الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:قال
ابن أبي العز:
[ويأتي في كلام الشيخ رحمه الله في شأن الصحابة رضي الله عنهم: (وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان) فسمى حب الصحابة إيماناً، وبغضهم كفراً.وما أعجب ما أجاب به أبو المعين النسفي وغيره عن استدلالهم بحديث شعب الإيمان المذكور، وهو: أن الراوي قال: بضع وستون، أو بضع وسبعون. فقد شهد الراوي بغفلة نفسه حيث شك، فقال: بضع وستون، أو بضع وسبعون، ولا يظن برسول الله الشك في ذلك، وأن هذا الحديث مخالف للكتاب.فطعن فيه بغفلة الراوي ومخالفته الكتاب، فانظر إلى هذا الطعن ما أعجبه، فإن تردد الراوي بين الستين والسبعين لا يلزم منه عدم ضبطه، مع أن البخاري رحمه الله إنما رواه: بضع وستون. من غير شك.وأما الطعن بمخالفة الكتاب، فأين في الكتاب ما يدل على خلافه؟ وإنما فيه ما يدل على وفاقه، وإنما هذا الطعن من ثمرة شؤم التقليد والتعصب.وقالوا أيضاً: وهنا أصل آخر، وهو أن القول قسمان: قول القلب وهو الاعتقاد، وقول اللسان وهو التكلم بكلمة الإسلام، والعمل قسمان: عمل القلب، وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح. فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتبارها وكونها نافعة، وإذا بقى تصديق القلب وزال الباقي فهذا موضع المعركة!ولا شك أنه يلزم من عدم طاعة الجوارح عدم طاعة القلب، إذ لو أطاع القلب وانقاد لأطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعة القلب وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، قال عليه الصلاة والسلام: ( إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب ) فمن صلح قلبه صلح جسده قطعاً بخلاف العكس]. يريد الشيخ رحمه الله هنا يريد أن يكمل الأدلة على أن الأعمال داخلة في الإيمان، وهنا بعد أن ذكر الأدلة النقلية جاء بهذا الدليل أو بهذا القول، قال رحمه الله: (يأتي في كلام الشيخ) -المتعلقة بالصحابة رضي الله تعالى عنهم-
أبي جعفر الطحاوي (في شأن الصحابة رضي الله عنهم: وحبهم دين وإيمان)، أي: أن حب الصحابة رضي الله تعالى عنهم دين وإيمان وإحسان، قال: (وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، فسمى حب الصحابة إيماناً وبغضهم كفراً) فالحكمة من ذكر هذا القول والتذكير به هنا: أن الإمام
الطحاوي لما ذكر الإيمان عرفه: بالإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، وهذا هو مذهب الحنفية، فالنزاع بين
أهل السنة وبين الحنفية هو في دخول الأعمال وفي كون الإيمان شعباً، فهم لا يقرون بأن الإيمان هو أجزاء وشعب، ولا يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان، وإنما يقولون: إن الأعمال لوازم أو ثمرات أو كمالات، فعندما قرر هذا في تعريفه للإيمان، جاء في آخر كلامه فنص على أن حب الصحابة إيمان، وهذا الموافق للنصوص، ومعنى أنه إيمان: أي: أنه شعبة من شعب الإيمان، وهذا لا إشكال فيه عند
أهل السنة والجماعة ، إذ إن الشعبة الواحدة تسمى إيماناً، ومجموع الشعب يسمى إيماناً. إذاً: فكأن الشيخ رحمه الله في آخر هذه العقيدة -في هذه الفقرة- وافق الصواب ووافق الأحاديث، ولم يشعر أن هذا فيه شيء من التناقض مع ما قد قال، فقد ذكر من قبل المذهب الحنفي المرجوح الذي لا يدخل الأعمال في الإيمان ولا يجعلها شعباً منه؛ ولهذا ناسب هنا أن الشيخ
ابن أبي العز لما أراد أن يستدل على صحة مذهب
أهل السنة والجماعة وإبطالهم لشبهات الحنفية، أن يأتي بكلام الإمام
أبي جعفر ويقول: إن الشيخ في آخر كتابه نطق بذلك، وصرح بما هو موافق لمذهب
أهل السنة والجماعة ، وهذا هو القول الصواب.وعليه -لا شك- فإن حب الصحابة رضي الله تعالى عنهم دين وإيمان، وأن بغضهم كفر ونفاق، وقد جاء ذلك صريحاً في عدة أحاديث، وهذه الجملة هي -فعلاً- جملة عظيمة، ومما يجب أن تعلمه الأمة جميعاً، وهي مأخوذة من نص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.