المادة    
يقول الشيخ رحمه الله: (والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسنة والآثار السلفية كثيرة جداً) أي: أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا هو التركيب عند أهل السنة والجماعة بعد أن أجمل في الرد العقلي، وفصل في الرد النقلي من الكتاب والسنة والآثار، قال: (منها: قوله تعالى: (( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ))[الأنفال:2]) قال واصفاً عباده المؤمنين: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ))[الأنفال:2]، أي: أن إيمانهم السابق يعلو، فينضاف إليه إيمان جديد بما نزل من الآيات، وحتى هم في الإيمان الجديد متفاوتون، فكما أنهم في الإيمان السابق متفاوتون فهم في ما يستجد من إيمان يتفاوتون، قد تنزل الآية فتقع في قلب الواحد موقعاً عظيماً يزداد بها زيادة عظيمة، وقد تنزل الآية فيزداد إيماناً، لكن بقدر أقل من ذاك وهكذا، فإذاً هناك قدر مشترك بين المؤمنين جميعاً، وهو زيادة الإيمان بتلاوة آيات الله تبارك وتعالى، أو بإنزالها عليهم، وهم أيضاً في هذا القدر -الزيادة- متفاوتون، فيتفاوت في جملته وفي أفراده وأعيانه، وقوله تعالى: (( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ))[مريم:76]، فهذه الآية ليس فيها ذكر الإيمان، وإنما فيها ذكر الهدى، فهل هذا يصلح للاستدلال؟ قد قررنا موضوع الألفاظ في الاقتران وفي الانفراد وفي الاشتراك، مثل: الإيمان، والتقوى إذا أفرد الواحد منها دخل فيها الدين والعبادة والبر، والهدى من أعظمها؛ لأنه يطلق على الدين كله، والطاعة، والحق، والخير، والإسلام، والإيمان، والإحسان، والذكر، إذ يدخل فيه الإيمان، والنور، والتصديق إذا أردنا به الإيمان والعمل، والاستقامة، إذ هي أخص، قال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ))[فصلت:30] فهي تطلق على مرحلة ما بعد استقرار الإيمان، ولهذا شيخ الإسلام رحمه الله كتب كتاباً سماه: الحسنة والسيئة ؛ لأنها أصل كل شيء، فأعظم الحسنات التوحيد، وأعظم السيئات الشرك، ثم يدخل فيها كل الشعب، وكذلك المعروف والمنكر، والمعروف يدخل فيه كل الدين، وأعظم المعروف الذي نأمر به التوحيد؛ لأنه ما دام يدخل التوحيد في شيء فاعلم أن الدين كله تبع له؛ لأن التوحيد هو أساس الدين، وبالتالي فإن قول الشيخ هنا واستدلاله بالآية في محله، وقوله تعالى: (( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ))[المدثر:31]، يدل أيضاً على زيادة الإيمان دلالة صريحة لا تحتاج إلى تأويل، ولهذا لما تعرض الشارح رحمه الله للتأويل كيف يؤول مثل هذه الآية التي تدل دلالة صريحة على زيادة الإيمان؟ وقال: (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ))[الفتح:4] وهذه أيضاً دلالة صريحة في ذلك، وقوله تعالى: (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))[آل عمران:173].