المادة    
والشكل الآخر الذي ينشأ بينهم كما ذكر الشارح رحمه الله هو [أن يصير ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكلام المذموم من أهل الإرجاء ونحوهم، وإلى ظهور الفسق والمعاصي بأن يقول: أنا مسلم حقاً كامل الإيمان والإسلام، ولي من أولياء الله] إلى آخر كلامه، والمحذور والمحظور الآخر الذي ينشأ لا يكون من أهل السنة ، ولا يقع ممن هو على منهج السلف في الإيمان، إنما يقع من الطرف الآخر من مرجئة الفقهاء والحنفية؛ لأنه ليس من مذهب أهل السنة والجماعة القول بقول أهل الكلام أو القول بالإرجاء، فـالمرجئة هم غلاة، والذي يكون مذهبه أو كلامه ذريعة إلى قول ومذهب أهل الكلام، وأهل الإرجاء هم من الطائفتين، ولذلك هم الذين يقولون: أنا مؤمن كامل الإيمان، فهذا خاص بهم، فالشيخ كأنه في أول الأمر حذر من خطأ مشترك يقع بين الطائفتين وهو البغي والعدوان، ثم في النهاية ذكر هذا الذي هو خاص بأهل الإرجاء، قد يقول قائل: وهل وقع من أهل السنة والجماعة بغي وعدوان على المرجئة الحنفية أو غيرهم؟
  1. معنى العصمة في المنهج والأمة

    وهل المعصوم هم الأفراد؟ إن الأمة في جملتها معصومة من الاجتماع على ضلالة، أما الأفراد فيمكن أن يقع منهم، وأما منهج أهل السنة والجماعة فمعصوم والحمد لله، فهم لا يجتمعون على ضلالة، أما الأفراد غير معصومين، فيكون من أهل السنة والجماعة من يرتكب كبيرة، لكن لو قال قائل: يقول الله في سورة الحجرات: (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ))[الحجرات:9] فإن هذه الآية أول ما وقعت بين الصحابة أنفسهم، وهل في أهل السنة والجماعة من هو أفضل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا، ومع ذلك وقع منهم الاقتتال والبغي والظلم والعدوان عند وقوع الفتنة فيما بينهم، لكن في مجموعهم لم يخرجوا عن الحق، إذ إن كلهم يريدون الحق، لكن يوجد منهم من يبغي أو يظلم، كما أن منهم من يزني أو يسرق، أو قد يفعل ما هو محرم، وقد فعل ذلك الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما هو معلوم، فوجد فيهم من زنى، ووجد فيهم من سرق، ووجد فيهم من شرب الخمر، وأقام النبي صلى الله عليه وسلم عليهم الحدود، وكلهم من أهل السنة بلا ريب، وكلهم من الجماعة بلا ريب، ولذلك يجب على أهل السنة والجماعة أن يتفطنوا إلى هذه القاعدة، فإن معنى كون هذا الأخ من أهل السنة والجماعة أو حريص على أهل السنة محارب للبدعة لا يعني أنه لا يظلم؛ لأنه ربما يظلم وربما يبغي وربما يتجاوز، والواجب أن نزن كلامه بميزان العدل، ولا يقر إن تجاوز أو بغى أو خرج في موقف أوفي كلام معين، حتى لو كان هذا الكلام ليس موجهاً إلى أحد من أهل السنة ، أو حتى إلى أحد من أهل الكفر أو أهل البدعة، وإنما ننصحه أن ينضبط في حدود الحق والعدل ولا يتجاوز ذلك ولا يخرج عنه، وهذا من النصح الواجب على كل مسلم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع الصحابة على ذلك، وهو الواجب على جميع المسلمين، فقال عليه الصلاة والسلام: ( الدين النصيحة ).