المادة    
‏الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
قال المصنف رحمه الله: [وأما زيادة الإيمان من جهة الإجمال والتفصيل، فمعلوم أنه لا يجب في أول الأمر ما وجب بعد نزول القرآن كله، ولا يجب على كل أحد من الإيمان المفصل مما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ما يجب على من بلغه خبره، كما في حق النجاشي وأمثاله.
وأما الزيادة بالعمل والتصديق، المستلزم لعمل القلب والجوارح فهو أكمل من التصديق الذي لا يستلزمه، فالعلم الذي يعمل به، صاحبه أكمل من العلم الذي لا يعمل به فإذا لم يحصل اللازم دل على ضعف الملزوم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس المخبر كالمعاين )، وموسى عليه السلام لما أخبر أن قومه عبدوا العجل لم يلق الألواح، فلما رآهم قد عبدوه ألقاها، وليس ذلك لشك موسى في خبر الله، لكن المخبر وإن جزم بصدق المخبر فقد لا يتصور المخبر به نفسه، كما يتصوره إذا عاينه، كما قال إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا محمد: (( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ))[البقرة:260].
وأيضاً: فمن وجب عليه الحج والزكاة مثلاً، يجب عليه من الإيمان أن يعلم ما أمر به، ويؤمن بأن الله أوجب عليه مالا يجب على غيره إلا مجملاً، وهذا يجب عليه في الإيمان المفصل.
وكذلك الرجل أول ما يسلم، إنما يجب عليه الإقرار المجمل، ثم إذا جاء وقت الصلاة كان عليه أن يؤمن بوجوبها ويؤديها، فلم يتساو الناس فيما أمروا به من الإيمان.
ولا شك أن من قام بقلبه التصديق الجازم الذي لا يقوى على معارضته شهوة ولا شبهة، لا تقع معه معصية، ولولا ما حصل له من الشهوة والشبهة أو إحداهما لما عصى، بل يشتغل قلبه ذلك الوقت بما يواقعه من المعصية، فيغيب عنه التصديق والوعيد فيعصي، ولهذا -والله أعلم- قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) الحديث. فهو حين يزني يغيب عنه تصديقه بحرمة الزنى، وإن بقي أصل التصديق في قلبه، ثم يعاوده، فإن المتقين كما وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله: (( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ))[الأعراف:201]. قال ليث عن مجاهد : هو الرجل يهم بالذنب، فيذكر الله فيدعه، والشهوة والغضب مبدأ السيئات، فإذا أبصر رجع، ثم قال تعالى: (( وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ))[الأعراف:202]، أي: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصرون. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا الإنس تقصر عن السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم، فإذا لم يبصر يبقى قلبه في عمى، والشيطان يمده في غيه، وإن كان التصديق في قلبه لم يكذب، فذلك النور والإبصار، وتلك الخشية والخوف تخرج من قلبه، وهذا كما أن الإنسان يغمض عينيه فلا يرى، وإن لم يكن أعمى، فكذلك القلب بما يغشاه من رين الذنوب لا يبصر الحق، وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر، وجاء هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا زنى العبد نزع منه الإيمان، فإذا تاب أعيد إليه )]
.
  1. تفاوت الناس في الإيمان