المادة    
نأتي هنا بشواهد من كلام الصوفيين تؤكد ما قلناه عن الهنود والفلاسفة وأمثالهم، وكلامهم كثير جداً، وأول من ألف في الصوفية من خلال تتبعي هو ابن الأعرابي ، ألف كتاباً وأسماه طبقات النساك ، ثم كتب أبو نعيم في الحلية ، ثم كتبت بعد ذلك كتب، مثل طبقات الأولياء للشعراني وكثرت كتبهم فيما بعد، ومن الصوفية المعاصرين من جمع هذا الكلام وحشره يريد أن يحشو به أذهان الناس وأذهان الجيل الجديد، فالعبارات قديمة، لكن جمعها في هذا الزمان يدلنا على قسم الشيطان لرب العالمين على إغواء الناس بعد استنظاره الله في ذلك، فهو يتخذ في كل زمن أولياء، فتنشأ طرق جديدة.
  1. نقل كاتب العصبة الهاشمية الصوفية عبارة ابن موفق

    ومن الطرق الخبيثة التي يجب أن ينبه عليها هذه الطريقة الخبيثة التي نشأت في مصر باسم العصبة الهاشمية، وهي خطيرة جداً؛ لأنها نشأت بعد نجاح ثورة إيران ، وتريد أن تكون دعوة جديدة في مصر التي طهرها الله على يد صلاح الدين رحمه الله من الرافضة ومن ضلالاتهم وبدعهم وعقيدتهم، فأصبحت -والحمد لله- بلاد سنة منذ زمن صلاح الدين إلى الآن.
    فتأسست هذه الفرقة الخبيثة، ولها علاقات مريبة مع الروافض لنفس الغرض الخبيث، والعلاقة بين التصوف والتشيع واضحة جداً وجلية جداً، والكلام فيها يطول كثيراً، وقد كتب الدكتور كامل الشيبي -دكتور عراقي- كتاباً اسماه الصلة بين التصوف والتشيع ونقل عنه وزاد الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله تعالى، وبين الصلة بين التصوف والتشيع.
    المهم أن العصبة الهاشمية الخبيثة التي أنشئت في صعيد مصر شيخها محتجب لا يراه أحد، ولا يدخل عليه إلا المقربون الخاصة الذين يؤمنون بما يؤمن به هو من عقائد الهندوس وأشباههم، وطريقتهم خبيثة في إثارة شعور الناس إلى الشيء الغريب؛ لأن الناس لو رأوه وخالطوه رأوا عيوبه وفضائحه، لكن عندما يكون مختبئاً محتجباً يتكلم من بعيد يخيل للناس أنه شخص روحاني نوراني، يكسوه الشيطان هالة معينة في أذهان الناس، فيتشوق كل أحد من المريدين ومن الأتباع إلى اليوم الذي يصبح فيه أهلاً لأن يرى حضرة الشيخ ويدخل عليه من غير حجاب ويتمتع بمشاهدة طلعته البهية عندما يكبر ويصل إلى الدرجة العليا عندهم، وهي الحلول والاتحاد، وهذا الطلعة هي من نور الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وهذا هو القصد الخبيث عند هؤلاء الناس.
    فهذه الطائفة الخبيثة خطر على الإسلام، ومندوبها في هذه البلاد المقدسة لا يزال مصراً على دعواه، ونحن نعرفه ونعرف كتبه ونعرف إصراره على الاستمرار على الشرك، وأنه لم يستطع أن ينفي صلته بتلك العصبة الخبيثة، فالنقول التي سأنقلها هي من كتابه، وهي -في الحقيقة- نقول قديمة، لكنه جمعها ليثبت بها هذه العقائد الباطلة التي تثبت أن النهج واحد، وأن هذه الطائفة بعيدة عن دين الإسلام وعن السنة، وإن كتب أصحابها عن ليلة القدر أو عن صيام رمضان أو عن أحكام الشريعة أو عن السيرة النبوية فهذه مظاهر، أما الحقيقة التي يريدونها فهي ما أثبت في الكتاب الذي أسماه صاحبه المختار من كلام الأخيار .
    فهذا الرجل ينقل عن علي بن موفق أحد رجال الصوفية قوله: اللهم إن كنت تعلم أني عبدك خوفاً من نارك فعذبني بها. نعوذ بالله! مع أن كل واحد من المؤمنين يدعو بقوله تعالى: (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ))[البقرة:201]، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فهذا يقول: إن كنت تعلم أني عبدك خوفاً من نارك فعذبني بها، وإن كنت تعلم أني عبدك حباً مني لجنتك فاحرمنيها، وإن كنت تعلم أني أعبدك حباً لك وشوقاً إلى وجهك الكريم فأبحنيه واصنع بي ما شئت! نسأل الله العفو والعافية.
  2. قصة ذي النون المصري

    وبعد ذلك يأتي بقصة عن ذي النون و ذو النون المصري مشهور في كتب التصوف وغيرها، كان يقال له -كما قال الذهبي وغيره- ذو النون الزنديق، وقد قلنا: إن هذه المحبة زنديقية.
    وكل ما كانوا يكتبونه عن ذي النون أنه كان يهيم في الأودية ويتتبع الرهبان، فخرج إلى جبل لبنان حيث الرهبان النصارى يريد أن يسألهم عن معرفة الرب! ثم إلى الصحراء ثم إلى اليمن ، فلقيه شاب يريد مثل ما يريد، أي: يبحث عن المعرفة، فسأله الشاب عن علامة الحب لله سبحانه وتعالى، فقال: إن درجة الحب رفيعة، إن المحبين لله عز وجل شق لهم عن قلوبهم فأبصروا بنور القلوب عز جلال الله تعالى، فعبدوه بمبلغ استطاعتهم حباً له لا طمعاً في جنة ولا خوفاً من نار!
    فكلام ذي النون مثل كلام الهندوس .
  3. مقولة أبي يزيد البسطامي

    أما أبو يزيد البسطامي المشهور الذي يضربون به المثل في العبادة؛ فإنه كان يقول: عرج قلبي إلى السماء، وطاف ورجع، فقلت: بأي شيء جئت معك؟ قال: المحبة والرضا. قال ابن خضروريه : فرأيت رب العزة في منامي -كما يزعم- فقال لي: يا أحمد! كل الناس يطلبون مني، إلا أبا يزيد فإنه يطلبني! وجميع عباد الله الصالحين -ومنهم الأنبياء- يطلبون من الله ويدعون الله، ولا غنى لهم عن فضل الله في أدنى القليل، ويدعون الله أن لا يكلهم إلى أنفسهم أو إلى أحدٍ سواه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك فيقول: ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ).
  4. مقولة إبراهيم بن أدهم

    ويذكر قصة عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: قلت: اللهم إن كنت أعطيت أحداً من المحبين لك ما تسكن به قلوبهم قبل لقائك فأعطني ذلك؛ فقد أضر بي القلق .
    وإبراهيم بن أدهم من خيارهم، ولبيان هذه القصة نقول: هناك طائفة هم صوفية من أصلهم، ولا خير فيهم ولا نسبة لهم إلى الإسلام، كـجابر بن حيان و عبدك وغيرهما، وهناك طائفة خلطت تصوفاً وإسلاماً، فـالصوفية ينسبونهم إليهم وأهل الإسلام ينسبونهم إليهم، وهناك طائفة محضة لم تخلط شيئاً من التصوف، لكن الصوفية ينسبونهم إليهم، ومنهم أبو بكر و عمر و عثمان و علي و سلمان و أبو الدرداء ، فإذا رجعت إلى حلية الأولياء تجد أن صاحب الحلية جعلهم من المتصوفة، وهذا باطل.
    أما إبراهيم بن أدهم فهو قد خلط، والصوفية ينسبون إليه أموراً كثيرة الله أعلم بصحتها، فالمهم أنهم نسبوا إليه أنه قال ذلك، ثم رأى الله في النوم فأوقفه بين يديه وقال: يا إبراهيم! أما استحييت مني أن أعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائي؟! وهل سكن قلب المشتاق إلى غير حبيبه؟! أم هل يستريح المحب إلى غير من اشتاق إليه؟! قال: يا رب! بهت في حبك فما أدري ما أقول! وهذه دعوى المحبة التي لا ضابط لها.
  5. مقولة السري السقطي

    ويقول السري السقطي -وهو أيضاً من أصحاب السقطات التي يعدونها من الكرامات-: رأيت كأني وقفت بين يدي الله. وكل كلامهم مخاطبات مع الله، تعالى الله عما يقولون! يقول: فقال الله: يا سري ! خلقت الخلق فكلهم ادعوا محبتي، فخلقت الدنيا فذهب مني تسعة أعشارهم وبقي العشر، فخلقت الجنة فهرب مني تسعة أعشار العشر وبقي معي عشر العشر، فسلطت عليهم ذرة من البلاء فهرب مني تسعة أعشار عشر العشر، فقلت للباقين: لا الدنيا أردتم، ولا الجنة أخذتم، ولا من النار هربتم، فماذا تريدون؟! قالوا: إنك لتعلم ما نريد. فقلت لهم: فإني مسلط عليكم من البلاء بعدد أنفاسكم ما لا تقوم له الجبال الرواسي، أتصبرون؟! قالوا: إذا كنت أنت المبتلي لنا فافعل ما شئت. فهؤلاء عبادي حقاً!
    وهذا منافٍ لحكمة الله تعالى، فالله ما جعل علينا في الدين من حرج ولله الحمد، وقد أجاب تعالى المؤمنين لما دعوا ربهم فقالوا: (( وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ))[البقرة:286] فقال: قد فعلت. وكذلك بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحاء، وكذلك من قبله من الرسل أصل دينهم سمح ميسر, وإنما جعلت الأغلال والآصار على أقوامهم بذنوب ارتكبوها، كما قال تعالى: ((فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ))[النساء:160] فأصل الدين يسر، أما أنه لا يفوز برضا الله إلا من يسلط عليهم البلاء بعدد أنفاسهم ما لا تقوم له الجبال الرواسي؛ فهذا من التكليف بما لا يطاق، نعم من آمن بالله واليوم الآخر، ودافع عن دين وجاهد في سبيل الله لا يريد بذلك إلا وجه الله فإنه يلاقي من الشدة والبلاء كثيراً، ولكنه مع ذلك أيضاً يلقى من النعيم والطمأنينة ومن السعادة ومن الراحة الشيء العظيم، فليس هناك بلاءً محضاً، ثم إنهم يدعون الله أن يبلغهم جنته على هذا البلاء ويعيذهم من ناره، لا كما يزعم هؤلاء.
    ويذكر عن عبد الأعلى أنه قال: رأيت أبا عبيدة الخواص على سوأته خرقة وعلى رقبته خرقة. وهل كان هذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة؟! لقد قال تعالى: (( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ))[الأعراف:31]، فهذا جعل نفسه من العراة، والحكماء العراة هم أيضاً من الهنود القدماء، واسمهم كذلك إلى اليوم، أي: الحكماء أو الفلاسفة العراة، يمشون عراة في الغابات ويتدينون بذلك، يقول الواحد منهم: واشوقاه لمن يراني ولا أراه! فهل هذه هي المحبة الحقيقية والعبادة الحقيقية التي يريدها الله تبارك وتعالى؟!
    وهؤلاء -كما يزعم- هم تيجان العباد، ولكننا نعلم أن تيجان العباد هم الذين أحبوا الله حق المحبة، هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، ولم يفعلوا هذه الأفاعيل أبداً.
  6. قصة عباس المجنون

    يقول: إن ابن المبارك قال: صعدت إلى جبل لبنان فإذا رجل قد اتزر بالخشوع، فلما رآني توارى بشجرة، فناشدته فظهر فقلت: إنكم تصبرون على الوحدة، يعني: كيف تعيشون في وحدة في هذه الجبال؟ قال: فأنشأ يقول:
    يا حبيب القلوب مالي سواك            ارحم اليوم مذنباً قـد أتاكا
    أنت سؤلي ومنيتي ومرادي             قد أبى القلب أن يحب سواكا
    ليس سؤلي من الجنان نعيم            غير أني أريـدها لأراكا
    يخاطب الله بأنه لا يريد من الجنة إلا أن يراه فقط، وهو هائم في هذه الصحراء، وما هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة، وإنما جاهدوا في الله حق جهاده وهم بين ظهراني الناس، ودعوا إلى الله، وسألوا الله الجنة واستعاذوا به من النار.
    قال: ثم غاب عني فتعاهدت ذلك الوضع سنة لأقع عليه فلم أره، فلقيني غلام أبي سليمان الداراني -عابد الشام المشهور- فسألته عنه فبكى وقال: واشوقاه إلى نظرة أخرى منه، ذلك عباس المجنون ! يأكل في كل شهر مرتين من ثمار الشجر ونبات الأرض!
    فهل هكذا عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! يقول: ويتعبد هكذا منذ ستين سنة، وهو على هذه الحالة هذه المدة.
    عباد النصارى ورهبانهم وعباد الهندوس يفعلون مثل هذا وأكثر منه، فـ العبرة ليست بالاجتهاد في العبادة، وإنما العبرة بالاتباع للسنة، لحديث: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).