المادة    
ثم يقول: (واسم الإيمان والإسلام والنفاق والكفر هي أعظم من هذا كله) يعني: أن بيان النبي صلى الله عليه وسلم للإيمان والكفر والنفاق أعظم من بيانه لمعنى الصلاة والزكاة والحج واليتم مثلاً والجهاد وغير ذلك (فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بين المراد بهذه الألفاظ بياناً لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله، فإنه كاف شاف في تعريفها، بل معاني هذه الأسماء معلومة من حيث الجملة للخاصة والعامة، بل كل من تأمل ما تقوله الخوارج و المرجئة في معنى الإيمان علم بالاضطرار أنه مخالف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلم بالاضطرار أن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من تمام الإيمان).
يريد الشيخ أن يرد على المرجئة ، ويبين بطلان مذهبهم في إخراج العمل من الإيمان، وتقريرهم أن من لم يأت بالأعمال قد ينجو عند الله، ويكون من أهل الوعيد، وقد ينال الشفاعة إلى غير ذلك فيقول: (يعلم بالاضطرار) يعني: بالمعرفة الاضطرارية التي تقطع بها العقول وتجزم بها من غير حاجة إلى الاستدلال أن هذا غير صحيح؛ لأن الشرع جعل الطاعة من تمام الإيمان، ولم يجعل كل من أذنب ذنباً كافراً.
ثم يرد على الخوارج بقوله: (لو قدر أن: قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نؤمن بما جئتنا به من غير شك في قلوبنا، ونحن نقر بألسنتنا ونقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، إلا أننا لا نطيعك في شيء مما أمرت به، ولا نصوم، ولا نصلي، ولا نحج، ولا نزكي، ولا نؤدي الأمانة، ولا نصدق في الحديث، ولا نفي بالعهد، ونشرب الخمر، وننكح المحارم) أي أن كل شيء جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور العمل يلتزمون به، فلو أن طائفة قالوا ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما يريد المرجئة أن يعرفوا الإيمان يقول: (هل كان يتوهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم أنتم مؤمنون كاملو الإيمان ومن أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم ألا يدخل أحد منكم النار، بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم: أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك) وهذا استدلال يبين بالاضطرار وبداهة العقول على أن قول المرجئة باطل، وأما إبطال مذهب الخوارج بالاستدلال بهذا المبدأ فيقول فيه المؤلف: (يعلم كل مسلم أن شارب الخمر والزاني والقاذف والسارق -يعني أصحاب الكبائر- لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يجعلهم مرتدين يجب قتلهم، بل القرآن والنقل المتواتر عنه يبين أن هؤلاء لهم عقوبات غير عقوبة المرتد عن الإسلام، كما ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن من جلد القاذف والزاني وقطع السارق، وهذا متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانوا كفاراً -كما يقول الخوارج - لقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم كما يقتل المرتد فكلا القولين أي قول المرجئة وقول الخوارج مما يعلم فساده بالاضطرار من دين النبي صلى الله عليه وسلم).
وهذا الكلام يبين أن المرجئة عندما يستدلون على قولهم المبتدع باللغة أو بغيرها، فإن هذا الاستدلال لا ينفعهم مهما أصلوا، فالنتيجة الباطلة تدل على أن الوسيلة التي وصلوا بها إليها باطلة كذلك.
  1. المقدمات الباطلة التي بنى عليها أهل البدع ضلالاتهم

    يقول المؤلف رحمه الله: (وأهل البدع إنما دخل عليهم الداخل؛ لأنهم أعرضوا عن هذا الطريق، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها إما في دلالة الألفاظ، وإما في المعاني المعقولة، ولا يتأملون بيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكل مقدمات تخالف بيان الله ورسوله فإنها تكون ضلالاً).
    ومن ذلك مقدمات المرجئة التي يستدلون بها على أن العمل ليس من الإيمان، أو مقدمات الخوارج والمعتزلة التي يكفرون بها صاحب الكبيرة وهي: أن الشيء إذا ذهب بعضه ذهب كله، وذهبت حقيقته، وزال اسمه، فهؤلاء المرجئة دخل عليهم الخلل من جهة اللغة، والخوارج و المعتزلة من جهة العقل، وذلك أنهم قالوا: إن الشيء إذا ذهب بعضه ذهب كله، فجعلوه كالرقم عشرة إذا ذهب منها الواحد أصبح العدد صفراً، فلم تعد عشرة، وسوف نفصل الرد عليهم إن شاء الله.