المادة كاملة    
من الأحاديث العظيمة حديث الولي، وقد ورد فيه إثبات صفة التردد لله سبحانه وتعالى، ونتعامل معها كبقية صفاته سبحانه، ولا نؤولها أو نعطلها. ومما ورد كذلك في حديث الولي إثبات حقيقة الموت، وأنه حق لا مفر منه ولا محيص.
  1. بقية الكلام على حديث الولي

     المرفق    
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:
    فلا زلنا في حديث الولي، وقد توقفنا عند قوله: ( وما ترددت في شيءٍ أنا فاعله... )، وبقية الحديث فيه مبحثان: أحدهما: عقدي، والآخر: عادي، نشرحه كما نشرح غيره.
    فمن الناحية العقدية ما يتعلق بموضوع التردد في قوله: ( وما ترددت في شيءٍ أنا فاعله، ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، هو يكره الموت وأنا أكره مساءته )، وهذا التردد من ضمن الصفات التي جاءت في الأحاديث، وقد اختلف فيها الناس، بل الذي جاء في القرآن من آيات الصفات وقع فيها الخلاف في الأمة، فأما السلف الصالح فإنهم يجرونها ويمرونها على ظاهرها، مع اعتقاد أن الله تبارك وتعالى لا شبيه له ولا مثيل، قال تعالى: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))[الشورى:11]، فيثبتون الصفة وينفون التمثيل، ولا يثبتون لله تبارك وتعالى صفة نقص أبداً؛ لأنه لا يمكن أن يأتي نص -سواءً كان آيةً أو حديثاً- فيه إثبات صفةٍ فيها نقص لله عز وجل بأي وجه من وجوه النقص، ولهذا إذا جاء أحد وقال: إن هذا الحديث أو إن هذه الآية يلزم من إثباتها أو يلزم من إمرارها على ظاهرها إثبات النقص لله، فنقول: لا يمكن ذلك؛ لأنك جئت بمعنىً فهمته من الآية أو الحديث وهو غير مراد منه، وإما أن يكون النص -لا سيما إذا كان في الأحاديث- غير صحيح أو الحديث مكذوب، أما أن يثبت شيء عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون فيه نقص لله تعالى، فلا يمكن وصف الله عز وجل بأي شيء فيه عيب أو نقص، إنما قد يظن بعض الناس أن في إثبات شيءٍ ما نقص وليس كذلك، ومن ذلك إثبات التردد لله سبحانه.
    ونحن نقرأ من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله، وكما تعلمون أن كتابه فتح الباري كتاب عظيم وجليل القدر، بل لا نظير له في بابه، ولكن أعظم ما يؤخذ عليه هو ما يتعلق بأمور العقيدة، ولذلك يحتاج إلى أن ينقح وينقى ويميز ما فيه، والكتاب في جملته لا يمكن الاستغناء عنه، ولكن هذه الأمور العقدية لابد أن يعلَّق عليها وينبه إليها.
  2. نقل ابن حجر لتأويلات العلماء لقوله: (وما ترددت عن شيء أنا فاعله...)

     المرفق    
    فيقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: (قوله: ( وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن )، قال: وفي حديث عائشة : ( ترددي عن موته )، ووقع في الحلية في ترجمة وهب بن منبه : إني لأجد في كتب الأنبياء: أن الله تعالى يقول: ( ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن... ) إلخ)، وبدأ يذكر الأقوال كعادته رحمه الله، فنذكرها ثم نبين الحق منها. ‏
    1. تأويل الخطابي لقوله: (وما ترددت عن شيء أنا فاعله...)

      قال الحافظ: (قال الخطابي -هو ينقل عن شرح البخاري للخطابي رحمه الله-: التردد في حق الله غير جائز، والبداء عليه في الأمور غير سائغ) والبداء من البدوء وهو الظهور، أي: أن يظهر ويتبين له علمٌ أو وجه مصلحة بشيء كان خافياً عنه من قبل، ولا شك أنه بهذا المفهوم أو المعنى لا يمكن أن يوصف الله عز وجل به، إذ إن الذي يصف الله عز وجل بالبداء هم اليهود ، أما أمة الإسلام جميعاً، وكل أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، الذين عرفوا الله، وقدروا الله حق قدره، وأتباعهم، فلا يقرون هذا الذي شذت به اليهود واتبعهم بعض من ينتسب إلى الإسلام؛ فإن الله سبحانه وتعالى هو العالم العليم بكل شيء بما كان وبما سيكون، وبما لم يكن لو كان كيف يكون، فهو الذي له العلم الأزلي، فهو عليم بكل شيء قبل أن يخلق أي شيء، ثم كتب ذلك سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث الصحيح من حديث عمران بن حصين : ( وكتب في الذكر كل شيء.. )، وفسرته الأحاديث التي في صحيح مسلم : ( إن الله تبارك وتعالى كتب كل شيءٍ -أي: في اللوح- قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة )، فكل ما هو واقع وكائن في هذا الوجود قد كتبه الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق هذا الوجود بخمسين ألف سنة، والكتابة مطابقة للعلم الأزلي، فإذاً كيف يمكن أن يوصف الله تبارك وتعالى بالبداء؟! تعالى عن ذلك علواً كبيراً، لكن هل الحديث يتضمن البداء؟ لذلك نحن قلنا: إنه يؤتى مثل هؤلاء العلماء من فهمهم للحديث.
      يقول الخطابي رحمه الله في الحديث: (ولكن له تأويلان: أحدهما: أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه، وفاقة تنزل به، فيدعو الله فيشفيه منها، ويدفع عنه مكروهها، فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمراً، ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه، ولا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله؛ لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه). أي: أن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً، وأناله درجة الولاية، ثم أصاب هذا العبد مرضٌ من الأمراض، فالعبد الولي الصالح يدعو الله تبارك وتعالى، ويتضرع إليه أن يرفع عنه هذا البلاء، فيستجيب الله عز وجل له، لكنه كتب عليه الفناء والموت، يقول: فيكون هذا الشيء كأنه بداء، وكأن الله عز وجل يتردد، وكأن هذا هو التردد الذي يقع؛ لأنه كتب عليه الفناء والموت، ومن جهةٍ يريد أن يستجيب دعاءه.
      يقول: (والثاني: أن يكون معناه: ما رددت رسلي في شيءٍ أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن). فيؤول: (ما ترددت) بـ(وما رددت)، والفرق بين ترددت ورددت: أن (تردد) فعل لازم لا مفعول له، فإذا قال المتكلم: (ترددت) فيحتاج إلى فاعل مضمر فقط، ولا يحتاج إلى مفعول؛ لأنه فعل لازم، وأما (ردد) فهو فعلٌ متعد يحتاج إلى مفعول، فيجعلون ذلك وقع على الرسل، لكن هل ينجيهم هذا من المعنى المحظور؟ إن مشكلة أهل التأويل أنهم دائماً يحاولون أن يفروا من معنى يقولون: إنه يوهم التشبيه أو يوهم النقص، فيقعون أحياناً في أشد منه أو في مثله، فنفس الشيء في: (وما رددت رسلي في شيء) فلماذا يرددهم؟ فهو نفس الشيء، تردد أو ردد، لكن أهل هذا التأويل يرون أن هذا أسلم في نظرهم، فيقولون: إن المعنى: ما رددت رسلي، أي: أرسله ثم أعيده.
    2. كلام الإمام الكلاباذي في معنى التردد في حديث الولي

      قال الحافظ: (قال الكلاباذي ما حاصله: إنه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات. أي: عبر عن الترديد بالتردد، وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعفٍ ونصب إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبته للموت فيقبض على ذلك). وهذا هو نفس المعنى الثاني، لكن الزيادة يقول: أن الله سبحانه وتعالى يجعل هذا العبد الصالح يرضى بالموت، فيحب الموت في النهاية، ثم لا يقع عليه ولا يقدر الله عليه إلا ما يحب لا ما يكره، فيردد الله تعالى عليه الأحوال حتى يتحول من كارهٍ للموت إلى محب له، فتقبض روحه وهو محب للموت، فيكون هذا هو معنى التردد.
      قال: (وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه، والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت، فضلاً عن إزالة الكراهة عنه). وهذا صحيح، إذ إن بعض عباد الله الصالحين ليس فقط أنه لا يكره الموت، بل إنه قد يشتاق إلى الموت لما يحدث الله تعالى في قلبه من محبة لقائه، ( ومن أحب لقاء الله أحب الله تبارك وتعالى لقاءه )، لكن هل هو المقصود بالحديث؟
      قال: (فأخبر أنه يكره الموت ويسوءه، ويكره الله تعالى مساءته، فيزيل عنه كراهية الموت لما يورده عليه من الأحوال، فيأتيه الموت وهو له مؤثر وإليه مشتاق).
      وحقيقةً على هذا المعنى كأنه لم يعد هناك تردد؛ لأن الله تعالى لا يوقع به إلا ما يحب، والعبد صار يحب أن يموت، ولا يوجد تردد بين أمرين، لكن ظاهر الحديث أن هناك أمران: وهما: وجوب الموت على العبد، وهذا أمر نافذ، وقضاء لازم لا محيص عنه ولا مفر منه، وكراهة العبد للموت فيتعارضان، فلا بد أن أحدهما يقع، وإذا وقع أحدهما وهو الموت بخلاف ما يريد العبد، فيكون ذلك نوع من عدم الاستجابة والإكرام والمنة، وإعطائه ما يريد، والمسارعة له فيما يحب وما يريد، فهنا يكون الحالان المتعارضان.
      قال: (وقد ورد تفعَّل بمعنى: فعَّل، مثل: تفكر وفكر، وتدبر ودبر، وتهدد وهدد والله أعلم)، فهذا تخريج لغوي، والمهم والمقصود أنه على المعنى الثاني مما ذكره الخطابي .
      قال: (وعن بعضهم: يحتمل أن يكون تركيب الولي، يحتمل أن يعيش خمسين سنة، وعمره الذي كتب له سبعون، فإذا بلغها فمرض دعا الله بالعافية فيحييه عشرين أخرى.
      فعبر عن قدر التركيب، وعما انتهى إليه بحسب الأجل المكتوب بالتردد)، وهذا أيضاً نوع من التأويل، قالوا: إن التردد هو بين حالتين: الأولى: تركيب العبد، فإن العبد ركب بدنه ليعيش خمسين سنة، وبعد الخمسين يتوقف القلب، يتوقف المخ، تتعطل الأعضاء، ينتهي كل شيء، فإذا دعا الله تبارك وتعالى فهو ولي، والولي له هذه القيمة، وله هذه المنزلة، فإن الله تعالى يمد في عمره، كأن يمد له من العمر عشرين أو ثلاثين ليوافق ما قدر وما كتب له من قبل، وبالتالي فالتردد وقع في هذا، أي: بحسب التركيب، وبحسب القدر النافذ، وهذا أيضاً تأويل، وليس هو الوجه الصحيح في الحديث.
    3. تأويل ابن الجوزي لمعنى التردد في حديث الولي

      قال: (وعبر ابن الجوزي عن الثاني بأن التردد للملائكة الذين يقبضون الروح، وأضاف الحق ذلك لنفسه؛ لأن ترددهم عن أمره. قال: وهذا التردد ينشأ عن إظهار الكراهة، فإن قيل: إذا أمر الله بالقبض فكيف يقع منه التردد؟ فالجواب: أنه يتردد فيما لم يحد له فيه الوقت، كأن يقال: لا تقبض روحه إلا إذا رضي، ثم ذكر جواباً ثالثاً: وهو احتمال أن يكون معنى التردد: اللطف به، كأن الملك يؤخر القبض).
      وخلاصة كلام ابن الجوزي : أن التردد بالنسبة للملائكة الموكلين بقبض الأرواح، والله تعالى أضاف التردد لنفسه، قال: لأنهم جنده وملائكته وبأمره يفعلون، فهو يقول: (وما ترددت) أي: وما ترددت ملائكتي، فهذا مختصر تأويل ابن الجوزي ، وتتردد الملائكة؛ لأنهم يعلمون أن الله يحبه، وأن له عند الله كرامة، وأن له عند الله منزلة، ومع ذلك فهم مأمورون أن يقبضوا روحه فيترددون، وكل هذا حتى يفر من نسبته إلى الله تعالى.
      ثم يقول: فإذا قيل: الله تعالى أمر الملك بالقبض، فكيف يقع منه التردد؟ أي: إذا أمر الله تعالى الملائكة أن تقبض روحه، فلماذا تتردد وقد أمرها الله؟ فيقول: عدة أجوبة:
      الأول: أنه يتردد فيما لم يحد له فيه وقت، أي: أنه يقول: اقبض روح عبدي فلان ولم يحد له وقتاً، فيتردد متى يقبضه أو كيف يقبضه؟ أما لو حدد الساعة فإنه ينفذ ولا يبالي، وهذا احتمال.
      الاحتمال الثاني: أن يقول له: لا تقبض روحه حتى يرضى، وكأنه أعطاه أمراً مطلقاً، وعلى هذا نرجع إلى القول السابق، أي: كأن الملائكة تنتظر فلا تقبض روحه حتى يشتاق إلى لقاء الله، ويرضى بأن يموت، فيأتيه الموت وهو غير كاره له، فلا يقع ما يسوءه ويضايقه ويكرهه.
      قال الحافظ: (ثم ذكر جواباً ثالثاً فقال: احتمال أن يكون معنى التردد اللطف به، كأن الملك يؤخر القبض، فإنه إذا نظر إلى قدر المؤمن وعظم المنفعة به لأهل الدنيا احترمه، فلم يبسط يده إليه، فإذا ذكر أمر ربه لم يجد بداً من امتثاله). أي: فالملك يقول: هذا عبدٌ مؤمن له قدر عظيم واحترام وكذا، ويتهيب أن يقبض روحه، ومن ناحية أخرى يعلم أن الله قد أمره أن يقبض روحه، فلابد لي منه، فيقع منه التردد.
      أيضاً ذكر جواباً رابعاً فقال: (أن يكون هذا خطاباً لنا بما نعقل، والرب منزه عن حقيقته). وبالتالي فما هي الحقيقة؟ هل الحقيقة تستلزم النقص؟ لا يوجد فيها نقص، وهذا الذي نريد دائماً أن نقوله، فلا يمكن أن يأتي شيء من الأحاديث أو الآيات من باب أولى في الصفات، وفيها إثبات نقص أو خلل أو أي شيء لا يليق بالله عز وجل، المهم أن كل ما يأتي في النصوص فهو يثبت لله تبارك وتعالى الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه.
      يقول: (فهو من جنس قوله: ( من أتاني يمشي أتيته هرولة )، فكما أن أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديباً، وتمنعه المحبة وتبعثه الشفقة فيتردد بينهما -وهذا مثال جيد- ولو كان غير الوالد كالمعلم لم يتردد، بل كان يبادر إلى ضربه لتأديبه، فأريد تفهيمنا تحقيق المحبة للولي بذكر التردد)، وهذا الكلام هو الواقع، ولله المثل الأعلى، فالمثال هذا قريب من تفسير الحديث، فابنك أنت تحبه، لكن لا نقول: اضربه؛ لأن الضرب أذى، ومثال أوضح: هذا الابن لابد أن يدخل المدرسة، أو تحفيظ القرآن وهو يكره المسجد، يكره أن يذهب إلى التحفيظ؛ لأنه يحب اللعب، وأنت تحب ابنك حباً شديداً، ولابد لك أن تدخله للتحفيظ، وهو يكره ذلك، وأنت تكره مساءته، وهو يكره ذلك، لكن لابد لك من أمر من الأمور فتفعل، وهذا مقتضى المحبة، إذ إن مقتضاها الإكرام والعلم بالمصلحة؛ لأنك تعلم أن مصلحة ابنك ليس أن تحبه فيبقى في البيت، بل تحبه فيحفظ القرآن، ولله المثل الأعلى، فالله تبارك وتعالى عندما يصف نفسه بالتردد، أو يسند ذلك إليه لإظهار أنه يحب عبده المؤمن، فهذا حق، لكن هل هذا مما يعاب أو يذم؟ وهل فيه نقص؟ لو جئت إلى أحد الآباء فقلت له: لماذا تتردد في ولدك؟ يقول: أنا أحب الولد، ولا أريد أن أغضبه، وفي نفس الوقت لابد أن يتعلم، فأدخلته التحفيظ وهو كاره، فهل هذه صفة نقص أو كمال؟
      صفة كمال في الأب وهو مخلوق، وأي صفة كمال في المخلوق فالله تبارك وتعالى أحق بها وأولى، وبالتالي يكون التردد نقصاً أو عيباً إذا كان المتردد لا يدري أي الأمرين خير، لا يدري عاقبة الأمرين، وهذا في حق البشر، أما الله تبارك وتعالى فهو يعلم الغيب، يعلم ما كان وما سيكون، فلا يتعارض عنده تبارك وتعالى أمران بهذا المفهوم أبداً، فالبشر أنفسهم إذا تردد أحدهم في أمرين يقول: لا أدري أدخل ولدي في هذا المجال، أو في هذا المجال، فهو متردد محتار، فيذهب يستشير؛ لأنه لا يعلم العاقبة والمصلحة؛ لأنه مخلوق لا يعلم الغيب، وهذا بهذا المعنى نقص في حق الله، أما المخلوق فهو بطبيعته ناقص، وبهذا المعنى لا يثبت لله تبارك وتعالى أبداً، أما من يعلم العاقبة وإنما تعارض أو أظهر أن الأمرين لديه متعارضان، جعل إكرامه لوليه كأنه مساوياً، وهو ليس مساوياً في الحقيقة، ولهذا قال: ولا بد له منه، فهو ليس مساوياً، لكنه جعله كالمساوي لقدره الذي لا بد منه؛ إظهاراً منه لمحبته ولكرامته عليه، فهذا ليس فيه نقص، بل فيه إظهار صفة من صفاته تبارك وتعالى، وهو لطفه وكرمه وتفضله على عبده، وإظهار قيمة هذا العبد ودرجته عنده.
    4. تأويل معنى التردد في حديث الولي عند الكرماني

      يقول: (وجوز الكرماني احتمالاً آخر: وهو أن المراد أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج، بينما بقية الأمور يقول: كن فتكون). أي: أن روح المؤمن إكرام الله تعالى له يجعله لا يأخذها منه إلا بالأناة والتدرج.
    5. المعنى الصحيح لقوله: (وما ترددت عن شيء أنا فاعله...)

      وكل هذه التأويلات -كما قلنا- مبنية على فهم أن التردد نقص، فنحن نقول: لا يمكن أن يثبت الله تبارك وتعالى أو يثبت له رسوله صلى الله عليه وسلم ما فيه نقص، وما في ظاهره نقص فلا بد من أن الحديث أو الآية توضح، فمثلاً: حديث: ( مرضت فلم تعدني )، فالمرض نقص، وفسره بقوله: ( مرض عبدي فلان فلم تعده )، وبالتالي لا ينسب المرض إلى الله؛ لأن الحديث يقول: ( مرض عبدي فلان ) مثل حديث الولي، لكن لماذا يقول: مرضت؟ يقول: يا من تغفلون عن قدر أولياء الله وعباد الله الصالحين، انتبهوا، عندما مرض هذا العبد فلم تعودوه، وعندما جاع فلم تطعموه، فأنا أنسب ما وقع به إلى نفسي من شدة محبتي له، ولعظيم منزلته عندي، ولذا أقول: مرضت، فالحديثان متطابقان، وغيرها من الأحاديث لا تتناقض أبداً على مذهب أهل السنة والجماعة والحمد لله؛ لأنه: ( كنت سمعه وبصره ويده ورجله ) التي مرت معنا في الحديث، نفس الشيء، وهذه منزلة عظيمة عند الله تبارك وتعالى، فهل يتضمن ذلك إثبات المرض لله؟ لا؛ لأن الله ما قال ذلك، وإنما بين أن الذي مرض هو العبد.
      أما التردد فنسبه إلى نفسه ولم يقل: ترددت ملائكتي، لكن لماذا نحن نؤول؟ نقول: التردد على ظاهره، وهو ليس تردد الجاهل بالعاقبة حتى يذم، وإنما هو تردد الكريم الذي يريد أن يفعل أحد الأمرين، ولكن أحدهما لا بد منه، والله تعالى كريم وعليم ولطيف، فهذه كلها ثابتة له تبارك وتعالى ولا تتعارض.
      لكن قد يقول قائل: إن مصلحة الولي أنه يعيش ليزداد من الحسنات حيث قال: ( خير الناس من طال عمره وحسن عمله )، لكن قال: (ولا بد له منه) (( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ))[الأعراف:34] فقد جاء الأجل فكيف ذلك؟ نقول: لا تعارض، إذ إن التردد يقع بعد أن طال عمره وحسن عمله، ثم إن طال عمره وحسن عمله، أليس لزاماً أن يموت؟ وهل أحد من الناس يحب الموت؟ هل من طبع البشر أن يحب الموت؟ إن القضية مهما طولتها فإنه يأتي وقت لابد أن تقبض روحه، ولو خير لما اختار، وإن اختار البعض فلا يختار الكل، فالمقصود هنا ليس العموم على أية حال، لكن يوجد من لو خير لما اختار الموت.
      إذاً: الحديث على ظاهره، والتردد بهذا المعنى لا يستلزم النقص والتمثيل والتشبيه كما يقولون، وإنما هو صفة كمال يتصف بها الكريم إذا أراد أن يترفق بمن يريد أن يكرمه من أحبابه.
      كما أنه أيضاً قد يقول قائل: يمكن أن يكون كناية، قلنا: الكناية لا تنفي الحقيقة، والإمام الخطابي رحمه الله لما قال: (إن هذا عطف الله على العبد ولطفه وشفقته)، قلنا: هو عطف ولطف وشفقة، لكن الكلام: هل نؤول أم لا؟ والقاعدة التي اتفقنا عليها من قديم -وهي قاعدة مهمة-: أنه لا يمكن أن نؤول أي نص من النصوص بالمعنى الذي يعنيه أهل البدع، أي: أن نصرفه عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، إذ إن مراد الله تبارك وتعالى من الآية، أو الحديث القدسي، ومراد النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث الظاهر المراد منه لا يمكن أن يستلزم نقصاً أو تمثيلاً أو تشبيهاً، بحيث لا بد أن نؤوله ونقول: إن هذا الظاهر غير مراد؛ لأنه يلزم منه كذا وكذا، وفي الحقيقة أن التأويل تحريف الكلم عن مواضعه، أي: أن يكون الله عز وجل أراد أمراً معيناً، ونحن عرب ونفهم كلامه ونؤوله بمعنىً آخر، فمثلاً: ( إن الله يستحيي أن يرفع العبد يديه فيردهما صفراً )، فيقولون: الحياء هذا ضعف، وفيه شيء من الذلة، أو فيه شيء من الانكسار أو الرقة، وهذا لا يليق بالله عز وجل! فمن قال: إن شيئاً يثبت لله ويكون فيه هذه اللوازم، إن هذه اللوازم لو صحت فهي في حياء المخلوق، أما حياء الله فلا، إذ إن الرحمة هي انكسارٌ وخضوع ورقة، والله منزه عن ذلك، فنقول: إذا كانت هذه اللوازم باطلة، أو فيها شيء من الضعف والنقص فهي في حق المخلوق، مع أنه حتى المخلوق يرحم، وهي صفة كمال فيه، والله أولى بها، كذلك الغضب، إذ إن بعضهم قال: إنه غليان القلب وإرادة الانتقام، وهذا لا يليق بالله عز وجل، لكننا نقول: إن هذه اللوازم هي في حق المخلوق، أما الله تعالى فلا.
    6. أدلة الخطابي في تأويله لقوله: (وما ترددت عن شيء أنا فاعله...)

      ويستدلون على ذلك بحديث صحيح -لكن هل يدل على مرادهم؟- وهو ما روي في قصة موسى من لطمه لملك -يجوز أن تقول: ملِك بالكسر، أو ملَك بالفتح، ومعنى الكسر: أن الله ملكه هذا الأمر- الموت حتى فقأ عينه، وتردده إليه مرة بعد أخرى، والقصة معروفة، إذ إن الله أرسله إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه، وموسى عليه السلام كان ذا قوة وشدة في الحق، ففوجئ بملك الموت جاء ليقبض روحه، فلطمه موسى عليه السلام ففقأ عينه، فرجع الملك إلى ربه عز وجل يشكو إليه ما فعل به موسى عليه السلام، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن ضع يدك على ظهر ثور -هنا يظهر إكرام الله عز وجل لموسى عليه السلام- فمهما وقع تحت يدك من شعر فإنك تعيش قدره من السنين، قال: ثم ماذا بعد يا ربِّ؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن إذاً؟ أي: ما دام بعد كل هذا موت، والموت حق وهو آت لا بد منه، فالآن إذاً. فالملك إذاً ذهب ثم عاد إلى ربه، ثم رجع إليه وقبض روحه في اللحظة التي كتب الله أزلاً أنه يقبض روحه فيها، وصدق الله إذ يقول: ((فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ))[الأعراف:34]، أبداً في تلك اللحظة، فالذهاب والإياب هذا كان قبل اللحظة التي كتب الله تعالى أنه يقبض فيها، ولذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (إن روح القدس نفث في روعي، إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، فهذه وصية عظيمة، وقوله: (يجمل في الطلب) أي: لا يلح ولا يبالغ، فإن طلبت فاطلب طلباً جميلاً أو مجملاً؛ لأنه لن تموت نفس أبداً حتى تستكمل رزقها وأجلها، فأما الرزق فإننا نلاحظ ونشاهد أن الإنسان قد يعطى بملء الملعقة، فيأخذ البعض ويرد البعض، ثم يموت، فهو أخذ ما كتب له، ورد الذي لم يكتب له، ولا يمكن أن يموت وبقي له شيء أبداً، والأجل كذلك، إذ إن الحياة أنفاس تتردد، فيتنفس العبد النفس الذي كتب الله له، ثم لا يتنفس له بعد ذلك ما كتب الله أنه يوقف، وعليه فلا يمكن أن يموت أحد حتى يستوفي ذلك، والمقصود أن هذا وقع حيثما قدره الله عز وجل، فإذاً يقولون: إن الملك تردد.
      وفي قصة أخرى أيضاً ما يتعلق بموت الأنبياء، ففي حديث صحيح بمجموع طرقه، وبعضها حسن وبعضها ضعيف: أن الله تعالى أطلع آبانا آدم عليه السلام على ذريته، واستخرجه من ظهورهم، وذلك كما هو موضوع الميثاق، قال تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ))[الأعراف:172] فرأى آدم عليه السلام رأى من بينهم ابناً من أبنائه أعجبه وبيص ما بين عينيه، أي: رأى فيه وضاءة ونوراً، فقال: من هذا يا رب؟ قال: هذا عبدي داود عليه السلام، فقال: كم يعيش؟ قال: ستون عاماً، فتقالَّها آدم عليه السلام، وقال: يا رب! أعطه من عمري، فأعطاه من عمره أربعين سنة، وقد جاء في بعض الآثار أن آدم عمِّر ألف سنة والله أعلم، إذ إنها ليست أحاديث مرفوعة ثابتة، لكنها آثار فقط، فلما جاءه ملك الموت ليأخذ روحه قال له: بقي من عمري أربعون سنة، فذكَّره بأنه أعطاها ابنه داود عليه السلام، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته، وخطي آدم فخطئت ذريته)، فنحن أبناء آدم عليه السلام فينا النسيان والجحود والخطأ، وكل هذه الثلاثة من طبعنا؛ لأن الله تبارك وتعالى جعلها في أبينا آدم عليه السلام، فهو نسي ما أمره الله تبارك وتعالى به وأكل من الشجرة، ومثل هذا الموقف وغيره، فحصلت منه هذه الصفات التي ورثها بنو آدم منه، والمهم أن هذا القول بمعنى: ترديد الرسل، أي: أن الرسل يرددون إلى الولي أو العبد الصالح الذي يراد قبض روحه.
      قال: (وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد، ولطفه به، وشفقته عليه). وهذه لا شك فيها، وكأنه يقول: إن هذا كناية عن العطف، واللطف والشفقة والإكرام، وهذا ليس فيه خلاف، والكل متفقون على أن المقصود من هذا الكلام هو أن الله تبارك وتعالى يحب عبده، ويلطف به إلى درجة أنه لو كان يدفع أمراً مقدراً سابقاً لدفع عن عبده هذا الموت؛ لأنه يكره الموت، والله تعالى يكره مساءة هذا العبد، ولا يريد أن ينزل به إلا ما يحبه، فلأنه يكره الموت فالله تعالى يكره له الموت أيضاً، لكن لابد منه ولا بد له منه، والمعنى في النهاية ليس فيه شك، إنما الإشكال: هل يوصف أو ينسب التردد إلى الله عز وجل؟
  3. ذم التأويل الفاسد وخطره على الدين

     المرفق    
    إذاً: لا نؤول أي شيء من أسماء الله، أو من صفات الله تبارك وتعالى، فإذا جاء نص من النصوص، ورأينا في بادئ الرأي أن السلف الصالح لم يحملوه على ظاهره الذي نحن نرى أنه ظاهرة، فلنخطئ أنفسنا، ولا نقول: إن السلف أولوا، إذ إنه أحياناً يضطر السلف إلى التأويل إذا لم يكن منه بد، وأنت فهمت أن هذا تأويل وليس هو تأويل، والظاهر الذي ترى أنه ظاهر رأوا أنه غير ظاهر، والظاهر الذي هو مراد المتكلم لا يمكن أن يكون فيه نقص أبداً؛ لأن المتكلم إما أن يكون الله عز وجل، وإما أن يكون رسوله صلى الله عليه وسلم، فهل يمكن أن يكون أحد أعرف وأعلم بالله تبارك وتعالى من نفسه، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم؟ لا يمكن.
    وبالتالي نوصد الباب كله، إذ إنه لو فُتح باب التأويل لما بقي من الدين شيء، فلو جاء شخص وقال: أريد منكم أن تكونوا أشاعرة ، ونريد أن نؤول بعض الصفات فقط من أجل أن ننزه الله سبحانه وتعالى، ثم قال: أنا أثبت أن الله تعالى حي، عليم، قادر، متكلم، مريد، عالم؛ لأنها في نظري لا تستلزم المشابهة، لكن اليدين والأصابع والقدم، أرى أن نؤولها حتى لا يلزم المشابهة، وأن نؤول العلو -علو الله- فنقول: الله في كل مكان، إننا لو وافقناهم على ذلك لافتتح علينا باب عظيم من الشر، ولجاءنا الباطني فقال: القيامة والبعث والجزاء والحساب والجنة والنار لا بد أن تؤول؛ لأنها خلاف الظاهر، ويريد منا أن نقول: إن البعث أو الحشر هو بالأرواح فقط، أما الأجساد فلا تحشر ولا تجمع، والأعمال لا توزن، والجنة والنار مجرد تخييل! فإن قلنا: ما رأيك بهذا الكلام يا أشعري؟ قال: هذا كفر، أي: تأويل الحشر والمعاد كفر، فإن جاء شخص آخر من الباطنية أشد من هذا، وأوغل منه في الكفر فقال: إن الصلوات الخمس التي فرضها الله علينا عبارة عن الأسماء الخمسة: علي و الحسن و الحسين و فاطمة و محسن! فإن قيل له: والحج؟ قال: الحج أن نقصد الإمام الغائب، والصوم؟ قال: أن تمسك الأسرار التي يعلمنا إياها شيوخنا! وهذه العبادات هي عمل العوام الذين لا يفهمون، ويأتي الصوفي فيقول: هذه ذكر وعبادة العوام، أما خاصة الخاصة الذين وصلوا إلى درجة اليقين فتسقط عنهم التكاليف، فيبدأ هؤلاء يتأولون في العبادات والشرائع، بل أي شيء ممكن أن يؤولوه، فإن قلنا لهم: اتقوا الله، قالوا: أما رضيتم أن نؤول العلو، وقد جاءت فيه الآيات والأحاديث الكثيرة؟ أولوا هذه، هذا أخرجتموه عن ظاهره، فلماذا يبقى على ظاهره؟ حتى هذا نخرجه عن ظاهره، فالمعاد والبعث والشرائع كلها تؤول، وتصرف عن ظاهرها، فلو وافقناهم في تأويل شيء لفتحوا علينا أبواباً من الشر، ولا يمكن أن نقول لهم شيئاً، وهذا ما يقوله الأشاعرة لهم، إذ يقولون لهم: تأويلنا واجب، أي: عندما نؤول اليد أو العين أو القدم أو أي صفة أخرى، فإن ذلك واجب حتى ننفي عن الله التشبيه، والأشاعرة متفقون معنا على أن تأويل الباطنية كفر، فيصبح هذا تحكماً، أي: تأويل الأشاعرة واجب ودين وعقيدة، والذي يخالفها ليس من أهل التوحيد، ولذلك يسمون أهل السنة مشبهة و مجسمة، وينبزونهم بالألقاب كعادة أهل البدع في كل زمان ومكان، كأن ينسبونهم إلى رجل أو إلى صفة مذمومة أو إلى عمل قبيح، فإن قال: أنتم أخرجتم النصوص عن ظاهرها، قالوا: وأنتم أخرجتموها عن ظاهرها، فإن قالوا: هذه نصوص عندنا احتمال صارف راجح، قالوا: ونحن عندنا الصارف أيضاً راجح، فأي جواب يقوله الأشعرية تقول به الباطنية ، ولذلك فإن الحق أن تسد الذريعة، وأن يقفل الباب، وأن يقال القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في الرسالة التدمرية : إذا سألونا: هل ظاهر النصوص مراد أم غير مراد؟ فالجواب: إن كان مرادكم بالظاهر ما تفهمونه أنتم من التشبيه؛ لأنه ليس في الآيات ولا في الأحاديث تشبيه، لكن يقول لك: قوله تعالى: (( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ))[المائدة:64] لا يثبت على ظاهره، فنقول: ماذا تقصد بكلمة: الظاهر؟ إن كان الظاهر هو أن لله تبارك وتعالى يدين كيدي المخلوقين، فهذا لا يدل عليه النص، وأنت فهمت النص خطأ، وإن قال: أعني بالظاهر إثبات الصفة لله، قلنا: نعم نثبت الصفة لله، نثبت اليدين لله، وهذا الظاهر مراد، والله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بكلام عبث في أي أمر من الأمور، فكيف بأعظم الأمور، وأشرف المعارف والعلوم، وأرفعها وهو ما يتعلق بمعرفة الله تبارك وتعالى؟! لا يمكن أن يكون الكلام فيه إلا محكماً غاية الإحكام والإتقان، ولهذا نقول: إن أحاديث الصفات وآياتها ليست من المتشابه، بل هي من المحكم؛ لأنها أجلى وأوضح ما في هذا الدين، بل ليس فيها أي إشكال، والشبهة أو الخلل إنما جاء من فهم بعض الناس، مثل: الأعرابي الذي دخل على ربيعة أو على مالك فقال: كيف استوى؟ فجاءه الخلل في عقله هو، فقال مالك : [ الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ]. ثم قال: أخرجوه من الحلقة؛ لأنه مريض، وسيعدي الآخرين الذين عافاهم الله من هذا الداء، ولذلك فالخلل جاء من فهمه هو، والناس قبله وبعده يقرءون هذه الآية، ويقرءون أي حديث أيضاً، أو أي آية في الصفات، ولا يفهمون منها مشابهة الله تبارك الله تعالى أو مماثلته لخلقه.
  4. كلام ابن رجب في معنى قوله: (وما ترددت عن شيء أنا فاعله...)

     المرفق    
    يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: (قوله: ( وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته )، فالمراد بهذا: أن الله تعالى قضى على عباده بالموت كما قال تعالى: (( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ))[آل عمران:185] والموت هو مفارقة الروح للجسد، ولا يحصل ذلك إلا بألم عظيم جداً، وهو أعظم الآلام التي تكون في الدنيا)، وكل ألم تخيله عقلك فالموت أعظم منه، وكل ما ينزل بك في عضو من أعضائك، وتجد شدته عليك، فشدة الموت أعظم منه؛ لأنه يشمل البدن والأعضاء كلها، والموت أكبر واعظ، بل لو تأمل العقلاء في هذه الدنيا لوجدوا أن الموت حقيقة كبرى لا يمكن لأي عاقل أن ينكرها، أو يماري فيها، المؤمن أو الكافر، العالم أو الجاهل، ولا يستطيع أن ينكر الموت أحد، وأنه لن يموت، وأن الموت لن يقع به أو بغيره، وما من أحدٍ إلا وبينه وبينه الموت نسب، والموت حق، ويجب أن يكون كل واحد من الناس لا يماري في هذا، ويترتب على ذلك طريقان: فأما المؤمن فإن الموت واعظ له، وكفى بالموت واعظاً، إذاً فلماذا أعصي الله عز وجل؟ ولماذا أرتكب ما حرم الله؟ ولماذا أغفل عن طاعة الله؟ العمر الذي يمضي ويطويني مراحل كل يوم تقربني من ماذا؟ إنها تقربني من الموت وتباعدني عن الحياة، فنحن نظن أن أعمارنا تزيد وهي في الحقيقة تنقص، وبالتالي لابد أن أعمل وأجتهد لما بعد الموت، بينما الكافر بخلاف ذلك؛ فإنه يوقن بالموت ويعلم به، لكن يدفعه ذلك -عياذاً بالله- إلى الانغماس في الشهوات، وترك الالتزام بأمر الله، بل بعضهم يصرح إذا قيل له: يا أخي! لماذا هذه الشهوات وهذه الغفلة؟ يقول: أنا سأموت، فدعني أتمتع بحياتي، حتى بعض العوام والغافلين يقولونها، وأكثر الناس في غفلة إلا من رحم الله، فجاءه الشيطان فقلب عليه القضية، وأصبح يقول: ما دمت سأموت، إذاً لابد أن أغتنم العمر في معصية الله، عكس ما يجب أن يكون، كما قال الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد :
    إذا كنت لا تسطيع دفـع منيتي            فدعني أبادرها بما ملكت يدي
    فهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة كل غاية منيتهم الدنيا، والله تعالى جعل الناس على نوعين: (( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ ))[هود:15] وهؤلاء هم الطرف الأول، وأما الآخر ففي قوله تعالى: (( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ))[الإسراء:19]، فهذا الذي يريد الدار الآخرة، فهو يسعى لها سعيها، ويستفيد من هذه الحياة الدنيا ليعمرها بالخير الذي يلقاه عند الله.
    إذاً: فـ الموت كحقيقة يؤمن بها الجميع، لكن فرق كبير جداً بين ما يبني المؤمن على هذه الحقيقة ويعمل، وبين ما يبني الكافر عليها.
    1. أثر الحسن: (ما رأيت يقيناً لا شك فيه...)

      قال الحسن رحمه الله: [ ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت ]. أي: كل الناس موقنين بالموت، فهو يقين لا شك فيه، فالواجب أن يكون ذلك دافعاً وحافزاً على الطاعة، والإنابة واغتنام الوقت والعمر، وكل لحظة ودقيقة لابد أن تكون فيما يقربك إلى الله، لكن الناس جعلوه كأنه لا يقين فيه، ولو سألت أي واحد ممن يؤمن بالموت: أتؤمن بالموت؟ فيقول: أنا أؤمن بالآخرة، وأن الله تعالى يبعث من في القبور، وأنه يحيي الموتى، وأنه على كل شيءٍ قدير، وفي كل صلاة نقول بعدها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، فالكلام نظرياً مؤمن به لا نقاش فيه، فهو يؤمن بالموت وبالبعث، لكن إن نظرت إلى حياته ستجد أنه يحلم ويخطط ويتكلم كلام من قال الله تبارك وتعالى فيهم: (( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ ))[الحجر:3]، فهو لا يدري، وهو غافل في هذا الأمل الطويل جداً، فيهرم ابن آدم ويشيب ويشبُّ معه اثنان: الحرص وطول الأمل، وبعد ذلك أي جيل حي يظن أن ما قبله من الأجيال ما هي إلا أخبار، والمستقبل يمكن أن لا يأتي، أي: أن الدنيا هي نحن، والحياة هي نحن، والكون هو أنا، وعمري أنا هو الدنيا، وتفكير أكثر الخلق هو هذا، بينما حقيقة الأمر أن الله تعالى جعلنا خلائف، أي: عبارة عن خط في سلم أو مسطرة، أو رقم من هذه الأرقام، وقبلك من عاش كان يظن مثل ظنك ويؤمَّل كأملك، بل حتى ذكر الله تعالى ما هو أشد من هذا: وهو أن الذين من قبل: (( َأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ))[الروم:9]، فماذا تظنون؟ لنفرض أن المخاطبين هم كفار العرب، فماذا عملتم؟ بنيتم الكعبة؟ يمكن أن هذا أكبر بناء بناه العرب، أو دار الندوة، فأين هي من عاد، إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، وما شادت وما بنت؟ أين هي من ثمود: (( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ))[الفجر:9]، أي: قطعوا، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين، فماذا فعلتم أنتم يا معشر قريش؟! ولهذا خاطب هود عليه السلام قومه عاداً فقال: (( أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * (( وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ))[الشعراء:128-130]، و هم الذين قالوا: (( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ))[فصلت:15]؟ أي: هل هناك من هو أقوى منا؟ فهذا هو غرور الكافرين، قال تعالى: (( إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ))[الملك:20]، سواء كانوا دولة من الدول، أو مجتمعاً من المجتمعات، فتقول له: انتبه! نخشى عليكم، نخاف عليكم، فسيقول لك: أهناك أقوى منا؟ أهناك أشد منا قوة؟ فهم كعاد يقولون: من الذي يمكن أن يحاربنا؟ لا الروم ولا الفرس ولا الهند ، بل لا يقفون أمامنا ولا لحظة، وكل الأمم التي كانت حولهم في العالم تلك الفترة، يرون أنفسهم أنهم أقوى شيء، ونسوا أن الله الذي خلقهم وأعطاهم القوة، هو أقوى منهم، ولذلك لا يبالي الناس، ونحن ننظر اليوم دول الكفر الظالمة الباطشة الطاغية، إن خوفتها وذكرتها بالله تقول: تخوفنا من ماذا؟ هل هناك دولة أقوى منا؟ فلا يمكن أن يصدقوا أن هناك أقوى منهم؛ لأنهم ينسون قوة الله، قال تعالى: (( نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ))[الحشر:19]، فهذا الغرور يقع، فكل جيل ينسى، سواء كان أمة أو فرداً، فالأمة تنسى ما حدث للأمم قبلها، والفرد ينسى ما حدث للأفراد من قبله، والحياة عنده هي حياته هو، ولهذا يتكلم عن آبائه على أنهم أحاديث قد انتهت، وأولاده يقول: هؤلاء أطفال، بينما ولادة الطفل أو وجوده معناه: ابتعد أنت عن الطريق، فأنت تبني البيت له، فهو الذي سيرث البيت والشركات والأعمال، فالولد ينظر أن هذا البيت بيته، وهذا الملك ملكه، وهذا الشغل شغله، والأب يرى أن الدنيا كلها ملكه، حتى لو كان عمره ثمانين سنة، وأولاده على ستين سنة، وهكذا الغرور، لكن في آخر الأمر من بيتك الذي بنيت، أو بيوتك الكثيرة وعمائرك الكثيرة التي بنيت وتعبت فيها، إذا كانوا من المحسنين الطيبين أعطوك غرفة الشايب، وأحضروا لك خادماً، وهم بذلك يعتبرون من الأبناء البارين، أما الشركات والمؤسسات والأعمال فهذه ملكهم، أي: ملك الأبناء، والوالد قد كبر في السن وهرم وخرف، ولم يبق له إلا غرفة واحدة، وهكذا العبر عظيمة لكن لا أحد يعتبر؛ لأن الأب هذا هو نفسه كان ينظر إلى أبيه نفس النظرة، وكذلك الأبناء، وقليل من وفقه الله وأدرك أهمية الموت، وكان له دافعاً إيجابياً، ونحن لا نقول: الموت بالمفهوم الصوفي، أو بمفهوم أبي العتاهية وأمثاله، أي: ما دام أننا سنموت فلا نعمل ولا نتزوج ولا نتاجر ولا نكدح ولا نشتغل، فهذا ليس من ديننا في شيء، إذ إن الموت عندنا يؤدي إلى عمل إيجابي، من التقوى والاجتهاد والسعي والحرص على ما ينفع، والاستغناء عن الخلق، والعمل لدنياي ولأهلي ولأقاربي، بل على عامة المسلمين وفقرائهم ما استطعت، وكل ذلك وأنا موقن بأنني مستخلف في هذا المال، وأن العمر محدود، وأنه محسوب عليَّ، وأنه لا بد أن أتقي الله تبارك وتعالى فيه، وهذه المسألة لا تخفى، لكن الواجب التذكير بها، فيقول: الشاهد أن ألم الموت عظيم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياكم على سكرات الموت.
    2. الآثار الواردة عن السلف في صفة الموت

      ‏يقول ابن رجب: (قال عمر لـكعب : [ أخبرني عن الموت. فقال: يا أمير المؤمنين! هو مثل شجرة كثيرة الشوك في جوف ابن آدم، فليس منه عرق ولا مفصل، وهو كرجل شديد الذراعين، فهو يعالجها ينتزعها ] فكبى عمر). أي: هذه الشجرة داخلة في كل عرق وفي كل مفصل، ورجل قوي جداً يريد أن يقتلع الشجرة، فينتزع الحياة من كل عرق، ومن كل عصب، ومن كل مفصل، فهذه هي شدة الموت نسأل الله أن يعيننا وإياكم.
      قال: ( [ ولما احتضر عمرو بن العاص سأله ابنه عن صفة الموت، فقال: والله لكأن جنبي في تخت، ولكأني أتنفس من سم إبرة -أي: خرم إبرة- وكأن غصن شوك يجر به من قدمي إلى هامتي ] ). هذا وصف الموت كما وصفه عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، وهو من أبلغ العرب وأفصحهم، فالموت عظيم وشديد وأليم.
      قال: (وقيل لرجل عند الموت: كيف تجدك؟ فقال: أجدني أجتذب اجتذاباً، وكأن الخناجر مختلفة في جوفي، وكأن جوفي في تنور محمي يلتهب توقداً) -نسأل الله العفو والعافية- فهذه والله حال الإنسان عند الموت، فليعد كل منا لهذا اليوم عدة وجواباً.
      قال: (وقيل لآخر عند الموت: كيف تجدك؟) وتأمل كلامهم قبل أن يدخلوا في شدة السكرات، فلا يستطيع أن يتكلم، (فقال: كأن السموات منطبقة على الأرض عليَّ، وأجد نفسي كأنها تخرج من ثقب إبرة). ولذلك وصف الموت شديد على أية حال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من ذلك وقال في الحديث الصحيح: ( إن للموت لسكرات ).
    3. كراهية البشر للموت باعتبارات عدة

      يقول: (فلما كان الموت بهذه الشدة، والله قد حتمه على عباده كلهم، ولا بد لهم منه، والله تعالى يكره أذى المؤمن ومساءته، سمى ذلك تردداً في حق المؤمن). فهل هذا هو الاعتبار الوحيد أن الموت شاق وشديد؟ نعم، لكن هناك اعتبار آخر هو: هل الناس يكرهون الموت؛ لأنه شاق وشديد فقط؟ نعم؛ لأن فيه مفارقة الحياة، ولذلك بما أغرى إبليس أبوينا آدم وحواء فقال لهما: (( هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ))[طه:120] فسبحان الله! هذه نزعة موجودة من غير أن يفكر، ما دام فيها خلود، إذاً اندفع ونسي ما كان قد أعطاه الله وأوصاه الله به، أي: حب الحياة، حتى لو لم يكن في الموت مشقة، وكثير من الغربيين مخدوعين في هذا؛ لأن عندهم أنواع يسمونها: الموت المريح، وفي الحقيقة لا شيء مريح في ظاهر الأمور، لكن الموت المريح هو موت المؤمن الذي وفقه الله سبحانه وتعالى، وإن كان أيضاً لا يكره شدته للمؤمن كما سنرى إن شاء الله، لكن المقصود في نظر بعض الناس عضوياً أو ظاهرياً أن هناك موتاً مريحاً، أي: غرفة غاز يموت بهدوء ويرمونه وانتهى، إن الأمر ليس كذلك، إذ إن فيه انقطاع للحياة وللذة، والحياة محبوبة لدى البشر جميعاً، فأكثر البشر يكرهون الموت لأن فيه مفارقة المحبوب، وهم يحبون هذه الحياة ويتشبثون بها على ما فيها، وهذا حال أكثر الناس، وليس فقط لمجرد أن الموت فيه شدة، حتى لو لم يكن فيه شدة، فإنهم يكرهونه لما فيه من المفارقة، فهذا هو الاعتبار الآخر، فإذاً الناس جميعاً يكرهون الموت؛ لأنهم يفارقون الحياة، وحب الحياة أمر فطري راسخ في أنفسهم، فالمؤمن الولي يكره الموت بهذا الاعتبار، حتى من باب أنه يحب الحياة ليطيع الله، وهذا أيضاً اعتبار وجيه، فأنا أحب أن أعيش لأعبد الله، والمهم أنه يكره الموت، ولكن لا بد له منه، فهنا صار التردد.
    4. تخيير الله لأنبيائه قبل قبض أرواحهم

      قال: (وأما الأنبياء فلا يقبضون حتى يخيروا) أي: وهذا أخذه من عموم ما تقدم، فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم هم بمنزلتهم عند الله عز وجل، لا يحتاج أن يكون هذا التردد، فهم يحبون لقاء الله ومشتاقون له، وهذه حالة غير حال بقية الخلق، إذ إن بقية الخلق يؤثرون أو يحبون الدنيا ولو نوعاً من الحب، فلا يكون ذلك في حقهم كالأنبياء.
      يقول: (قال الحسن : [ لما كرهت الأنبياء الموت هون الله عليهم بلقائه ] )، إذاً فالأنبياء مثل بقية البشر في كراهية الموت، لكن هون الله عليهم بمحبته لهم بلقائه، لما أحبوه من تحفة وكرامة، حتى أن نفس أحدهم تنزع من بين جنبيه وهو يحب ذلك لما قد مُثل له.
      قال: (وقالت عائشة : ( ما أغبط أحداً يهون الله عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عنده قدح من ماء -جاء في بعض الروايات عند البخاري وغيره: ركوة، وفي بعضها: علبة- فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل يده في القدح أو في الركوة أو في العلبة، فيمسح وجهه، ويقول: اللهم أعني على سكرات الموت، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ) ) فأم المؤمنين عائشة قالت: [ فلا أغبط أحداً أو لا أكره شدة الموت لأحد ]. أي: لا تغبط أحداً أن الموت هان عليه وسهل، ولا تكره شدة الموت لأحد تحبه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أحب الخلق إلى الله، وأعظمهم درجة عنده، قد عانى من سكراته.
      فهي نظرت إلى هذا، وهذا من فقهها رضي الله تعالى عنها، ولذلك يقول الشيخ كما في الحديث المرسل: كان بعض السلف يستحب أن يُجهد عند الموت.
  5. إدراك حقيقة الموت

     المرفق    
    وذكر بعض القصص ممن مات وهو يكتب الحديث، ومثل هذه الحالات لا نقول: إن كل الأولياء يعيشونها، لكن هي حق، أو قد تثبت في حق البعض، أي: أنه تهوَّن عليه سكرات الموت، ويلقى الله تبارك وتعالى في حالة يتعجب الناس كيف لقي الله بها؟! حتى من المعاصرين -والحمد لله- ممن نظنهم ونحسبهم ولا نزكيهم على الله، فيقبض روحه وهو ساجد، وهو جالس يقرأ القرآن، إنه شيء عجيب جداً، مع أن بعض الناس يتحرك ويستمر، بل ربما ساعات أو أياماً وهو في حالة كرب شديد، وهذا من كرامة الله تبارك وتعالى، وتكريمه لبعض أوليائه، فالمقصود من هذا كله: أننا ننظر إلى هذه الكرامة التي جعلها الله تبارك وتعالى لعبده المؤمن، وهي في قوله: ( وما ترددت في شيءٍ أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، هو يكره الموت وأنا أكره مساءته ) وأن نأخذ العبرة من هذا، بأن نجتهد في طاعة الله تبارك وتعالى، ونجتهد لننال ولاية الله عز وجل التي من ثمراتها هذا الأمر، وإلا فالموت كما قال الشاعر:
    ولو أنا إذا متنا تركنـا            لكان الموت راحة كل حي
    فأكثر الناس في الدنيا معذبين، حتى أهل المال والملك والمناصب والجاه، فلو كان الموت نهاية الأمر لكان راحة، قال الشاعر:
    ولكنا إذا متنا بعثنا             ونسأل بعدها عن كل شيء.
    فالمشكلة ما بعد الموت، وإن كان أكثر الناس يخاف من الموت فقط؛ لما فيه من انقطاع الملذات، ولا ينظر إلى ما بعده، ولا يخاف من الحساب الذي بعده، لذا فالواجب علينا أن ندرك هذه الحقيقة، وأن نعلم جميعاً أن الموت حق، وأن نعلم جميعاً أننا سنموت لا كما يعتقد أكثر الخلق أن الحياة مجرد انتهاء دنيا، ولكن هذا أول منازل الآخرة، أي: أن القبر أول منازل الآخرة، وهناك السؤال عن هذا العمر كما في الحديث: ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به )، فلابد من أن نجعل هذه الحياة -كما جعلها الله تبارك وتعالى- دار متاع وممر، فنأخذ من ممرنا لمقرنا، ونجتهد لطاعة الله سبحانه وتعالى، ونجعل من ذكرى الموت حافزاً ودافعاً لنا على الخير، وعلى الجهاد في سبيل الله، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى قول كلمة الحق، لا كما يقول الصوفية وغيرها، بل لابد أن نجعل الموت حافزاً لنا، وما دام أن الموت بيد الله فلماذا نخاف من غير الله؟ (( وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ))[الزمر:36].
  6. فوائد تذكر الموت

     المرفق    
    إذاً نقول الحق، نجتهد في طاعة الله، نعلي كلمة الله، نجاهد في سبيل الله عز وجل، ننشر دين الله بكل ما نستطيع، وإذا أهمنا أي أمر نذكر الموت؛ لأن ذكر الموت يهون كل مصيبة، وهذه من فوائد ذكر الموت -وهي كثيرة- فإذا فاتك شيء من الدنيا حزنت وتألمت، لكن إن تذكرت الموت فإن المصيبة تهون عليك، ولهذا كان الناس يكتبون على بيوتهم أو على أمورهم:
    نفسي التي تملك الأشيـاء ذاهبة             فكيف أبكي على شيءٍ إذا ذهب
    فلو ذهب شيء فأنت إلى موت، وأي شيء يحدث لك فالموت يهونه. ومن فوائد الموت أيضاً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الجنازة، أو ذكر حال أهل الجنائز: ( مستريح ومستراح منه )، فلولا الموت ما حصلت مستريح أو مستراح منه، إذ إن كل من يخرج من هذه الدار إما مستريح، أي: خرج من دار النكد والهم والغم والمحنة والابتلاء والفتنة إلى الراحة إلى الجنة، وإما مستراح منه، أي: فاجر شرير، وأول من استراح منه أهله وجيرانه وزملاؤه، بل كل من كان تحت يده ممن قد يظن أنهم أقرب الناس إليه، فيقولون: ارتحنا من ذلك الرجل، وإن كانوا لا يظهرونها، لكن واقعهم يقول ذلك، ولهذا انظروا الفرق بين الأثر الصالح والأثر الخبيث، قال تعالى: (( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ))[يس:12]، وقد كان بعض السلف الصالح يتصدق، وكانت حياتهم لله، وما كانوا مثلنا، بل يعملون أعمال بر خفية لا يعلم بها أحد، بل لا يعلم الناس من كان يتصدق عليهم إلا إذا مات، فالأرملة تلك لم يعد يأتيها أحد، وقد كانت تقول: كان أحدهم يطرق عليَّ الباب في الليل، ولا أدري من هو؟ وهذا يقول: كنت أمشي فأجد شيئاً في الطريق، وهذا يقول كان واحد يقدم لي كذا، فانقطعت الأعمال الخيرية لما مات فلان، فعرفوا أنه هو.
    وفي المقابل بعض الناس يقول: كان يأتيني أذى، مصائب، ثم بعد ذلك ارتحت، فجلست أفكر فعرفت أن فلاناً قد مات، فقلت: ارتحنا منه، وهكذا الدنيا مستريح قدم الخير والناس يذكرونه بالخير، ومستراح منه بموته وانقطع الشر عن الخلق، وبالتالي فالموت خير ومصلحة، وفيه حكم عظيمة، والواجب علينا نحن المؤمنين بالله وباليوم الآخر أن نجعل من هذا الموت حافزاً ودافعاً على الخير، وعلى العمل الصالح، وأن نذكر أنفسنا وإخواننا وأهلينا دائماً به، ولنذكر تلك الوصية الجامعة: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء)، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) فهذه الدنيا ليست دار قرار، وإن وسع الله عليك ما وسع، وإن جمعت ما جمعت، لكن خذ منها وتزود منها، ونعم المال الصالح للعبد الصالح، لكن ليست لك بدار قرار، فأعد العدة لما عند الله تبارك وتعالى، وبهذا المعنى يصبح الموت واعظاً وزاجراً عن ارتكاب ما حرم الله، أو الغفلة عن طاعة الله، وفي نفس الوقت يصبح حافزاً ودافعاً لأعمال من الخير والبر، لكن قد يقول قائل: أخشى أن أموت الليلة، ولم أجاهد، ولم أقل الحق، ولم آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.
    إذاً قدِّم أعمالاً صالحة، فإن خوفت من دون الله، فوالله ما تدري إذ يمكن أن يأتيك الموت من عند الله قبل أن تأتيك الفتنة التي يُظن أن الناس يفتنونك بها، وبالتالي فلماذا تخاف؟!
    ولذلك كان دعاة الخير والإصلاح في جميع العصور بمقدار إيمانهم باليوم الآخر، فيقدمون على قول الحق بالحكمة -وهذا قيد لا يحتاج أن نكرر ذكره- موقنون بأن الله تبارك وتعالى هو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو الذي عنده خزائن كل شيء، وهو الذي (( مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ))[هود:56]، وهو الذي يدبر الأمر، وكل شيء بيده، وبالتالي إذا أمرنا بأمر فلا بد أن نطيعه، وأن ندعو بدعوته، وأن ننفذ أمره ولن يضيعنا، ولذلك كما نرى في حياتهم أنهم دعوا إلى الله، فمنهم من قتل، ومنهم من أحرق كما فُعل بأصحاب الأخدود، وكل نبي قد ابتلي وأوذي، وفي النهاية تكون لهم العاقبة، فيموتون ولكن يموت أعداؤهم، ولو فرضاً -وهذا قليل- أن أعداءهم انظروا وأُمهلوا بعدهم؛ فإنهم لا بد أن يموتوا أيضاً, ولكن فرق عظيم جداً، ولهذا لما ذكر ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين أبيات الطبيب أبي زكريا الرازي الملحد، إذ إنه شبه الورود: (أن الناس كلهم مثل من سافر إلى مدينة وما دخلها، وكذلك الموت؛ إذ إن الناس سافروا فدخلوا مدينة وانتهى الأمر)، يقول ابن القيم رحمه الله: (يا ويل! هذا المسكين، هل قادم كقادم؟) أي: لو كنت عند بوابة جدة ، وهناك أناس قادمون من الخارج، فكلهم داخلين البلد، لكن منهم من يأتي وهو معزز مكرم، ينصب -مثلاً- ملكاً أو أميراً، أو سيتزوج في ليلته، أو له ثروة عظيمة، ومنهم من يدخل مغلولاً ذليلاً مقيداً، ففي الظاهر أن الناس كلهم يموتون فيخرجون من الدنيا، لكن الورود أو القدوم مختلف، فليست العبرة بما يظهر فقط من الحال أن كل الناس يموتون، وبالتالي يفعلون ما يشاءون، لا، ففرق بين موت وموت، وبين حياة وحياة، وبين قدوم وقدوم، والعاقل يتخير والله سبحانه وتعالى أعطاه العقل، فليختر العاقل خير السبيلين: (( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ))[الإنسان:3]، فليختر كل واحد منا، وأوصي نفسي وإخواني -وهذا ما لا يخفى على أحد منكم إن شاء الله- أن نختار طريق الحق والخير والصلاح وما يقربنا من الله تبارك وتعالى؛ لننال ولاية الله.
    وبهذا نكون قد انتهينا من شرح حديث الولي ضمن موضوع الولاية، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعاً من أوليائه الصالحين، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.
  7. الآثار التي ذكرها ابن رجب عن السلف في الموت

     المرفق    
    1. أثر النخعي: (كانوا يستحبون أن يجهدوا عند الموت...)

      وقال النخعي: كانوا يستحبون أن يجهدوا عند الموت -إذاً بهذا الاعتبار- وكان بعضهم يخشى من تشديد الموت أن يفتن. لأنه عياذاً بالله قد يدفعه ذلك إلى الضجر فيفتن، وخاصة إذا أتاه الشيطان، نسأل الله أن يعصمنا وإياكم من شره ويعيذنا من فتنته.
      يقول: (وإذا أراد الله أن يهون على العبد الموت هونه عليه).
      وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان من الله وكرامة، فليس شيءٌ أحب إليه مما أمامه، وأحب لقاء الله فأحب الله لقاءه ).
    2. أثر ابن مسعود: (إذا جاء ملك الموت...)

      قال ابن مسعود : [ إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال له: إن ربك يقرؤك السلام ].
    3. أثر محمد بن كعب: (يقول له ملك الموت: السلام عليك...)

      وقال محمد بن كعب : [ يقول له ملك الموت: السلام عليك يا ولي الله! الله يقرؤك السلام، ثم قرأ: (( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ))[النحل:32] ].
    4. أثر عمر بن عبد العزيز: (ما أحب أن تهون علي سكرات الموت...)

      قال عمر بن عبد العزيز : [ ما أحب أن تهون علي سكرات الموت، إنه لآخر ما يكفر به عن المؤمن ]. فهو نظر من هذا الملحظ، أي: فما دام أن هذا الألم هو آخر شيء يألم به المؤمن، وما بعدها إلا البشرى، قال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ))[فصلت:30]، وبالتالي فلا يوجد خوف أبداً، فآخر ألم وأذى، وآخر ما يتعرض له مما يكره هو ذلك.
      فإذاً لو أنه اشتدت عليه السكرات، وتحمل كثيراً من الأذى والألم، فهو زيادة في رفع الدرجة أو في التكفير من الخطايا، فهذا ملحظ لبعض السلف لا الكل، وهي وجهة نظر يراها بعضهم.
    5. أثر زيد بن أسلم: (تأتي الملائكة للمؤمن ...)

      وقال زيد بن أسلم : [ تأتي الملائكة للمؤمن إذا احتضر وتقول له: لا تخف مما أنت قادم عليه، فيُذهب الله خوفه، وتقول: ولا تحزن على الدنيا وأهلها وأبشر بالجنة ].
      فقوله: (أن لا تخافوا) أي: مما أمامكم، (ولا تحزنوا)، أي: على ما وراءكم، (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) قال: فيموت وقد جاءته البشرى.
    6. حديث عبد الله بن عمرو: (إن الله أظن بموت عبده المؤمن...)

      وخرج البزار من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله أضن بموت عبده المؤمن من أحدكم بكريمة ماله حتى يقبضه على فراشه ).
    7. حديث زيد بن أسلم: (إن لله عباداً هم أهل المعافاة...)

      وقال زيد بن أسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن لله عباداً هم أهل المعافاة في الدنيا والآخرة ).
    8. أثر ثابت البناني: (إن لله عباداً يظن بهم ...)

      وقال ثابت البناني : [ إن لله عباداً يظن بهم في الدنيا عن القتل والأوجاع، يطيل الله أعمارهم، ويحسن أرزاقهم، ويميتهم على فرشهم، ويطبعهم بطابع الشهداء ]. عدة روايات، وفي الحديث الآخر: ( إن لله ظنائن من خلقه يأبى بهم عن البلاء، يحييهم في عافية ويميتهم في عافية، ويدخلهم الجنة في عافية ) فهذا نوع آخر، أي: اصطفاء من الله تبارك وتعالى لنوع من الناس فلا يؤذى، ولكنه كما قال الشاعر:
      تمشي رويداً             وتجي في الأول
    9. أثر ابن مسعود: (إن موت الفجأة تخفيف عن المؤمن)

      وقال ابن مسعود وغيره: [ إن موت الفجأة تخفيف عن المؤمن ]. وموت الفجأة ليس في ذاته دليل على أن هذا مؤمن أو أنه فاجر، وإنما هو راحة للمؤمن من سكرات الموت، إذ إن الله عافاه وأراحه فجأةً، وإن كان منافقاً فاجراً فقد اخترمته المنية ولم يمهل ليتوب.
      إذاً: حتى موت الفجأة له محملان: فهو في حق هذا فيه خير، وفي حق هذا غير ذلك، لكن عموماً السلف لهم ملحظين: فمنهم من لاحظ أن هذا تخفيف، وهو آخر ما يبتلى به المؤمن، فأحب ذلك ولم يكرهه؛ لأنه يعلم أنه يتعب مهما اشتد التعب، ويكون بعده البشرى والراحة التي لا تعب بعدها، فنظر إلى ما بعد ذلك فهان عليه ما قبله، لكن الآخرون قالوا: نحن لا نريد هذه الشدة، ونخاف أن نفتن، ونسأل الله العافية، ونسأل الله التخفيف، فنظروا إلى الأصل الذي نعرفه جميعاً.
    10. أثر أبي ثعلبة الخشني: (إني لأرجو أن لا يخنقني...)

      ولهذا يقول أبو ثعلبة الخشني : [ إني لأرجو أن لا يخنقني كما أراكم تخنقون عند الموت ]. وكان ليلة في داره فسمعوه ينادي: يا عبد الرحمن ! وكان عبد الرحمن قد قتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتى مسجد بيته فصلى فقبض وهو ساجد، والشاهد أن الله تعالى استجاب دعاءه ولم يخنق أو يتعب، وقبض جماعة من السلف في الصلاة وهم سجود، وكان بعضهم يقول لأصحابه: إني لا أموت موتكم، ولكن أدعى فأجيب. وهذه من الكرامات، وكان يوماً قاعداً مع أصحابه فقال: لبيك ثم خر ميتاً، وكان بعضهم جالساً مع أصحابه، فسمعوا صوتاً يقول: يا فلان! أجب، فهذه والله آخر ساعتك من الدنيا، فوثب فقال: هذا والله منادي الموت، فودع أصحابه وسلم عليهم، ثم انطلق نحو الصوت وهو يقول: سلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.