحل: أنهم عثروا على كلام لـ
علي رضي لله تعالى عنه، وهو حجة لنا بأنه ليس لله تعالى مكان وليس له جهة، والكلام هو: [
أن علياً رضي الله تعالى عنه لقيه رجل فقال له: أين الله؟ فقال علي : لا يقال لمن أيَّنَ الأينَ أينُ ]. أي: من جعل المكان مكاناً لا يقال له: أين، واعتمدوا على هذا، فنقول: أنتم رددتم الحديث الثابت الذي في
صحيح مسلم و
المسند ، وأخذتم بكلام لا أصل له، لا عن
علي رضي الله عنه ولا عن غيره، ولو ثبت فرضاً عن صحابي مثل هذا الكلام لرد؛ لأننا مأمورون عند التنازع أن نرد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى ولو كان المنازع صحابياً، فكيف تقولون هذا؟ أي: أنكم لا تأخذون بالمحكم الصريح الثابت، فكيف تأخذون بمثل هذا؟ فهم في الحقيقة يردون أو يقررون بحسب أهوائهم وبحسب عقولهم.