المادة    
يقول المصنف: [ثم انتقل ذلك إلى المعتزلة أتباع عمرو بن عبيد وظهر قولهم في أثناء خلافة المأمون]، ومعلوم أن المعتزلة جاءتهم الفتنة من باب آخر، وجاءهم الشيطان من باب آخر، فقد كان عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء من أعبد الناس ومن أزهد الناس، وكانا يترددان على حلقة الحسن البصري رحمه الله، وهو من هو في إمامته وفضله وزهده وتعبده وتألهه، وكانوا أقرب شيء إلى سيرة الخوارج، فـعمرو بن عبيد عندما تقرأ سيرته تجد فيها من سيرة الخوارج من عبادة وزهد وتخشع وكثرة قراءة للقرآن، ولكنها على ضلالة، نسأل الله العفو والعافية.
فكان أول ظهور مذهبهم هو في المسألة التي خالفت فيها الخوارج، وهي مسألة الإيمان لا مسألة الصفات، فأصل ظهور الاعتزال هو مسألة الإيمان وليس الصفات؛ لأن الناس جاءوا يسألون الحسن البصري رحمه الله، قالوا: العاصي الفاسق مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن أم كافر؟ فـالخوارج يقولون: كل من ارتكب كبيرة فقد كفر وخرج من الملة، فإذا شرب أحد الخمر كفر، وإن زنى كفر، وإن سرق كفر، وهذا هو مذهب الخوارج .
والحسن البصري رحمه الله كان عالماً ربانياً، فلم يرد أن يقول: إنه مؤمن؛ لأنه لو قال مؤمن لفهم من وجه آخر أن الإنسان يزني ويشرب الخمر ويسرق، ويقول: أنا مؤمن، فكان مما أجاب به أن قال: [[إن الله تعالى ذكر صفات المؤمنين، وذكر صفات الكافرين أو الفاجرين والفساق، وهذا رجل يزعم الإيمان ويدعيه ثم يخالفه!! هذا شأن المنافقين]]، ولهذا بعض الناس نسب إلى الحسن البصري أنه خالف السلف، وأنه يقول: إن مرتكب الكبيرة منافق. وهو لا يقصد ذلك، لكن يقول: هذا من باب إذا وعد أخلف؛ لأنه يدعي الإيمان -كل مؤمن هو معاهد لله على الإيمان- ويخالف ذلك.. المقصود أن واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد قالا: إذا قلنا: إنه مؤمن فقد شهدنا له بالإيمان وهو يزني ويسرق ويكذب، ولا يمكن هذا !! وإذا قلنا: إنه كافر فمعه التوحيد ! إذاً كيف الحل؟ قالوا: هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر نجعله في منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان، فلا نقول: هو مؤمن، ولا نقول: هو كافر، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فقالا: خالد مخلد في النار، وأتوا على كل ما يدل على مغفرة الله سبحانه وتعالى لأهل الكبائر فأولوه، وظنوا أن ذلك أقوى في إثبات الدين والحق.
وفي نفس الوقت ظهرت مسألة القدرية، فقالت المعتزلة: يا عجباً! لمن يفعل المعاصي ويقول: إن الله قدرها عليّ، إذاً: دفعاً لذلك نقول: لا قدر، ولابد أن نقول: إن الإنسان هو الذي يخلق فعل نفسه؛ لأننا إذا قلنا: إن الله هو الذي يخلق أفعال العباد، فيكون هو الذي خلق فيهم ترك الصلاة، وخلق فيهم فعل الزنا، وخلق فيهم أنواع المعاصي!!
  1. الفوائد والعبر من دراسة البدع ومعرفتها

  2. ظهور قول أهل البدع في عهد المأمون