المادة    
وقد يقال: الزكاة حق مالي له أسباب ومصالح، يجيب الشيخ بقوله: (والزكاة وإن كانت حقاً مالياً فإنها واجبة لله، والأصناف الثمانية مصارفها، ولهذا تجب فيها النية). إذاً: لو أخذت ضريبة كما في القوانين الوضعية فلا تعد عبادة، ولا أجر لصاحبها ولا لمن أخذها، بل قد يكون ذلك وزراً إذا نذر إليه من جهة أنها جعلت مغرماً، أي ضريبة تخصم تعطى، فقد تجردت عن النية والتقرب، ولهذا تجد بعض الناس لا يصلي ولا يزكي ولا يصوم، وكل ما في الأمر أنه عندما يعمل السجل التجاري يضع رأس ماله مائة ألف فعلم أن مصلحة الزكاة والدخل تأخذ 2.5% وتوجد من الاستمارات لهذا نوعان: إن كانت تتعلق بالمسلمين سموها زكاة، وإن كانت تتعلق بشركات غربية سموها ضريبة الدخل، والخصم واحد، والمصدر واحد، والطريقة واحدة، فأين القربة في هذا؟ فتجد منهم من يأتيك ويشتكي ويقول: يا أخي أنا في شهر كذا كان الرصيد عندي صفر، أي: قد أصبحت مديناً أو انقطع الحول، ومع ذلك في آخر السنة تبقى النسبة 2.5% مستمرة، ويأتيك آخر ويقول: إن فلاناً رأس ماله عشرة ملايين، ولكنه مقيداً في السجل مائة ألف، وتأخذوا عليه 2.5% فقط، ولا يؤدي الزكاة الباقية، ونجد الإجحاف هنا وهنا؛ لأن الزكاة لم تعد تقرباً -نسأل الله العفو والعافية- ولذلك لا ينفع صاحبها إن أدى شيئاً، وأيضاً من أخذها لا يستفيد ولا ينتفع بها، ولم يعد ينظر إليها كحق لله لهذا الاعتبار. والأصل أن الفقير المحتاج يجب أن يعلم أن له حقاً في مال الأغنياء، فلا نلجئه للذل ولا للخضوع، بل يذهب إلى الغني ويقول له: اعطني من حق الله الذي عندك، فأنا فقير وأنت عندك مال، لكن بهذه الطريقة نجده يذهب للضمان الاجتماعي ويقدم هناك ويثبت أنه فقير، فأصبح الفقير في ذلة والغني يستخدم الحيلة لتقليل الواجب عليه. ويقول رحمه الله: (ولهذا وجبت فيها النية ولم يجز أن يفعلها الغير عنه بلا إذنه، ولم تطلب من الكفار)؛ لأنه يشترط فيها النية، والنية لا تنفع الكافر الذي لم يخلص أصل الدين لله تبارك وتعالى. ويقول رحمه الله: (وما يجب حقاً لله تعالى كالكفارات) أي: ليست فرض عين، بل على من تجب عليه الكفارة فقط؛ لأنها وجبت بأسباب من العبد، وفيها شوب العقوبات، وكذلك كفارات الحج. وقال أيضاً: (وأما الزكاة فإنها تجب حقاً لله في ماله، ولهذا يقال: ليس في المال حق سوى الزكاة، أي: ليس فيه حق يجب بسبب المال سوى الزكاة، وإلا ففيه واجبات لغير سبب المال). والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.