المادة    
يأتي المؤلف رحمه الله هنا يبين ما يتعلق بحقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة فيقول: (أولاً: بالنسبة للشهادتين اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر) ظاهراً وباطناً، ولا صحة ولا اعتبار لقول من يقول إنه إذا آمن بقلبه ولم ينطق فإنه يكون عاصياً فقط بترك النطق، ولكنه يكون مؤمناً عند الله، فهذا لا اعتبار له، وإن قال به علماء كبار كـأبي حامد الغزالي وأمثاله؛ لأن هذا هو قول المرجئة ، ولم يقبل الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم من أحد إلا أن يقر بلسانه بهذا الدين، أي: لا بد من الإقرار وتفصيل هذا الإقرار هو الشهادتان.
واصل المؤلف رحمه الله بقوله: (وأما الأعمال الأربعة) أي: بقية الأعمال كمن أتى بالشهادتين ولكن لم يأت ببقية الأعمال فيقول رحمه الله: (فاختلفوا) أي الفقهاء (في تكفير تاركها ونحن أهل السنة إذا قلنا: إنه لا يكفر بالذنب فإنما نريد به المعاصي كالشرب والزنا) يعني: لا يقول أحد: إن تارك الصلاة غير كافر، بدليل أن المسلمين مجمعون على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر، وشيخ الإسلام رحمه الله يرد على هذا بأنه غير صحيح؛ لأن المقصود بمرتكب الكبيرة هو العاصي أي: الذي أتى منهياً عنه، وليس الذي ترك ركناً مأموراً به، وهذا الذي يدل عليه الحديث: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) هذه الأصول الثلاثة هي أصول الكبائر، وهي فعل للمحظور، وليس تركاً للمأمور، فالله تعالى حرم الزنا وحرم السرقة، وحرم شرب الخمر، فمن ارتكبها وهو من أهل الصلاة فهو من أهل الكبائر، لكن هذا لا يعني أن تارك الأركان يدخل في جملة أهل الكبائر.
ويقول رحمه الله: (وأما هذه المباني ففي تكفير تاركها نزاع مشهور) ثم ذكر أقوال السلف في هذا، وأن بعضهم عدى حكم التكفير إلى بقية الأركان، أما الصلاة فقد أجمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على تكفير تاركها مستدلين بمنطوق الأحاديث: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة ). وقد بينا فيما سبق أن الكفر إذا عرف باللام فإنه يراد به الكفر الأكبر، وهذه قاعدة مطردة، بخلاف ما في قوله في حديث عبد الله بن مسعود : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في الخطبة: ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ) فلو أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ترجعوا بعدي كفاراً ) لقلنا أنه ينهانا عن الارتداد عن الدين، لكنه بين ذلك صلى الله عليه وسلم فقال: ( يضرب بعضكم رقاب بعض ) فعلم أنه ليس المقصود الكفر الأكبر، وإنما لأن التقاتل من عمل الكفار؛ لأن الأصل أن المسلمين يقاتلون الكفار، فإذا قاتل المسلم أخاه المسلم فقد عمل عمل الكفار، فهو كفر مقيد.
ونذكر هنا بعض الأقوال كما ذكرها شيخ الإسلام ، وليس مقصودنا أن نرجح في هذه المسألة قولاً على قول بقدر قصدنا أن نبين أن السلف فهموا أن الإيمان يشمل العمل، وأنه لا بد من الإتيان بهذه الأركان، وأن بعضهم كفر من لم يأت بها، يقول الحكم بن عتيبة : [ من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمداً فقد كفر، ومن ترك الحج متعمداً فقد كفر، ومن ترك صوم رمضان متعمداً، فقد كفر ] فالزكاة لو تركها الإنسان أو أهملها ولم يشأ أن يدفعها، فجاء الوالي وأخذها منه فإن هذا الرجل من أهل الكبائر، لكن المراد هنا من لم يعقد قلبه على أن يؤديها، وكذلك الذي يأتي عليه شهر رمضان ولم ينو بقلبه ولم يعزم على الصوم فإنه يكون تاركاً لركن من أركان الإسلام متعمداً، فهذا الذي كفره هؤلاء العلماء، وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه: [ من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر بالله، ومن ترك الزكاة متعمداً فقد كفر بالله، ومن ترك صوم رمضان متعمداً فقد كفر بالله أعني الكفر الأكبر ] وقال الضحاك رحمه الله: [ لا ترفع الصلاة إلا بالزكاة ] وقال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: [ من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له ] رواهما أسد بن موسى .
وقال عبد الله بن عمرو : [ من شرب الخمر ممسياً أي: ليلاً أصبح مشركاً، ومن شربه مصبحاً أمسى مشركاً) فقيل لـإبراهيم النخعي كيف يشرب الخمر فيمسي أو يصبح مشركاً قال: لأنه يترك الصلاة ] أي: يسهر إلى آخر الليل، فيشرب الخمر فينام فلا يستيقظ إلا قريب الظهر، فيذهب الوقت وهو لم يصل الفجر.
قال ابن تيمية رحمه الله: (قال أبو عبد الله الأخنس في كتابه: من شرب المسكر فقد تعرض لترك الصلاة، ومن ترك الصلاة فقد خرج من الإيمان) وفي طريق صحيح من طرق حديث جبريل عليه السلام أنه بعد كل مرة يسأله مثلاً يقول: ( أخبرني عن الإيمان؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فيقول: فإذا فعلتُ ذلك فأنا مؤمن؟ فيقول: نعم )، وكذلك في الإسلام يقول: ( فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ ) رواه الإمام أحمد رحمه الله في كتاب الإيمان وقال: (هذا رد على المرجئة ؛ لأنه قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مؤمن، فمفهوم ذلك أنه لو لم يفعل لما كان مؤمناً، ولما كان مسلماً). ‏
  1. العلاقة بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي للإيمان

  2. الرابط بين عمل القلب وعمل الجوارح وأثر ذلك في الإيمان

  3. إظهار بعض الحق إذا كان يؤدي إلى باطل

  4. فعل المأمورات واجتناب المحظورات من جهة الأفضلية