وقد رد هؤلاء على الموجبين فقالوا: أما قياسكم المفرط على المعذور فهذا عجيب، حيث استدل أولئك بقوله صلى الله عليه وسلم: (
من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) قالوا: أتيتم إلى رجل ترك الصلاة عامداً متعمداً مفرطاً مجاهراً فقلتم له: صلها الآن كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النائم أو الناسي أن يصليها خارج وقتها الأول، وهذا قياس فاسد غير معتبر، ولذا قال
ابن القيم رحمه الله تعالى: (فهذه الحجة إلى أن تكون عليكم أقرب منها أن تكون لكم)؛ وذلك لأن الشارع إنما شرط في فعلها بعد الوقت أن يكون الترك لأحد هذين العذرين،
فالمعلق على الشرط يعدم عند عدمه، وأنتم جئتم إلى من لا يتوافر فيه هذا الشرط فأبحتم له القضاء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (
ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط في اليقظة، أن تُؤخَر صلاة حتى يدخل وقت أخرى ) فما نص الشارع على أنه لا تفريط فيه، قستم عليه ما هو ثبت عند الجميع أنه تفريط من صاحبه وثبت أنه تفريط بنص الشارع، وأي قياس في الدنيا أفسد من هذا؟! وقالوا أيضاً: إن المعذور لم يؤخر الصلاة عن وقتها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (فليصلها إذا ذكرها، فإنه وقتها)، فوقت الصلاة بالنسبة إلى النائم إذا قام، ووقت الصلاة بالنسبة إلى الناسي إذا ذكرها، فهذا المعذور أداها في وقتها، فكيف تقيسون عليه من أضاعها عامداً حتى خرج وقتها؟! فالنبي صلى الله عليه وسلم لما نام هو وصحابته الكرام في الوادي فلم يوقظهم إلا حر الشمس؛ صلوا الفجر بعد طلوع الشمس، وهذا وقتها بالنسبة له ولأصحابه، ولا نقول: إنه صلاها بعد خروج وقتها. نعم ذلك هو وقتها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ومن ناموا معه معذورون، فوقتها هو الذي أدوها فيه. ومن الناحية التأصيلية قالوا: إن الأوقات ثلاثة: وقت للقادر المستيقظ الذاكر غير المعذور، وهو خمسة على عدد الصلوات، ووقت للذاكر المستيقظ المعذور، وهو ثلاثة؛ فوقت الظهر والعصر في حقه واحد، ووقت المغرب والعشاء واحد، ووقت الفجر واحد، فالمسافر إذا صلى الظهر في وقت العصر فإنه صلاها في وقتها، وإذا أدى المغرب في وقت العشاء فإنه أداها في وقتها، فهؤلاء كلهم ما خرجوا عن كونهم أدوها في وقتها. والوقت الثالث المشروع في حق غير المكلف، وهو النائم أو الناسي، ومثلهما المغمى عليه وما أشبه ذلك، فهذا وقته غير محدد ألبتة، إنما الوقت في حقه هو وقت زوال العذر، كأن يفيق أو يستيقظ، فلو أغمي على رجل قبل صلاة الفجر ولم يفق إلا بعد صلاة العشاء؛ فإنه يصلي كل الصلوات، ووقتها في حقه هو ذلك الوقت، فلا شيء عليه، وهذا هو المطلوب منه شرعاً، وهذا الذي دلت عليه قواعد الشرع. قالوا: وقد شرع الله تعالى قضاء رمضان لمن أفطر لعذر ولم يشرعه قط لمن أفطره متعمداً لغير عذر، والحديث الذي تقدم أحد الأدلة، وقلنا: إنه ضعيف، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أن أحداً من أصحابه أوجب على أحد ترك الصلاة عمداً أن يقضيها، أو ترك الصيام عمداً أن يصومه، وهذا من أعظم الأدلة، أي: عدم ورود شيء من ذلك مع وقوع هذه الحالات في زمن الوحي وزمن النبوة.