يقول: (وعن
براهم : إن الله هو الذي لا أول له ولا آخر، لم يتولد عن شيء، ولم يولد شيئاً، إلا ما لا يمكن أن يقال: إنه هو، ولا يمكن أن يقال: إنه غيره)، وهذا شيء من الحق خلط بشيء من الباطل. يقول: (وأنى يكون لي طاقة بذكر من الخير المحض في رضائه، والشر المحض في سخطه، وهل يمكن إدراك معرفته حتى يعبد حق عبادته؟! إلا بالاشتغال به عن الدنيا بالكلية، وإدامة الفكرة فيه). فجعل العبرة ليست في أن نعبده، ولكن أن نشغل أذهاننا فيه، وهكذا
الصوفية يتركون العبادة بدعوى الاشتغال به تعالى، وهذا يوضح كثرة التشابه بين الفريقين. ثم يقول
البيروني: (إنما ذهبوا في الخلاص) الذي هو دين
النصارى اليوم (إلى الاتحاد؛ لأن الله مستغن عن تأميل مكافأة أو خشية مناوأة، بريء -في نظرهم- عن الأفكار؛ لتعاليه عن الأضداد المكروهة والأنداد المحبوبة)، فانظروا إلى الضلال! وهذا الذي أخذه
أفلاطون ، يقولون بعبادة أوضح كما وضحها
أفلاطون : إن الله -سبحانه وتعالى- كامل، والعالم ناقص، والكامل لا يشتغل بالناقص، ولا يفكر فيه ولا يبالي به، فلهذا خلق الخلق وتركه!!إذاً: كيف يدار الكون؟ ومن يدبر الأمر؟ ومن يصرفه؟ قالوا: خلق العقول العشرة، وكل عقل منها خلق الذي بعده إلى العاشر، وبعد هذا خلق النفس الكلية، والنفس الكلية فاضت على العالم… إلخ. يقول
الحسن البصري رحمه الله: [
ولا أن لهذا الكون رباً يحادثه] ي: لولا أن للكون رباً يغير الليل والنهار، ويسوق السحاب ويدبر الأمر [
قال القائلون: لو أن لهذا العالم رباً يحادثه، فلو كان كل شيء لا يتحرك مطلقاً لقال الظالمون والمفترون: أين الرب؟ والله يدبر الأمر، وهو كل يوم في شأن]فـ
القائلون بأن الله تعالى خلق الخلق وتركه هم الضلال الذين سماهم الله المضلين، يقولون الكذب ويقولون على الله بغير علم، ولذلك قال الله تعالى: ((
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ))[الكهف:51]. فهؤلاء المضلون يقولون: هو كامل، وليس بحاجة إلى أن يكافئ أحداً أو أن يعذب أحداً! والحق أنه كذلك، لكن حكمته اقتضت ذلك، أما كونه غنياً عن العالمين وكاملاً وغير محتاج إلى أحد؛ فهذه حقيقة واضحة عندنا نحن المسلمين، ولكنه مع غناه حكم عدل، فلا بد من أن يجازي المحسن بالإحسان والمسيء بما عمل، أما هم فيقولون: إذا كان غنياً عن ذلك فالقصد الثواب وليس العقاب، وإنما يطلب ويعبد لذاته، والمتخلص الكامل يتمثل بالله في ذلك، أي: يعبد فلا يرجو منه شيئاً؛ لأن الله غني عن العالمين، فكذلك المتخلق بأخلاقه يعبده ولا يرجو ولا يطمع! فهذه هي الشبهة الخبيثة التي دخلت عليهم في هذا الباب، وقال من قال من الناس: إنها من الإسلام. وهنا قصة عجيبة تدل على ضلال
الصوفية، وعلى أن هذا المزلق هو الذي أدى بهم إلى إفساد دين المسلمين بعبادة القبور وبناء القباب والأضرحة ودعاء غير الله وعبادة الأصنام والتماثيل تحت ستار معرفة الله، يظنون أنهم أولياء لله وهم الذين أفسدوا دين الإسلام بهذا الشرك.