المادة كاملة    
لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه أروع الأمثلة وأجملها، وأعظم الصور وأكملها في التواضع، وإعطاء الناس حقوقهم، والمساواة بين المسلمين؛ بل وإعطاء أهل الذمة من أهل الكتاب حقوقهم كاملة، فعاشوا في ظل الدولة الإسلامية رافعي رءوسهم، آمنين على أموالهم، مطمئنين على أعراضهم. بينما لو نظرنا إلى الغرب وما يدعونه من مساواة وعدل؛ فإنا نجد الدعاوى العريضة التي لا يشهد لها الواقع، بل إن فضائحهم لا يغطيها ذيل، ولا يسدها ليل.
  1. الفضل والكرامة في اتباع الشرع الحنيف

     المرفق    
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:
    قال الإمام الطحاوي رحمه الله: [وأكرمهم عند الله أطوعهم، وأتبعهم للقرآن].‏
    1. أفضل المؤمنين عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن

      قال الشارح رحمه الله: [أراد أكرم المؤمنين هو الأطوع لله، والأتبع للقرآن، وهو الأتقى، والأتقى هو الأكرم، قال تعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم ، وآدم من تراب ) ].
      ذكر الشارح رحمه الله أن عود الضمير في قوله: (وأكرمهم) إلى المؤمنين؛ لأن الإمام الطحاوي قال في الفقرة السابقة: (والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم) أي: وأكرم المؤمنين عند الله: أطوعهم لله، فالمؤمنون يتفاوتون في الدرجات كما تقدم، ويتفاوتون في الولاية، ويتفاوتون في الإيمان، وكذلك يتفاوتون في المثوبة والكرامة عند الله، والمعيار في ذلك هو: التقوى، واتباع القرآن؛ كتاب الله عز وجل، فالأتقى هو الأكرم عند الله عز وجل.
      ولهذا يقول الشارح: أي: (أكرم المؤمنون هو الأطوع لله، والأتبع للقرآن، وهو الأتقى) فهو يريد أن يجمع بين كلام الشيخ وبين الآية، وأنه لا تعارض ولا تنافي بينها؛ لأن التقوى هي طاعة الله، واتباع كتاب الله؛ لذلك قال: والأتقى هو الأكرم، ثم ذكر قول تعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]، ثم أعقبها بذكر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب).
    2. ميزان التفاضل بين الناس

      وعند هذا الموضوع وقفات لا بد منها، أولاً: ينبغي علينا أن نعلم أن علماءنا عندما كانوا يكتبون ويتحدثون به، ويقررونه رضي الله تعالى عنهم؛ كانوا يتكلمون به على أنه أمر لا يحتاج إلى إيضاح أو شرح، فالناس إنما يتفاضلون بالتقوى، والله تبارك وتعالى أنزل هذا الدين وجعله رحمة للعالمين، وساوى به عز وجل بين الخلق، ولم يجعل بينهم مجالاً للتفاضل إلا بهذا، فهذه بدهيات، لكن في عصرنا الحاضر استجدت أمور تستدعي أن يتحدث عنها، وأن يفصل القول فيها، وأن يبين فضل هذا الدين الحنيف على عموم الإنسانية.
      فكثير من الناس؛ وحتى من أبناء المسلمين الآن لا يدركون هذه الحقيقة، ويظنون أن الحرية، والإخاء، والمساواة، وحقوق الإنسان إنما جاءتنا من الغرب، فهذا نرى أن من المهم أن نبدأ بإيضاحه، ونبين نعمة الله تبارك وتعالى على الخلق أجمعين بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم؛ الذي قال فيه ربه تبارك وتعالى: (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ))[الأنبياء:107].
    3. حال العرب قبل الإسلام من حيث التناحر والتعصب والتفاخر

      ولنأخذ أمثلة من واقع الأمم قبل أن تعرف هذا الدين، أو قبل أن تقتبس من هذا الدين ما تظن أنها سبقت إليه غيرها من الأمم، فكيف كان حال هذه الأمم؟ أما العرب فقد كان التطاحن والتناحر والحرب الضروس تدور بين القبائل؛ من أجل هذا الفخر الكاذب، وأكثر ما تجدون في دواوين الشعر العربي في الجاهلية، ثم عاد بعضهم إليها في الإسلام؛ هو موضوع الفخر، وهو فخر كاذب، ومعه المدح، بل إن كثيراً من الشعراء لو أحصيت ديوان أحدهم لوجدت أن أكثر من الثلثين مدح وفخر؛ فخر بالقبيلة، وبأعماله، ومدح من يظن أنه أهل لهذا المدح، وأكثره أو كله كذب لا حقيقة له، وما من قبيلة -مهما كانت قليلة العدد، أو وضيعة، أو مغلوبة في معاركها- إلا وتجد من الشعراء من يطيل في المدح لها، والثناء عليها من أبنائها، أو من غيرهم، ويصفها بأنها أغنى الناس، وأكثر الناس، وأقوى الناس، وأشجع الناس، وأكرم الناس.. إلى غير ذلك مما يعلم كل من يراه أنه كذب، أو أقرب إلى الكذب. فهذا هو ما ألفه العرب، وما اعتادوا عليه، ولا يعني ذلك أنه ليس لهم فضائل، وأنه ليس لبعض القبائل مزية على الأخرى؛ لا، وحتى في واقعنا الحالي نجد أن بعض الشعوب خير من بعض، وليس هذا هو المقصود، لكن الفخر، والتعالي، والغطرسة التي تؤدي إلى الاستكبار، والانتكاس الكاذب الذي لا حقيقة له؛ هذه هي التي تنكر. فكان العرب يتفاخرون بما لا حقيقة له، ومن أعظم الأمور التي هدمها الإسلام، وأبطلها النبي صلى الله عليه وسلم هذا التفاخر، وهذا الكبر، فأكثر ما عالج النبي صلى الله عليه وسلم من أمراض القلوب: مرض الكبر، فقد عالجه صلى الله عليه وسلم بحياته العملية المتواضعة؛ التي ضرب بها أروع الأمثلة في التواضع، وعالجها بأوامره القولية، وعالجها بدعوته وبيانه للناس في مجامع عظيمة، ومشاهد كثيرة؛ ليقرر صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة العظيمة، حتى أصبح الناس فعلاً يقرون بهذا كما تعلمون، وهناك أمثلة على ذلك تدل قلب هذه الموازين التي كانت في الجاهلية.
    4. وجود الفخر والرياء الكاذب عند العرب وعدم وجود الطبقية كما هي عند غيرهم

      فالمقصود: أن هذا الكبر كان شيمة العرب، وكانت هناك مشاحنات، بل ربما دارت حروب طاحنة من أجل فخر ورياء كاذب يدعيه هذا على هذا، والأمثلة في ذلك كثيرة جداً، وأفاض فيها من كتب في هذا من الأدباء، أو من الشعراء، أو من تتبع الحالة الاجتماعية عند العرب، فلم تكن عند العرب طبقية، وهذه مزية لهم، فلم تكن عندهم طبقية من النوع الذي كان موجوداً عند الهنود، أو عند الفرس، أو الروم، ولكن كان لديهم هذا الفخر الجاهلي، واحتقار العبيد أو الموالي، وكان هذا ظاهراً جداً لديهم، حتى إن كبار قريش كانوا مما يأخذونه على الرسالة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم: أن الذين اتبعوه صلى الله عليه وسلم هم العبيد أو الضعفاء، مع أن هذه سنة الله تبارك وتعالى، فقد قالها قوم نوح من قبل لنوح: (( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ))[هود:27]، وقررها هرقل في مقابلته مع أبي سفيان ، فهذه سنة الأنبياء: أن أول من يتبعهم هم ضعفاء الناس.
      فكان كبار قريش خصوصاً وغيرهم من العرب يحتقرون العبيد أو الموالي، فكأن العرب طبقة، ومن عداهم من الموالي طبقة، وإن لم تكن بالشكل الطبقي الذي كان موجوداً عند غيرهم من الأمم، وهذه كلها أذهبها وأبطلها الله تبارك وتعالى بهذا الدين، ولو لم يكن من ذلك إلا كلمة عمر رضي الله تعالى عنه في أبي بكر رضي الله تعالى عنهما عندما وصف بلالاً ؛ فقال عمر رضي الله تعالى عنه: [أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا] وهذه الكلمة لا يمكن أن يقولها أحد من بني عدي، وهي قبيلة أو فخذ عمر رضي الله تعالى عنه، ولا أحد من قريش لولا الإسلام، فمحال أن يقول أحد من قريش: إن بلالاً -العبد الحبشي- هو سيدنا.
    5. ضرب عمر لأروع الأمثلة في التواضع والعزة عند دخوله بيت المقدس

      وأعظم من ذلك: ما حققه عمر رضي الله تعالى عنه واقعاً؛ حتى يعلم الناس هذه الحقيقة وهو يريهم إياها بنفسه، فعندما ذهب إلى بيت المقدس كان في حالة من البذاذة والرثاثة في مظهره، وعليه علامات الزهد، فأخذ هذا عليه -رضي الله تعالى عنه- وقيل له: يا أمير المؤمنين! لو تجملت وتنعمت؛ ليكون ذلك هيبة وعزاً لك، فقال: [نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره، أذلنا الله].
    6. ضرب عمر أروع الأمثلة في نبذ التعصب والتفاخر

      وضرب مثالاً آخر مع بلال رضي الله تعالى عنه؛ وذلك عندما جاء أهل حمص يشتكون من خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أشياء، فأرسل عمر بلالاً ، فالرسول هنا هو هذا الإنسان الذي كان في الجاهلية عبداً ومولى، فأرسله عمر إلى خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي الذي كان في ذؤابة قريش وعليائها، فلو كانت المسألة بالعرف، أو بالاعتبار الجاهلي؛ لما جاز لـبلال أن يطيل النظر إليه، ولا أن يرسل إليه، فيأمره أن يحاسبه على الغنائم، وخالد هو الفاتح العظيم، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم: سيف الله، ومن كان كذلك فليفعل ما يشاء -على عرف الجاهلية-، وليأخذ من الأموال ما يريد، لا، فهذه الأمور ليست في الإسلام، فمهما كان فلا بد أن يكون ملتزماً بأوامر الله.
      فعندما قيل: إنه استأثر بشيء من الغنائم؛ أتى إليه بلال وقيده، ولو علم الروم والفرس أنه قيد لما صدق أحد منهم ذلك على الإطلاق؛ كيف يقيد هذا الذي غلبنا وهزمنا، ويقيده عبد حبشي!
      وهذا يذكرنا بما حصل مع سعد بن أبي وقاص أيضاً، وهو قائد القادسية ، فقد أمر عمر بهدم قصره الذي بناه، مع أن إضاعة المال شيء محرم قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه فعل ذلك حتى يثبت هذا المعنى في نفوس الناس.
      فذهب بلال وحاسبه على الشاة والبعير والمال: شاة شاة، وبعيراً بعيراً، وديناراً ديناراً، ودرهماً درهماً، حتى ثبتت براءته، ثم أطلقه ورجع إلى عمر رضي الله تعالى عنه.
      فهكذا أثبت المسلمون هذه الحقيقة العظيمة: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]، و بلال رضي الله عنه من السابقين الأولين؛ فهو خير وأفضل من خالد رضي الله تعالى عنه، مع أنه الذي فتح للإسلام ما فتح، فقد تأخر إسلامه إلى قبل الفتح، فكان هذا أحد الأمثلة التي ضربها المسلمون، والتي أصبحت تقرر أموراً وحقائق بدهية تتعجبون منها لو ذكرت.
      وهذه المواقف لم يكن علماء المسلمين يتكلمون عنها، ويفتخرون بها؛ لأنها لم تكن ترد على أذهانهم إلا على أنها بدهيات كالماء والهواء؛ مثل حق الهجرة أو التنقل من مكان إلى مكان، وفي أوروبا إلى الآن، وكذلك الهند ، و الصين ومناطق أخرى لا يستطيع الإنسان أن ينال حق التنقل، أي: لا يستطيع أن ينتقل من بلد إلى بلد ما يستطيع، وهذا الأمر كان عند المسلمين شيئاً معروفاً لا يتكلم فيه أحد بأي حال من الأحوال، فالإنسان له أن يهاجر إلى أي بلد، وينتقل حيث شاء ولا يسأله أحد، وهذه كانت بدهية من بدهيات التاريخ الإسلامي، وفيه غير ذلك من الحقوق.
    7. رحمة الله تعالى بهذا الدين لغير المسلمين

      بل إن هذا الدين العظيم الذي رحم الله تعالى به العالمين؛ شملت رحمته غير المسلمين، فإذا قيل: إن بلالاً قد آمن و أسلم؛ فلنقل: إن هذا الدين قد أعطى لأهل الذمة كثيراً من الحقوق، وعلم أهل الذمة -الذين ما عرفوا إلا العبودية- معنى الإنسانية، ولنأخذ مثالاً على ذلك: بعيشة الأقباط تحت حكم الإمبراطورية الرومانية ، فالروم كانت الطبقة العليا منهم هم الأوروبيون الملاك البيض، فهذه فئة معينة، ومن عداهم كانوا عبيداً، ومن هؤلاء العبيد يتكون الجنود، فكان على كل سيد أن ينتدب عدداً معيناً من العبيد ليكون جندياً في الإمبراطورية، وهؤلاء العبيد يفتحون البلاد فيستعبدون أهلها، فيكون الأقباط، ويكون النصارى الذين هم في بلاد الشام عبيداً للعبيد، فهذه هي قيمتهم عند الدولة الرومانية.
      وقد حرر الإسلام هذه العقول، فعندما دخل عمرو بن العاص إلى مصر وحدثت بين أحد أبنائه وبين أحد الأقباط مشكلة؛ فقال ابنه: أنا ابن الأكرمين، فالأقباط الذين ذاقوا مرارة العبودية القرون الطويلة تعلموا في سنوات أن يشكوا من هذه الكلمة، وتعلموا أن يركبوا الإبل ويضربوا أكبادها من مصر إلى المدينة ؛ ليشتكوا من هذه الكلمة، فالإسلام غير القلوب والمشاعر والمفاهيم كلها، فأتوا إلى عمر رضي الله تعالى عنه وحكوا له ما حدث، فلم يقل عمر رضي الله عنه: إن عمرو بن العاص هو الذي فتح البلاد، وهزم الروم في أجنادين وفي غيرها، ولم يقل: نحن الذين دعوناكم إلى الإسلام، ونحن الذين أعتقناكم من رق العبودية الرومانية! أبداً، وإنما أمر بالقصاص، وجعل يقول لابن عمرو بن العاص: [خذها وأنت ابن الأكرمين].
      فالإسلام علم هؤلاء، فمن أسلم منهم فإنه ينال كل الخير، ومن لم يسلم منهم فإنه يعيش في كرامة، وفي منعة، محفوظ العرض والمال، ولا يمكن أن ينال أو يؤخذ إلا بحكم شرعي، وبموجب الشروط التي جعلها الله تبارك وتعالى في كتابه في آية الجزية، ثم فصلها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض ما كتب لوفد نجران وغيره، ثم جاء عمر رضي الله تعالى عنه ففصل تفصيلاً أكثر في عهده الذي كتبه لأهل بيت المقدس ، والذي يعرف في التاريخ باسم: الشروط العمرية.
      فمن مقتضى هذه الشروط يعاملون، ولا حيف ولا جور عليهم على الإطلاق، ولا يستطيع أحد أن يمنعهم من إقامة شيء مما سمح لهم أن يقيموه من شعائر دينهم بالشروط المعينة، ولا يستطيع أحد من المسلمين أن يجور عليهم، أو يحيف، أو يعتدي على مال لهم، أو على عرض في أي حال من الأحوال؛ ولذلك بقي النصارى في العراق ، وبقوا في الشام ، وبقوا في مصر ، وبقوا في الأندلس ، وكذلك بقي اليهود إلا في جزيرة العرب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يجتمع فيها دينان )، فأخرجوا.
      فكانوا أهل نجران أكثر طائفة في جزيرة العرب من النصارى ، وقد أسلم أكثرهم، ومن بقي منهم ولم يسلم أخرج وأجلي إلى بلاد الشام ، وهذا من حكم الله.
      فالمهم أنه لم يخالف فيهم حكم الله عز وجل، بل أقيم فيهم كما أمر الله، وكما أنزل الله، لا كما يريد الفاتحون، ولا كما يريد عمر رضي الله تعالى عنه، أو خالد ، أو سعد ، أو عمرو بن العاص ، وإنما كما شرع الله عز وجل، فالحكم الذي يطبق عليهم هو الحكم الذي يطبق على أي مسلم، وهو حكم الله عز وجل، ولم يضعه برلمان، ولا هيئة تشريعية من غيرهم فتظلمهم؛ لأنهم ليس لهم من يمثلهم فيها، ولم يضعه هوى حاكم من الحكام كما كان يفعل حكام أوروبا ، وإنما هو شرع الله، ودين الله رب العالمين، فما أعطاهم الله تعالى من الحقوق أخذوه.
    8. بطش النصارى وحقدهم إذا تمكنوا

      وفي المقابل نجد أن النصارى إذا احتلوا بلداً من بلاد العالم الإسلامي فإنهم يبيدون المسلمين، ويستأصلونهم، وهذه الأندلس أكبر مثال على ذلك، ولو قيل لك الآن: ائتني برجل واحد من أهل أسبانيا من المسلمين الأصليين لما استطعت، وقد كان المسلمون هم كل السكان، وبقوا فيها ثمانمائة سنة، فلا تستطيع أن تأتي بأسباني واحد من هؤلاء بقي على دينه الإسلام متسلسلاً إلى أولئك أبداً، ومن أسلم هذه الأيام من الأسبان فقد أسلم حديثاً، وربما يكون أجداده من النصارى ، وأما المسلمون الأصليون فقد أبيدوا إبادة كاملة، وقطعتهم محاكم التفتيش إرباً إرباً، وحرقتهم تحريقاً؛ حتى لا يبقى مسلم على الإطلاق.
      وأما نحن فإلى الآن نجد الأقباط في مصر ، و النصارى في بلاد الشام وغيرها، فلا يزالون إلى الآن، مع أن شرهم عظيم، وهذه مسألة عظيمة، فقد خرجوا عن الشروط والعهود، وخانوا الله والرسول والمؤمنين، وطعنوا في ديننا، وارتكبوا كل ما من شأنه نقض العهد؛ ومع ذلك فهم موجودون، هذا فرق عظيم جداً بين هذا الدين الذي أعلن حقيقة: المساواة والكرامة الإنسانية، وضمنها وكفلها، وبين ما سنذكر من حال تلك الأمم، فهذا بالنسبة لتعليم الإسلام هذه الأمم الحرية الحقيقية، والكرامة الإنسانية ورفعة لها.
    9. الطبقية المقيتة في الهند

      وأما الأمم الأخرى فلو تأملناها لوجدنا العجب، فلنأخذ مثلاً الهند ، فـالهند فيها -وإلى يومنا هذا- الطبقية البغيضة المقيتة التي تهدر كرامة الإنسان ولا تعطيه أي اعتبار، وتفاضل بين الناس بميزان لم يشرعه الله، ولم يأذن به، ولا يقبله العقل السليم ولا الفطرة، فـالبراهمة أربع طبقات، وهذه الطبقات بينها بون شاسع وكبير، فأعلاها طبقة البراهمة الذين يزعمون أنهم خلقوا من ذات أو من رأس الرب، تعالى الله عما يصفون، وهم يتكلمون عن ربهم هم، وهذه الطبقة هم قلة من المترفين المنعمين الذين يعيشون من عرق وكدح بقية الفئات التي تخدمهم، وعملهم قراءة الكتاب المقدس فقط، وشرحه وتفسيره، والتحكم في الناس باسم الدين، فهم قريب ممن ذكر الله تبارك وتعالى من أهل الكتاب فقال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ))[التوبة:34]، فهؤلاء مثلهم، بل هم في صورة أشنع وأشد من حال الرهبان والأحبار، فهم يتحكمون في الناس باسم الدين.
      والطبقة الثانية والثالثة: هم أهل المهن، وطبقة الجيش، وأما الطبقة الدنيا التي يقولون عنها: إنها خلقت من قدمي الرب فقط، وهذه الطبقة هم الأكثرية الساحقة، وهؤلاء ليس لهم أدنى قيمة، ولا كرامة إنسانية على الإطلاق، ولو أن أحدهم طمع بأن يمس أحد أفراد الطبقة العليا بيده، أو يأخذ منه شيئاً من أدواته الخاصة، أو يرفض طاعته إذا أمره بأي أمر؛ لكان من حق ذلك أن يقتله فوراً كما تقتل أي دابة من الدواب الحقيرة التي يملكها هذا الإنسان، فليس له أي كرامة، ولا يستطيع أحد من هذه الطبقة أن يعدل وضعه، ولا أن يترقى ليصير من طبقة البراهمة ، فهذا مستحيل ومحال، فيظل على هذا الوضع الاجتماعي المنحط الهابط المتدني هو وأبناؤه، وأحفاده إلى قيام الساعة، ولا ينقذه من ذلك إلا الإسلام.
      ولهذا فإن أكثر من يسلمون هم من أبناء هذه الطبقة، ولو كنا ندعو إلى الله حقاً في الهند وغيرها لأمكن أن يدخل هؤلاء كلهم في الإسلام؛ عندما يرون عدله وسماحته، وعندما كان المغول يحكمون الهند وهم مسلمون؛ تنفس أولئك الصعداء؛ لأنهم وجدوا فيه العدالة، ووجدوا الحرية، ووجدوا الحياة التي جعلتهم يعيشون على دينهم، ولا يكرهون على اعتناق الإسلام، فوجدوا أنهم ينتقلون إلى وضع خير وأفضل بكثير من حكم الهندوس ، ولم يقض على حكم المغول إلا الإنجليز عندما جاءوا واحتلوا الهند ، وأعلن الإنجليز أيضاً محاربة الطبقية، فالمقصود: أن هذا هو الوضع الذي كان -ولا يزال- في أرض الهند بملايينها العظيمة الهائلة.
    10. الطبقية المقيتة في أوروبا وانحطاطها

      ولو انتقلنا إلى أوروبا فالأمر أعجب وأقرب؛ لأنها هي التي تدعي الآن أنها علمت الناس الحرية، وعلمتهم العدالة، وعلمتهم المساواة، وعلمتهم الأخلاق، فما هي هذه الحرية؟ وما هي هذه العدالة؟ وما هي هذه المساواة؟ وكيف عرفوها فضلاً عن أن يكونوا قد عرفوها لغيرهم؟ وكيف كانت أوروبا تعيش؟
      لقد كانت أوروبا حتى بالنسبة لأهل الصين ، ولأهل الهند ؛ فضلاً عن الفرس أو العرب؛ وخاصة المناطق الوسطى منها والشمالية؛ كانت أحط بلاد العالم في التاريخ كله، فالهنود كان لديهم الحكماء، ولديهم العقلاء، ولديهم الحضارة، ولديهم الكتب، ولديهم التآليف والتعليم، وكذلك كان الأمر عند الفرس، وكذلك كان نوعاً ما بعض الروم الذين كانوا قريبين من الشرق، أي: الدولة البيزنطية الشرقية، التي كانت في تركيا ، وبلاد الشام .
      وليس هناك مكان في العالم تغيرت خريطته مثل أوروبا ، فـأوروبا لها في كل خمسين سنة أو أقل خريطة جديدة، فهي خريطة متغيرة تماماً، فكل دولة فيها تكبر وتصغر؛ للحروب، فـألمانيا تغيرت خريطتها، فالألمان والفرنسيون كانوا يسمون بلادهم بلاد الغال، وبلاد الشمال تسمى الشعوب الشمالية والإسكندنافية، وقد كانت أمماً منحطة تمام الانحطاط، فلا تعرف العلم، ولا تهتدي بهدى، وأكثر ما تحسنت أوضاعهم عندما دخلتهم النصرانية في حوالي عام أربعمائة تقريباً، وكما تعلمون أن مجمع نيقيا هو الذي كان على أثره دخول قسطنطين ، ثم بعد ذلك بأقل من مائة سنة في أوائل القرن الخامس الميلادي دخلوا روما ، فبعد دخول النصرانية دخلت فيها هذه الشعوب، فنقلتهم النصرانية -على ما فيها من تحريف، وعلى ما فيها من ضلال وخرافة- إلى حالة أفضل، وهي بالنسبة إلى الحالة التي يريدها الله عز وجل، وإلى ما في الإسلام فإنها لا تكاد تكون شيئاً مذكوراً.
    11. انتشار الجهل في أوروبا في العصور القديمة بصورة قبيحة

      فهذه الشعوب كانت تعيش حالة من الهمجية، ومن الانحطاط، ومن الظلام، ولو أن أحداً جابها كلها وقطعها كلها لا يجد فيها من يقرأ، أو يكتب إلا عندما جاءت النصرانية ، فكان الذين يقرءون هم قلة قليلة فقط من القساوسة الذين احتكروا كتابة الإنجيل ، وتعليم الإنجيل باللغات القديمة من السريانية أو اليونانية، فلم يكن الأوروبيون يقرءون الإنجيل بلغاتهم؛ ولذلك تجد العجب عندما يذكرون الحركة الإصلاحية، فقد استطاع مارتل لوثر بحركته الإصلاحية العظيمة؛ التي يعتبرونها فجر العصر الحديث، ومطلع النور، وعصر التنوير إلى آخر ذلك؛ استطاع لوثر أن يترجم الإنجيل إلى اللغة الألمانية، ثم بعد ذلك بفترة تجرأ الإنجليز وتشجعوا وترجموا الإنجيل إلى اللغة الإنجليزية، فهذا يعتبر عند الغربيين شيئاً هائلاً، وخطوة عظيمة جداً؛ لأن الإنجيل لا يقرؤه إلا القساوسة، وباللغة القديمة من السريانية، أو اليونانية كما ذكرنا ، وغيرهم يحتكر قراءته وتعليمه وتفسيره، وأما غيرهم فلا يمكن أن يتعلم أي شيء أصلاً، ولا يقرأ، ولا يكتب، وأي إنسان يريد أن يعمل أي عمل فلا بد أن يكون عن طريق رجال الدين، ورجال الدين يحتكرون العلم، ويحتكرون الدين والدنيا معاً، فهكذا كان حال أوروبا .
    12. الهمجية والانحطاط في أوروبا قديماً

      وبدأت تحس بشيء من معرفة الحياة عندما جاءت الحملات الصليبية، فعندما قامت الحملات الصليبية وتداعت لها أوروبا الهمجية كلها، وجمعوا هؤلاء الهمج الرعاع من كل أطراف أوروبا ، وجاءوا إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية، ومنها عبروا إلى الشرق إلى بلاد الشام ، وإلى أرض الوعد، فعندما جاءت الحملات الصليبية الأولى تقطعت، وكثير منها لم يصل؛ لأنهم كانوا مجموعة من الهمج المنحطين، فعندما نزلوا على الإمبراطورية الشرقية التي كانت في تركيا قبل أن يسكنها الأتراك؛ قتلهم هناك أصحابهم من أبناء جلدتهم ودينهم، فقد كانت حالة من الهمجية عجيبة جداً.
    13. أخذ الأوروبيين للنور والعلم عن المسلمين

      ثم بعد ذلك جاءت الحملات حتى وصلت إلى بلاد الشام ، فذهلوا عندما رأوا المسلمين كيف يعيشون، فقد دخلوا مدينة صغيرة لا تعد من المدن الإسلامية الكبرى، وهي: معرة النعمان ، معرة النعمان هذه هي التي ينسب إليها أبو العلاء المعري ، وليست من المدن الكبرى مثل: دمشق أو حلب أو ما أشبه ذلك، فعندما دخلها الصليبيون ذهلوا عندما وجدوا مكتبة فيها عشرات الألوف من الكتب في جميع العلوم والفنون، فهذا الأمر لم يألفوه ولم يتعودوه، فجاءوا ووجدوا أن المسلمين يقرءون القرآن، وبلغتهم، وفي كل مكان.
      فتعجبوا من هذا، فكانوا يسألون المسلمين: أنتم تقرءون كتابكم؟ فيقول المسلمون: نعم. فيقولون: وأين قساوستكم؟ قالوا: ليس عندنا قساوسة، فهؤلاء هم علماؤنا الذين أمامكم يمشون كما يمشي الناس، ويعيشون كما يعيش الناس، ومنهم الغني، ومنهم الفقير، وأكثر علماء المسلمين كانوا أصحاب مهن؛ ولهذا إذا قرأتم كتب الرجال تجدون البزار، والخياط، والجواليقي، والحذاء، والخفاف وغيرها، فكل منهم ينسب إلى المهنة التي كان يعمل فيها، فكانوا أصحاب مهن وأعمال عادية كما يعيش بقية الناس، ولكن الله تعالى شرفهم وفضلهم وميزهم بالعلم.
      فالصليبيون لما رأوا هذا لم يكادوا يصدقون، لكن كانت الغشاوة على أعينهم وعلى قلوبهم عظيمة جداً، وكانوا خاضعين خضوعاً أعمى لأوامر رجال الدين والطواغيت المتحكمين فيهم، فما كان يستطيع أحد أن يخرج عنهم وأن ينفرد إلا إذا اعتزلهم وهرب نهائياً، وبقي في بلاد الشام ، وهذا حال كثير منهم فقد بقوا هناك إلى اليوم، فهم من أصول أولئك، ولكنهم أسلموا واستوطنوا تلك البلاد، أو لم يسلموا ولكن بقوا في بلاد الشام ، فقد وجدوا أشياء لم يكونوا يألفونها، ولا يعرفونها على الإطلاق.
    14. الغرب وأهمية العلم

      فتقول وثيقة حقوق الإنسان: من حق الإنسان أن يتعلم؛ لأنهم يدعون -الغربيين- أنهم قد سيطروا، وحكموا العالم، وأن التقدم معياره هو العلم، ولا يجوز للسلطة أن تحرمه هذا الحق، وهذا بعدما تطوروا؛ ولذلك إذا تقدم أحد بشكوى: أنا لم يعلمني أبي ولا الدولة، فإنه يجب على الدولة أن تهيئ له هذا الحق. فهذا الذي يسمونه حقاً هو بالنسبة لنا لا يزال في الحضيض؛ لأن التعليم عندنا ليس حقاً، ولكنه واجب، فيجب عليك أن تتعلم، ويجب على الأمة أن تعلم أبناءها، ويجب عليك ديناً أن تتعلم أنت، فليس هذا حقاً تطالب به، وإذا لم تطالب به ليس لنا دخل فيك، وإنما يجب عليك أن تتعلم بقدر ما تحتاج إليه من العلم، أي: ما يعرفك بالله، وما يعرفك باليوم الآخر، وهو أعظم أنواع العلم. ثم أيضاً يجب عليك من علوم الدنيا بحسب الحاجة إليه، ففي ديننا كيف يمكنك أن تتعلم من غير أن تعرف الحساب؟ فلا تستطيع أن تتعلم دينك وأنت لا تجيد الحساب: الجمع والطرح والضرب والقسمة، فالفرائض وغيرها من الأمور إنما تتعلمها عن طريق هذا، فهذا داخل في الواجب الديني، وكذلك لا أستطيع أن أعرفها إلا عن طريق علم الحساب، فهذا داخل في الواجب الديني الذي افترضه الله تعالى عليك. لهذا فنحن لا نقول: إن من حق الإنسان أن يتعلم، وإنما نقول: إذا لم يتعلم الإنسان فإنه يأثم، فيجب عليه أن يتعلم بمقدار ما يحتاج إليه في دينه، والأمة في مجموعها يجب أن يكون فيها علماء يقوم بهم فرض الكفاية، وأما الأفراد فكل بحسب ما يستطيعه. وبعد هذا نفاجأ بأننا تعلمنا من الغربيين أهمية العلم، وأن الغربيين هم الذين علمونا أهمية التفكير العلمي، وكأننا كنا نعيش في مرحلة التفكير الخرافي كما يسميها الغربيون، فالذي نقلنا من التفكير الخرافي إلى التفكير العلمي هم الذين ابتعثوا منا في القرن الماضي أو قبل حين! أو الذين جاءونا من الغربيين وعلمونا على النظام والمنهج الغربي، وما عدا ذلك فتفكيرنا فيه تفكير غيبي؛ إذا لطفوا في العبارة، وإلا فإنهم يقولون: هو تفكير خرافي.
    15. الغرب وحقوق المرأة

      وقالوا أيضاً: إن حقوق المرأة لم نعرفها إلا عن طريق الغربيين، وإن المجتمعات الإسلامية متقوقعة ومنحطة، ولا تعطي المرأة حقوقها، والآن مع وجود الحضارة الغربية بدأت تعطى شيئاً من الحرية والكرامة، ويكتبون حتى في صحافتنا وفي غيرها: أن المرأة بدأت تشعر بحقوقها؛ أخذاً من المرأة الغربية، مع أن المرأة الغربية الآن لم تصل إلى ما كانت عليه المرأة المسلمة قبل ألف وأربعمائة سنة، التي لم تأخذه مطالبة، ولم تأخذه بالمظاهرة، إنما فرضه الله رب العالمين، وأنزله من فوق سبع سماوات، وألزم به الأمة جميعاً: الإمام العام، والأمراء، والأزواج، وأعطى كل ذي حق حقه تبارك وتعالى، فشرعه من عنده ولم يكله إلى أحد من الناس ليشرعوه، فلا هيئة برلمانية، ولا مجالس انتخابية، ولا شيء من هذا، وإنما شرعه الله تعالى الذي خلق هؤلاء الخلق، وهو أعلم بحقوقهم، وما يصلح أحوالهم فشرع لهم هذا الدين، وأنزله رحمة بهم.
    16. معرفة حق التنقل عند الأوروبيين

      وحتى التنقل -وهو حق كغيره من الحقوق- لم تعرفه أوروبا إلا بعد قيام الثورة الفرنسية، أي: قبل مائتين وأربع سنوات تقريباً من الآن فقط، فبعد ذلك عرفوا أن من حق الإنسان أن ينتقل من مكان إلى مكان، وأنه يمكنه أن يسافر ليس من فرنسا إلى بريطانيا ، فهذا مكسب كبير لم يكونوا يحلمون به، وإنما ينتقل من إقطاعية إلى إقطاعية فقط، فلم يكن الإنسان منهم يقدر على ذلك على الإطلاق؛ ولذلك قامت الحروب في أوروبا وفي أمريكا عند تأسيسها؛ من أجل تثبيت هذه الحقوق، وإلغاء هذه الفوارق، وإلغاء النظام الإقطاعي، فلما جاءوا إلى بلاد المسلمين وجدوا المسلمين يعيشون وينطلقون في أرض الله الواسعة، فيسافر طالب العلم من الأندلس إلى خراسان ، ثم إلى اليمن ، ثم إلى مصر لطلب العلم، فليس في ذلك أي شيء، ولا أحد يسأله، ولا أحد يحسده على هذه النعمة؛ لأنها شيء معتاد جداً، وأما هم فكانت تعد بالنسبة لهم تحولاً عظيماً جداً.
    17. انتشار الإقطاعيات في أوروبا وعدم معرفتها للدولة بالمعنى الحديث إلا بعد الثورة الفرنسية

      وكذلك حتى في ناحية التملك، فقد كان المسلمون يمتلكون من المزارع، والضياع، وما أعطاهم الله تعالى من المصانع كما يشاءون، وأما هناك فأمر آخر تماماً، فكانت الدولة في أوروبا عبارة عن مجموعة من الإقطاعيات؛ ولذلك فهم يقولون: إن مفهوم الدولة لم تعرفه أوروبا أصلاً إلا في العصر الحديث بعد الثورة الفرنسية، وأما قبل عندما يقال: ملك بريطانيا ، أو ملك فرنسا أو غيرها فلم تكن دولاً بالمعنى المفهوم الحديث على الإطلاق، وإنما كانت مجموعة إقطاعيات كما يسمونها.
      وهذا الكلام نحتاجه وهو ضروري جداً؛ ليس لأنه مفيد لنا كمعلومات؛ ولكن لأن أكثر أبناء المسلمين اليوم في كل الجامعات، وفي جميع العالم يدرسون: أن الذي علم الناس الحضارة، وعلمهم الرقي، وعلمهم المساواة هي أوروبا ، وثورة أوروبا ، وحضارة أوروبا ، فنذكر هذا حتى نعرف كيف تغير حقائق بدهية، فيجب أن نعلمها، وأن نقيم الحجة على هؤلاء.
      فقد كانت دول أوروبا مثل: فرنسا و ألمانيا عبارة عن إقطاعيات، والإقطاعية: هي أرض واسعة فيها عدة قرى ومزارع، ويملكها رجل واحد، وإذا مات يرثها ابنه الأكبر، فهذا هو نظام الإرث عند هؤلاء الكفار، وهو موجود إلى الآن عند الإنجليز وغيرهم، فالابن الأكبر يرث التركة، ففكرهم فكر إقطاعي.
    18. أصناف الناس في الإقطاعيات في أوروبا

      والناس الذين في هذه الإقطاعيات على نوعين: إما مزارعون عمال، وهؤلاء يكدحون ويعملون لمصلحة المالك، وهو الذي يأخذ الغلة كلها، ويعطيهم بقدر ما يأكلون أو يعيشون به، لكن لهم بعض الحقوق التي قد تمكنهم من الزواج، أو أن يتملك أحدهم شيئاً من المال بقدر ما يعطيه سيده، ويمكنه أن يتجول في الإقطاعية، فهذا نوع من الحرية، ويعتبر هذا الوضع وضعاً جيداً.
      والطبقة الأخرى: هي طبقة لا قيمة لها مطلقاً، وهم الرقيق، والرقيق الذي يؤتى به إلى أوروبا كانوا هم أسرى المسلمين في الحروب الصليبية التي كانت في الأندلس ، أو في بلاد الشام أو غيرها، أو يؤتى بهم من الشعوب المنحطة جداً بالنسبة لهم وهي: الشعوب الشرقية؛ شعوب الروس والصرب، فهذه الشعوب كانت أحط من المنحطين في ألمانيا و فرنسا .
      فأسرى الحروب عموماً هم الرقيق، والرقيق كان كالدابة سواء بسواء، فلا يملك أي شيء في ظل النظام الذي يسمونه: النظام الإقطاعي، أو الفيودالي، وهذا هو نظام الحياة الذي ألفه الإنسان الغربي، فهناك الملاّك الذين يسمونهم: النبلاء، أو السادة، وهذا المالك واحد في الإقطاعية.
      وهذه الإقطاعية فيها قسيس واحد أيضاً، وهو يتحكم في شئون العلم والدين، وهو وحده الذي يقرأ، ووحده الذي يكتب، ووحده الذي يستغفر الناس عنده إذا أذنبوا، ويقدمون له العشور، ويقدمون الضرائب، ويقدمون له كل شيء، فهم يعبدونه من دون الله، فما بقي لهم من دنياهم من شيء بسيط فإنه لا يأخذه عليهم المالك أو الإقطاعي، وإنما يأخذه القسيس (رجل الدين)، وهكذا يعيشون، فما كان أحد منهم يستطيع أن يتنقل من إقطاعية إلى إقطاعية، فأصله مرتبط بالأرض، وإن كان رقيقاً فهو أدنى من أن يفعل ذلك، وأما الفلاح فهو مرتبط بالأرض.
    19. الغرب وتفكيرهم الدائم بحرب الإسلام

      فإذا أراد البابا أن يشن حرباً صليبية، وهذا كان أهم ما يشغل أوروبا ، ولا يزال أهم شيء يشغل ذهن القادة الغربيين منذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى هذا اليوم: كيف نحارب الإسلام؟ فهذه قضيتهم الأولى، وحتى الشيوعية وغيرها مما شغلهم كانت مرحلة مؤقتة عارضة، لكن كان همهم: كيف نحارب الإسلام؟ وكيف نتجنب خطر الإسلام؟ وهذا نجده الآن بوضوح، فأي إذاعة وأي جريدة غربية، ومن ذهب إلى هناك فإنه لا يكاد يسمع، ولا يقرأ، ولا يجد غير هذا الكلام، فهذه هي قضية الحكام، وحكماء الإجرام والطغيان الذين يخططون، فالبابا هناك هو الذي يأمر، فيعمم على جميع ملوك أوروبا : أن أي ملك لا يأتي إلى حرب المسلمين، ويشترك معنا في الحملة؛ فإنه سيحرم ويصدر قرار حرمان، فيحرم من الجنة، ويحرم من الملك، ويحرم حتى من كل شيء، فالبابا يتحكم في كل شيء.
      فيأمر الملك، ويأمر الإقطاعيين بأن كل إقطاعي عليه أن يقدم عدداً معيناً من الجنود، فيجتمع هؤلاء الجنود ويحشرون براً أو بحراً في السفن، ويقذفون إلى شواطئ العالم الإسلامي؛ ليكونوا محاربين، وهذا منتهى الهمجية، فهم لا يعرفون أي شيء، وقد تعودوا على الذل والعبودية قروناً طويلة، فلا يستطيع أن يفكر بنفسه أبداً، ولا أن يتصرف إلا تبعاً لما يؤمر وما يقال له من قبل هؤلاء.
      فليس عندهم حق التنقل، ولا حق التملك، ولا حق التعلم، ولا أي حق من الحقوق التي كانت بدهية جداً في عالمنا الإسلامي الرحب؛ الذي كان يمتد من شواطئ المحيط الهادي شرقاً، إلى شواطئ المحيط الأطلسي غرباً، فكل هذا العالم الإسلامي -والحمد لله- يعيش في نعيم، وفي جنة بالنسبة إلى هؤلاء على الأقل، فأقل منطقة في العالم الإسلامي تقدماً تعد أكثر تقدماً بكثير جداً بالنسبة إلى أوروبا .
    20. الاضطراب في المناهج الدراسية التي تتحدث عن الحضارة الأوروبية

      وتجدون التناقض في المناهج المدرسية، وفي نفس الكلية، فلو درست في كلية الآداب مثلاً، أو في كلية الاقتصاد؛ فإنهم يذكرون الغرب وتقدمه، فيأتوا باليونان، والرومان، ثم أوروبا الحديثة، وكأن العالم هو أوروبا ، وكيف حصل التقدم هناك، والازدهار، لكن لو درست في مادة أخرى كالهندسة العمرانية مثلاً، أو في تاريخ الآثار أو الحضارة؛ فإنك تجد أنهم يقررون حقائق تناقض هذا الكلام وهم لا يشعرون؛ لأن الغرب يعيش عقلية عنصرية لا يمكن أن يتخلى عنها، فتجدهم يعترفون أنه في الوقت الذي كان فيه سكان بغداد يقارب المليونين أو أكثر، وكذلك قرطبة و القاهرة ؛ فقد كانت أكبر مدينة في أوروبا كلها تعيش في الحضيض في نواحي الخدمات الحياتية، ولا يمكن أن تقارن بأي قرية من قرى المسلمين في خراسان ، أو في الهند ، أو في أي ولاية إسلامية تعيش حضارة أقل مما تعيشه بغداد ، أو قرطبة ، أو القاهرة أو غيرها.
    21. تطور التعليم في الحواضر الإسلامية وانحطاطه في أوروبا

      ولم يكن عندهم حق التعليم، والذين كانوا يبتعثون للتعليم هم أبناء الملوك فقط، والطبقة العليا من المجتمع، فكانوا يبتعثون إلى الأندلس ، أو إلى صقلية ؛ ليتعلموا من المسلمين الفلك، والجبر والهندسة وغير هذه، والذي يبتعث يدهش مما يراه، وعندما يرجع إلى قومه فإنه يحدثهم كيف أن قرطبة كانت ترى أضواؤها من مسافة ستين أو سبعين ميلاً؛ لأنها كانت أضواء عجيبة، ويحدثهم عما فيها من المكتبات، وما فيها من الطلاب.
    22. معرفة المسلمين لعلم النجوم وحياة البحار وجهل الأوروبيين بذلك

      وكان المسلمون يعرفون النجوم، وحياة البحار، وكل العلوم التي لا يستطيع الغربي أن يفهمها أو يستوعبها، وأضرب لكم مثالاً على ذلك: فلم يحصل أن المسلمين إذا أرادوا أن يحجوا من المغرب إلى مكة فإنهم يدورون حول أفريقيا حتى يصلون إلى جدة ، ويستحيل أن يخطئ أي بحار مسلم، أو يأتي الحجاج من أندونيسيا أو من جنوب الهند فيصلون إلى جدة ، فكل الناس يحجون، فلا يستطيع التاريخ أن يثبت لنا أن بحاراً مسلماً أخطأ فوصل إلى أمريكا مثلاً.
      وأما الغربيون فقد اكتشفوا أمريكا بالغلط؛ لأنهم جهلة بخطوط الملاحة، وجهلة بالبحار، وجهلة بالنجوم والكواكب، زعيمهم يريد الهند ، ونزل في أمريكا ؛ مع أنه قد سبق له أن ذهب إلى الهند ، فهذا من جهلهم وليس هو علامة حضارة، فاكتشاف أمريكا نفسه دليل على جهل الحضارة الغربية وانحطاطها، وكان في إمكانها أن تستفيد من المسلمين، ولهذا لما جاء فاسكو دي جاما وقد كان من الأندلس ، وكان معه ملاح مسلم استأجره، فجاء إلى رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا ، ثم سلك الطريق العادية التي يسلكها المسلمون دائماً وحتى أوصله إلى الهند ، فاعتبرت أوروبا من أعظم الاكتشافات في العصر الحديث: اكتشاف رأس الرجاء الصالح ، وهو مكان يسلكه المسلمون دائماً، فنجد في تاريخ الصف السادس الابتدائي مثلاً: أنهم اكتشفوا رأس الرجاء الصالح ؛ وكأننا لم نعرف الدنيا، ولم نعرف الطريق إلا عن طريق الغربيين.
    23. تنافس الدول الأوروبية في ادعاء الأولوية في تحقيق الحرية والحضارة

      فكانت حياتهم في جميع النواحي لا يمكن ولا يستطيع أحد من عقلائهم أن يصورها على أنها حياة إنسانية بالمعنى الصحيح، فلما جاءت الثورة الفرنسية لأول مرة.. وهنا نذكر أن الألمان والإنجليز والفرنسيون يتنافسون على زعامة أوروبا ، وجامعاتنا -مع الأسف- يدرس فيها أن الثورة الفرنسية هي التي علمت الناس العدالة والحرية، فالألمان يقولون: صحيح أن الثورة الفرنسية أثرها أكبر، لكن نحن أيضاً عندنا ثورة، ويسموها: ثورة الفلاحين، وقد سبقت الثورة الفرنسية، وتعلم الفرنسيون منها.
      والإنجليز يقولوا: نحن قبل ذلك؛ فقد كان عندنا ما يسمى الميثاق أو العهد، وهذا أول ميثاق في تاريخ العالم، وهو ميثاق يعترف للرعية بالحقوق، وقد عملوا هذا الميثاق قبل الثورة الفرنسية بقرون، ففي عام 1215م اعترف ملك بريطانيا بأن الشعب له الحق في أن يشارك بالقرارات في البلد، وأنهم ليسوا دواب، وإنما هم بشر، وهذا الميثاق يفخر به الإنجليز إلى تاريخنا هذا، ويقولون: يظل الحكم ملكياً حتى ولو كان الملك يملك ولا يحكم، فالقاعدة المعروفة عندهم: أن الملك يملك ولا يحكم.
      ومعروف عندهم الانتخابات والوزراء، لكن يظل الحكم ملكياً؛ لأنهم هم أول من علم العالم والناس: أن الملك يتنازل عن شيء من حقه للرعية عام 1215م أي: بعد ستمائة سنة من ظهور الإسلام، والأمة الإسلامية، ولا يعلمون أننا قد علمنا الناس أضعاف أضعاف هذا الحق الذي لا يعد شيئاً مذكوراً، لكنهم لا يرون بأنا من العالم، ولا يعتبرونا من العالم، ولا يقرون لنا بفضل كائناً ما كان.
      فالفرنسيون يقولون: إن هذا لا يذكر ولا يعتبر شيئاً، وثورة الفلاحين في ألمانيا لا تعتبر شيئاً، والتي علمت الناس، وعلمت الغرب الحرية هي: الثورة الفرنسية التي قامت سنة 1789م.
    24. فضيحة أوروبا في ادعائها: أن الثورة الفرنسية هي التي علمت الناس الحرية والمساواة

      وقد تحدثنا عن هذا هنا في ذلك اليوم عندما احتفلوا بذكرى مرور مائتي سنة على الثورة الفرنسية قبل أربع سنوات، وأنها التي علمتهم الحياة، وعلمتهم الحرية، وفي أثناء الاحتفال بالثورة الفرنسية كان الناس -في المراسم العريضة التي عملوها- درجات: فالدول الأوروبية في الدرجة الممتازة، والدول الأفريقية التي شاركت في الاحتفال، وبعض الدول الأسيوية آخر درجة، فالتفاوت موجود حتى في الاحتفال بالثورة التي دعت إلى المساواة، فيتفاوتون وهم كلهم رؤساء دول في موقفهم في الحفل، وفي سيرهم في الموكب، وفي كل شيء!
      فالغرب لم يترك هذه النظرة العنصرية العنجهية؛ لأنه لا يعرف حقيقة الكرامة الإنسانية إلا من عرف الله، ومن اهتدى بهدى الله، ودين الله الذي قرر هذه الأمور، وجعلها ديناً، فالله عز وجل لم يجعل ذلك شعارات نطرقها ونرددها، وإنما جعلها ديناً نتعبد به، (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]، فهي دين نقرؤه ونتعبد به، ولا يجوز لأحد أن يخالفه، ومن خالفه -ولو في نفسه- فإنه يأثم حتى ولو لم يظهر منه أي شيء.
    25. كل ما يدعيه الأوروبيون من الحرية والمساواة بعد الثورة الفرنسية أخذوه من التاريخ الإسلامي

      فالمهم أنه في عام (1789م) قامت الثورة الفرنسية في تقويمهم الميلادي، وعندما قامت هذه الثورة قامت على أفكار عصر التنوير، وعصر التنوير -كما يسمونه- قام على أفكار عصر النهضة، وعصر النهضة قام على غيره، وتجد أنهم لم يأخذوا هذا من ضرورة العدالة، أو الحرية، أو المساواة، أو التنقل؛ وإنما أخذوه من التاريخ الإسلامي، ومن حياة المسلمين، ولكن لا يستطيع أحد منهم أن يقول هذا الكلام، فالكنيسة تحرمه حرماناً كلياً مطلقاً.
      ولهذا لما نقد فولتير -وهو شاعر فرنسي مشهور- الكنيسة وتكلم؛ حرم، فلأجل أن يبرئ نفسه فقد كان يهاجم النصرانية ، ويهاجم الإسلام؛ وذلك حتى لا يقال: إن فولتير ألحد أو تزندق واتبع دين المسلمين، فكان يتبرأ من الإسلام و النصرانية ، مع أنه في داخل نفسه -كغيره من المفكرين الذين لهم اطلاع- يعلم أن ما يقوله إنما هو مأخوذ فعلاً من الإسلام، وأن الإسلام بريء مما ينسب إليه، لكنهم لم يكن أحدهم يستطيع أن ينسب هذا إلى دين، وإنما ينسب ما تعلمه من ذلك إلى الحضارة اليونانية، أو إلى الرومان.
      ولذلك تجد عندهم اعتداداً غريباً وعجيباً جداً بمخلفات أجداهم الرومان واليونان، وإنكار مطلق لما أخذوه عن المسلمين.
      فعندما بنوا عاصمة للولايات المتحدة الأمريكية سموها فيلادلفيا ، وهي موجودة إلى الآن، وهي في الأصل مدينة يونانية قديمة، فهم ينتمون إلى الأصول اليونانية القديمة، وكأنهم لم يعرفوا شيئاً من الخير إلا عن طريق أجدادهم هم، ولم يحتاجوا إلى غيرهم من العالم، ولا نورهم أحد من العالم، فعصر التنوير، وقبله وهو ما يسمونه عصر النهضة؛ كل ذلك إنما تنقل في أجيالهم من أجداهم حتى وصل إليهم.
    26. اليهود في أوروبا ودعوى المساواة

      فأعلنت الثورة الفرنسية: أن الناس سواء، وهذا الشيء لم يصدقه اليهود ؛ لأن اليهود كانوا محتقرين جداً في أوروبا ، وهم أهل لأن يحتقروا، وأن يبادوا، لكن لا يعني ذلك أن يظلموا، فكان الأوروبيون من النصارى يظلمون اليهود؛ بحيث إن كل شر يقع في الدنيا فإنه يمكن أن ينسب إلى اليهود؛ لخبثهم. فقد انتشر وباء خطير كاد يقتل أكثر الغربيين في أوروبا، ويسمونه: الطاعون الأسود، وهذا مشهور عندهم في التاريخ، فأعلن البابا: أن هذا الوباء بسبب اليهود ، وأن الذين أتوا به هم اليهود ، وهذا الطاعون إنما أرسله الله عليهم جميعاً بكفرهم، لكنهم ينسبون كل شر إلى هذه الفئة الخبيثة المجرمة.
      فـاليهود لم يصدقوا هذه المساواة، والإقطاعيون لم يصدقوا، والأتباع وعبيد الأرض لم يصدق أحدهم أنه يمكن أن يكون مثل المالك، فأعلنوا ذلك الشعار، وضحوا من أجله، وطارت دماء، وصارت حروب وفتن؛ حتى يرتفع ذلك الشعار، ولم يكد أحد يصدق ذلك الكلام؛ ولهذا أتوا بشعار الوطن والوطنية؛ وأنه ما دام أن الوطن يجمعنا فالحقوق الوطنية كلنا فيها سواء أياً كانت طبقة الإنسان، وأياً كان موقعه الاجتماعي، لكن هذا الشعار لم يحققق في أرض الواقع.
    27. نابليون ودعوى المساواة والحرية

      ثم جاء نابليون بعد الثورة الفرنسية، فعندما كفروا بـالإنجيل ، وكفروا بما كانوا عليه؛ وضع لهم نابليون قوانينه، ومعروف قانون نابليون الشهير الذي أخذت القوانين الغربية كلها منه، وبعد ذلك صدروه إلى المسلمين، وأخذوا به، ولا يزالون يعملون به -والعياذ بالله- منذ أن صدر هذا القانون عام 1804م.
      ثم حشد نابليون الجيوش، وأخذ يحتل بلاد العالم، فأعادهم إلى الماضي القديم من الهمجية والحروب والدمار، فأين ثمرات الثورة؟! حتى إن الكثير منهم قالوا: لقد ذهبت شعارات الثورة واضمحلت، وبعد ذلك ثاروا على نابليون ، فوقعت الكثير من الضحايا؛ بحيث إن أكثر ضحايا الحروب في تاريخ العالم هم الذين ضحي بهم في أوروبا ؛ من أجل هذه الثورات، وفي الثورة الشيوعية ، وفي الحربين العالميتين، فهذا استنزاف هائل لدماء الملايين من البشر في هذه البقعة التي تدعي الحضارة، وتدعي الإنسانية، وتدعي أنها علمت الناس المساواة.
      فكانت هناك حروب طاحنة وشديدة جداً بين البروتستانت والكاثوليك، ومعروف أن البروتستانت يتزعمهم الألمان، والكاثوليك يتزعمهم الفرنسيون، فكانت الحرب شديدة جداً، فكان يأتي حاكم أو يأتي إمبراطور فيوسع فرنسا حتى تبتلع ألمانيا ، وبعد فترة يأتي إمبراطور فيوسع ألمانيا حتى تبتلع فرنسا ، وآخرهم هتلر ، وهكذا كانت حياتهم: مداً وجزراً.
    28. هروب بعض الأوروبيين بسبب الاضطهاد والقهر إلى أمريكا وإنشاء الدولة الأمريكية الحديثة

      والذين ضاقوا من هذه الحياة، وتسخطوا منها، وعانوا الأمرين؛ ركبوا زوارق بسيطة وهربوا إلى أمريكا حين اكتشفت، وهذا الأمر ينقلنا إلى المساواة، فمن أين جاءت المساواة والعدالة إلى أمريكا ؟ فبعض الناس يقول: إن الأمريكيين أناس مهذبون بطبيعتهم، وأنهم خلقوا على فطرة سليمة، وأنهم اتفقوا على الحرية والعدالة، وليس الأمر هكذا، فهؤلاء هم أبناء الفارين الهاربين من جحيم الحروب الأهلية، والصراعات العرقية والدينية في أوروبا ، فلما وصلوا إلى أمريكا إذا بهم وجهاً لوجه أمام بعض، فنشبت بينهم هناك صراعات ومشاكل، فرأى هؤلاء المهاجرون أن أحسن شيء أن يتفقوا على دستور وهو الدستور الأمريكي الآن الذي يفتخرون به، وأنه لا يبحث عن دين أي إنسان، ولا عن عرقه؛ وبالذات الأبيض الأوروبي، وأما من كان من جنس آخر فإلى اليوم لا يعترف به أنه بشر بالمعنى الكامل إلا ورقياً، وأما الأوروبيون فقد اتفقوا أنه لا يسأل أي إنسان عن دينه، ولا عن عرقه؛ حتى يعيشوا سواء، فهم كلهم مهاجرون، فهذا أتى من إيطاليا ، وهذا من إيرلندا ، وهذا من أسبانيا .. فلا تصلح أمورهم إذا هم نقلوا العداوة والصراع إلى هناك.
    29. الدستور الأمريكي والدساتير الأوروبية

      فبعد تفكير وتشاور كتبوا الدستور الذي يسمى: الدستور الأمريكي، ويعدونه أفضل دساتير العالم، وأنه تفوق على ما كتبه الإنجليز والفرنسيون، ويفتخر الأمريكان ويقولون: نحن علمنا أوروبا ، ولم نأخذ من أوروبا ؛ لأننا هربنا من جحيم أوروبا وعلمناها كيف تكون الحقوق، وإلى الآن و أمريكا إذا أردت أن تعامل أي دولة بموجب حقوق الإنسان فإنها تسجل تلك الدولة الفلانية في حقوق الإنسان، وبمقتضى هذا السجل تعاملها! وكأنهم هم الذين علموا الناس الإنسانية، وعلموها كيف تعيش، وكيف تحترم الإنسان، وتكرمه، ولا تظلمه .. إلى آخره.
      فالمهم أن الدستور الأمريكي مقارنة بدساتير أوروبا يعد شيئاً كبيراً جداً، لكن ظروف كتابته كانت هي هذه، فلهذا لم تكن أمريكا دولة قومية، وهذه المزية هي التي جعلت أمريكا تصبح أقوى دول الغرب، فهي لا تعامل الإنسان على أساس قومية معينة كالألمان كمثال، فالألمان عندهم أنك لابد أن تكون ألمانياً وإلا فلك نظرة أخرى! وكذلك ليست أمريكا دولة دينية؛ لأنه إذا كان دينها كاثوليكي أو برتستانتي فمعناه قيام حروب طاحنة لا أول لها ولا آخر، فلما كانت لا دينية ولا قومية، وإنما هي دولة تقوم على مبدأ الاعتراف لكل دين بحقه في أن يعيش، ولكل إنسان بحقه في أن يعمل، وهذا هو مبدأ الرأسمالية التي قامت عليها أمريكا .
      وهذا المبدأ بالنسبة إلى الظلم الذي كان في أوروبا يعتبر شيئاً كبيراً؛ ولهذا حققوا من خلاله إنجازات حضارية كثيرة.
      فالمهم أنهم في كل مراحلهم لا يعترفون أن الإسلام سبقهم إلى شيء من هذه الحقوق، ولا أنهم أخذوها من الإسلام، وهم لا يعترفون أصلاً أن في التاريخ حقوقاً إلى يومنا هذا إلا الحقوق التي قرروها، ولا يعترفون أن غيرهم عرف هذه الحقوق؛ مع أنهم متأخرون جداً فيها كما سنبين إن شاء الله.
    30. الاستعمار الأوروبي للعالم وضياع الحرية وحقوق الإنسان

      وبعد ذلك حصلت مرحلة الاستعمار التي لا اعتراف فيها على الإطلاق بأي حق من حقوق الإنسان، فالإنجليز احتلوا أكثر العالم: أستراليا ، و الهند ، وما حولها، و أمريكا الجنوبية ، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تحت حكمهم، واحتلت فرنسا مناطق كثيرة أيضاً في أفريقيا ، وكان البرتغاليون والهولنديون أسبق من غيرهم إلى الاحتلال، فاحتلوا دول شرق آسيا ومناطق في أفريقيا مثل: موزنبيق ، و أنغولا وغيرهما.
    31. قبائح وشنائع الإنجليز في الهند

      فما هو سجل الغرب في حقوق الإنسان عندما احتلوا هذه الدول؟
      لقد كان الإنجليز من أشح وأبخل الشعوب، كان الواحد منهم في الهند إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى مكان بدلاً من أن يدفع أجرة الحصان، أو أي دابة قبل أن يأتوا بالقطارات ونحوها؛ كان يركب على ظهر الهندوسي، فيحمله الهندوسي إلى أي مكان يريد، وأما المسلمون فقد استعصوا عليهم، وقامت الحرب الضروس بين الإنجليز وبين المسلمين، وهم الذين قادوا الجهاد ضد الإنجليز في الهند .
    32. الاستعمار وبدعة إلغاء الرق

      وكذلك في مناطق أخرى من العالم نهبوا وأخذوا الثروات، وضيعوا الشعوب، وزرعوا الأحقاد والعداوات بين الإقليم والإقليم، وبين العرق والعرق، وبين الجنس والجنس، إلى أن جاءونا في أثناء الاستعمار -وهو في أشد ما يكون- بالبدعة الجديدة التي سموها: إلغاء الرق؛ قالوا: لأن الإنسانية تقدمت، والرق هو من آثار الأديان القديمة، والحروب القديمة، وبدءوا يلبسون الإسلام ثوب التأخر، وإهدار حقوق الإنسان، وأنه لا يعترف بحقوق الإنسان؛ قالوا: لأنه يبيح الرق، ويصرف القوامة للرجل على المرأة، وهم إلى هذه المرحلة كانت المرأة لا شيء عندهم، فهم يزعمون أن الإسلام بالنسبة لموضوع الرقيق، وموضوع المرأة هو كما كانوا هم في القرون الوسطى في أوروبا .
      وأخذوا يشيعون هذا بين المثقفين -كما يسمون- من أبناء العالم الإسلامي؛ الذين تتلمذوا عليهم، وعلى أفكارهم، ودرسوا في جامعاتهم وكلياتهم، أو ابتعثوا إلى بلادهم، فأخذوا يصدقون أن الإسلام لا يعطي اعتباراً، ولا يلقي بالاً لحقوق الإنسان؛ وأن السلاطين المسلمين يتحكمون فيهم، فهم أيضاً مثل الأباطرة في القرون الوسطى.
      فهذا هو ما يعرفونه عن الإسلام، وهو ما يعلمونه لأبناء المسلمين.
    33. سبب دعوة الاستعماريين الأوروبيين إلى إلغاء الرق

      فجاءوا ببدعة محاربة ومكافحة الرقيق لسببين: السبب الأول: أنهم استعبدوا الشعوب بأكملها، وليس شرطاً أن كل إنسان يستعبد إنساناً آخر، فهم رأوا أن هذا الأمر من هذه الناحية يمكن أن يعطي لدى الشعوب قناعة بأن الغرب حملوا حضارة إنسانية، وأنهم دعاة فكر إنساني فعلاً عندما ينادون بمنع الرق.
      والسبب الآخر -وهو الصواب-: أن المسلمين عندما رأوا الاستعمار بهذه القوة، ووجدوا أن المستعمرين الأوروبيين يأخذون المسلمين ويذهبون بهم عبيداً إلى أمريكا وغيرها بالقوة؛ ما بقي من المسلمين من مقدرة إلا القرصنة؛ ولذلك فالقرصنة عند الغربيين مرتبطة بالمسلمين، فكان المسلمون لا يزالون لديهم قوة بحرية حتى في أضعف المناطق وهي: جزيرة العرب ، فقد كانت أكثر المناطق تأخراً في التاريخ الحديث؛ لولا أن الله أنقذها بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وظهرت، وأما من الناحية المادية فقد كانت من أفقر مناطق العالم قبل البترول، فكان أقوى ما عندهم هنا هي الناحية البحرية، فكانوا يتاجرون باللؤلؤ وغيره عن طريق الخليج ، إلى بحر عمان ، ثم إلى شواطئ أفريقيا و الهند ، وكانت لهم سلطنة في شرق أفريقيا في زنجبار وغيرها.
    34. استرقاق المسلمين للإنجليز

      فكان المسلمون عن طريق السفن يحاربون الإنجليز وهم أقوى أمة بحرية، فيأسرونهم، ثم يبيعوهم، فيستعبدون الإنجليز، ويبيعونهم بيعاً عادياً، فكان الإنجليز يباعون في الأسواق في البصرة ، وفي الكويت ، وفي الخليج ، فهذا الشيء أزعج الغربيين جداً، فالمسلمون يفعلون ذلك من واقع أن ديننا يبيح ذلك، فكانوا يريدون القضاء على القرصنة بتهمة أنها تبيح الرق، فجاءت دعوى تحريم الرق.
    35. وجود الرق في أمريكا إلى الآن

      مع أن الرق في صورته الحقيقة القديمة وهي: أن يملك واحد آخر فيبيعه أو يشتريه، ما زالت موجودة وممارسة في أمريكا إلى الآن بشكل فاضح، فيسرقون الأطفال من أمريكا الوسطى ، أو أي مناطق الحروب، ويبيعونهم في أمريكا بالدولار، ويسرقون الأطفال من الصومال ، ومن الهند ومن غيرها، والآن يأخذون الأطفال من البوسنة ويبيعونهم، فهذه هي نفس صورة الرقيق التي يقولون: إنها قديمة.
    36. الغرب ودعوى المساواة

      فالشاهد: أنه بهذا الاسم صدق كثير من الناس أن الغربيين هم دعاة حقوق الإنسان، والمساواة بين الناس، وأنهم ألغو الرق، وساووا بين الرجل والمرأة، مع أن أمريكا لم تساو بين الرجل والمرأة في الأجور إلا عام 1968م، بحيث يصبح الرجل والمرأة اللذان يعملان عملاً واحداً طول اليوم تصير أجرتهما متساوية، وهذا القانون صدر قريباً، وأما التطبيق فإلى الآن ما زال فيه ثغرات هائلة جداً.
      ويتحدث عنه الأمريكان، لكن مجرد إقرار الناحية القانونية فهذا لم يحدث إلا قريباً.
      وفي بعض دول أوروبا إلى الآن لا يعترف للمرأة بحق الانتخاب كما يسمونه، ولا بحق التملك، ولا بحق الاسم، أي: أن تسمي نفسها كما تشاء، وإنما يلحق اسمها بالزوج، فتنسب إلى زوجها، وهذا من بقية الاستعباد القديم.
      إلى أن أعلنت وثيقة حقوق الإنسان عام 1948م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتم تدمير ألمانيا و اليابان ، وسيطرة الرأسمالية الغربية على العالم أو أكثره، وإذا بهم يقولون: الآن تعلن وثيقة حقوق الإنسان، وماذا في هذه الوثيقة من جديد؟ وكان قد سبقها ما يسمونه: بمؤتمر فيلادلفيا ، و سان فرانسيسكو الذي اعترف للعمال فيه بشيء من حقوقهم.
    37. الغرب ومحاسبة الحاكم

      ويقولون أيضاً: بأن الشعوب الغربية هي التي علمت العالم أن الحاكم يحاسب، قالوا: لم يكن الناس يملكون شيئاً في العصر الإقطاعي، ولا يفكرون في شيء، فنقول لهذا القائل: أنت تتكلم عن أوروبا ، وأما المسلمون فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه؛ وهو الذي يوحى إليه، وكان صلى الله عليه وسلم يعلمهم الإنصاف، ويربيهم عليه، حتى إنه بنفسه صلى الله عليه وسلم طلب من المسلمين على المنبر أن من كانت له مظلمة أخذت منه، أو ظلمه؛ أن يقتص منه صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله رحمة للعالمين.
      وكذلك كان أبو بكر و عمر وكل خلفاء المسلمين، ولا ينبغي هنا أن نذكر الخلفاء الراشدين، ولا أن نقارنهم بالغرب، وإنما نقارن سلاطين المماليك أو الأتراك مثلاً بسلاطين أوروبا ، ومع ذلك سنجد الفرق عظيماً
      جداً بين هؤلاء وبين هؤلاء، فلم يكن عندهم أي تحكم في الناس: لا في تفكيرهم، ولا في مشاعرهم، ولا في أموالهم، ولا في أهليهم؛ كما كان يتحكم أولئك الغربيون في النظام الإقطاعي، ولا وجه للمقارنة أو المشابهة بين هؤلاء وبين هؤلاء، فكان من حق أي واحد أن يعبر عن رأيه، وأقرب مثال على ذلك: السلطان عبد الحميد آخر سلاطين المسلمين، فلولا أنه متاح للإنسان في أيامه أن يتكلم، وأن يعبر عن رأيه ما جعل نصارى لبنان وغيرهم دواوين الشعر في ذمه وهجائه، وطالبوا بالإصلاحات كما يسمونها، وطالبوا بحقوق كثيرة، وما كان الغربيون يستطيعون في ظل دولة كاثوليكية، وما كان البروتستانت يستطيعون في ظل دولة كاثوليكية أن يطالبوا بمثل ما طالب به النصارى الدولة العثمانية، سواء كانوا الأرمن أو من غيرهم، وأرمينيا كانت ولاية عثمانية، وقد كان نوبار باشا رئيس وزراء مصر ، وهو أرميني، وهذا دليل على أنه لم يكن عندنا أي تفريق، فجاء من أرمينيا وصار رئيساً للوزراء، فكان النصارى يعيشون بمختلف فئاتهم في ظل الدولة العثمانية، وكذلك اليهود .
    38. العدل عند المسلمين

      وهذا عهد الدولة العثمانية، وهي لا تمثل حقيقة الإسلام في عدله وإنصافه، وإنما في جانب أن الله تعالى كفل لهم أن يعيشوا في ظل الدولة المسلمة، فكانوا يعيشون عيشة لا يحلم بها البروتستانت في ظل أي دولة كاثوليكية في أوروبا ، فما بالك بعهد النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين؛ عهد العدل، وقد قيل: إنه لما مات عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه جزع النصارى عليه كما جزع المسلمون، وهذه مشاعر إنسانية؛ لأن هذا الرجل أنصف كل الناس، وأحاط بالعدل جميع الناس، ورفع الظلامات التي أحدثت عليهم، لكن هذه المظالم لا تعادل شيئاً بالنسبة إلى ما كانوا يعانونه في عقر دارهم، أو ما يعانيه إخوانهم بنو دينهم في أوروبا .
      ولذلك لم يحدث -على كثرة ما حاولوا- تآلف بين النصارى المقيمين هنا في العالم الإسلامي، مع نصارى أوروبا إلا في العصر الحديث عندما أتوا بالجنرال يعقوب في مصر ، ثم انتهت بالبابا شنودة وأمثالهما من الحاقدين، فأي واحد منصف من نصارى الشرق لا يتعاون مع الغربيين ضد المسلمين؛ لأنه يرى أن التاريخ الطويل كله كان تاريخ عدل وإنصاف، لا يحلمون به في ظل أي إمبراطورية، ولا في ظل أي حكم آخر.
      هذه خلاصة سريعة جداً ومضغوطة، وإلا فالكلام في هذا كثير جداً، وقد أردنا أن نبين للناس فضل هذا الدين وأسبقيته، التي قررها الله تبارك وتعالى فيما يسمى بحقوق الإنسان، وكيف أن الناس كلهم سواء، وأن أكرمهم عند الله أتقاهم.
      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله صحبه أجمعين.