المادة كاملة    
لقد رد كثير من أهل البدع كثيراً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم لما أعيتهم، وفقدت شبههم، فاخترعوا الحيل، واصطنعوا الشبهات لردهم ذلك، فادعوا أنهم لا يقبلون إلا المتواتر من الأخبار، وأما الآحاد فلا؛ لأنها لا تفيد اليقين والقطع، والعقيدة عندهم مبناها على اليقين والقطع.
  1. الأدلة على أن خبر الواحد يفيد العلم

     المرفق    
    ‏الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    هنا يذكر ابن القيم الأدلة تفصيلاً؛ وإن كان في بعضها تكرار لما سبق قبل، فيقول: (ومما يبين أن خبر الواحد العدل يفيد العلم أدلة كثيرة).
    1. الدليل الأول: المسلمون وخبر قباء

      قال: (أحدها: أن المسلمين لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة الصبح أن القبلة قد حوّلت إلى الكعبة؛ قبلوا خبره، وتركوا الحجة التي كانوا عليها، واستداروا إلى القبلة، ولم ينكر عليهم رسول الله عليه وسلم، بل شُكروا على ذلك، وكانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى فلولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم بخبر لا يفيد العلم).
      وهذا دليل واضح، فالصحابة رضي الله تعالى عنهم علموا وفهموا أن خبر الواحد يفيد العلم، فالقبلة ليست بالأمر الهين، فهي أمر عظيم، وهم على قبلة متعينة مقطوع بها، صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، وعلمهم ذلك، فكانوا متوجهين إلى بيت المقدس ، فجاء الواحد العدل وناداهم وأخبرهم أن الله أوحى إلى نبيه أن القبلة قد حولت إلى الكعبة فاستداروا وعملوا بهذا الخبر ، وهو خبر واحد، فدل ذلك على أن خبر الواحد حجة، وأنه يفيد العلم اليقيني؛ فهم لم يتحولوا عن اليقين الذي هم عليه إلا بخبر أفادهم اليقين، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يعنفهم على ذلك، فلو كان الإنسان لا يترك اليقين إلا بيقين؛ بحجة أن الخبر الوارد ظني وآحاد -وهو كذلك- لما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولقال: كيف تتركون اليقين الذي أنتم عليه لخبر آحاد ظني يحتمل الخطأ والصواب؟
    2. الدليل الثاني: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ...)

      قال: (الدليل الثاني: أن الله تعالى قال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ))[الحجرات:6]، وفي القراءة الأخرى: (فتثبتوا)، وهذا يدل الجزم بقبول خبر الواحد؛ لأنه لا يحتاج إلى التثبت) إذا كان عدلاً، فالله تبارك وتعالى أمرنا أن نتثبت وأن نتبين في الفاسق، فإذا تبين لنا في خبر الفاسق أنه حق عملنا به، إذاً إذا أخبرنا العدل الصادق فإنا نقبل خبره ولا نتثبت.
      قال: (ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم، ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح) وهذا يصلح أن يكون دليلاً مستقلاً (رضي الله تعالى عليهم وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون قال رسول صلى الله عليه وسلم كذا، وفعل كذا، وأمر بكذا، ونهى عن كذا) وهذا مبني على أنهم بلغهم في ذلك خبر عنه صلى الله عليه وسلم.
      قال: (وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة، وفي صحيح البخاري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عدة مواضع وكثير من الأحاديث الصحاح يقول فيها أحدهم أيضاً: قال رسول صلى الله عليه وسلم، وإنما سمعه من صحابي ولم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه شهادة من القائل) أي: من الصحابة فمن بعدهم وجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال، أو فعل، أو أمر، أو نهى، وهذا دليل على أن خبر الواحد لا يفيد العلم عندهم.
    3. الدليل الثالث: جزم أهل العلم بنسبة أخبار الآحاد الثابتة إلى رسول الله

      قال: (الدليل الثالث: أن أهل العلم بالحديث لم يزالوا يقولون صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك جزم منهم) أو يقولون: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، أو نهى عن كذا، أو أمر بكذا، وما بنوا ذلك إلا على صحة ثبوته سنداً ومتناً، وقد يكون من طريق واحد فقط، فدل ذلك على أن هؤلاء العلماء ينسبون ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبر الآحاد مجزوماً به من غير تردد، ولا تثبت، إذاً فهو عندهم يفيد العلم.
    4. الدليل الرابع: قوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة...)

      قال: (الدليل الرابع: قوله تعالى: (( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ))[التوبة:122]).
      ووجه الاستدلال بالآية في قوله تعالى: (طائفة)، ثم قوله: (وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ)، فالطائفة تطلق على الواحد مضاعفاً الواحد والاثنين والثلاثة يقال لهم: (طائفة)، فلو أن قبيلة من العرب لم يأتِ منها إلا رجل واحد يتعلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفى ذلك في إقامة الحجة عليهم، ولو كان واحداً.
      يقول الشيخ: (والطائفة تقع على الواحد فما فوق) والإنذار المذكور في قوله تعالى: (وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ): هو الإعلام بما يفيد العلم، فلو كان الإنذار لا يفيد العلم لما كان له فائدة، فدل ذلك على أن الواحد فأكثر، أو الاثنان أو الثلاثة إذا أنذروا عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك حق، وأن هذا مما حض الله تبارك وتعالى عليه، وبين الحكمة فيه وهي: أن المؤمنين لا يستطيعون أن ينفروا كافة، ولكن إذا نفرت منهم طائفة، وتفقهت في الدين؛ عادت إلى قومها لتنذرهم -أي: لتعلمهم إعلاماً- وتفيدهم العلم.
      قال: وقوله: (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) هذا مثل: (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)، فينبني على ذلك عمل وهو: الحذر، والتقوى، فيتفقهون، ويتقون، ويعقلون، ويجتنبون ما نهاهم عنه إن كان نهياً، ويمتثلون ما أمر به إن كان أمراً، فهذا دليل على أن الخبر يفيد العلم.
    5. الدليل الخامس: قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم...)

      قال: (الدليل الخامس: قوله تعالى: (( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ))[الإسراء:36])، يقول الشيخ: لا تقف: أي لا تتبع، ولا يزال المسلمون من عهد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وإلى اليوم وهم يتعلمون أخبار الآحاد، ويعلمونها، ويقفونها، ويتبعونها، ولو كان مما لا يفيد العلم، لكان ذلك مخالفاً للآية، والواقع أن الآية نهت عن اتباع ما ليس للإنسان به علم، وما فعله الصحابة هو اتباع لما يعلمون أنه علم، وأنه حق، وأنه برهان.
    6. الدليل السادس: قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر...)

      قال: (الدليل السادس: قوله تعالى: (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ))[النحل:43]) فالله تبارك وتعالى أمر الخلق فيما لا يعلمون أن يسألوا عنه أهل الذكر، فلو فرض أن أهل الذكر في مدينة أو بلدة كان رجلاً واحداً؛ لقامت بذلك حجة الله، أو اثنين أو ثلاثة، فيقال للمخالفين: فمن أين جئتم بشرط التواتر، هذا هو وجه الاستدلال، إذا تقوم الحجة بعالم واحد.
      فلو أنك سألت هذا العالم عن أمر فأفتاك وأبلغك عن الله ورسوله لكنت ممن عمل بهذه الآية: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)، فتقول: أنا سألت أهل الذكر، فقد سألت فلاناً وهو عالم موثوق مؤتمن في دينه وعلمه، وقد أفتاني بكذا، فلولا أن خبر الواحد وفتواه تفيد أن العلم لما أمكن أن يعمل الإنسان بهذه الآية إلا إذا صار أهل الذكر بعدد التواتر إما مائة، وإما أربعون، وإما سبعون إلى آخر ما قالوا.
    7. الدليل السابع: قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك...)

      قال: (الدليل السابع: أن الله تبارك وتعالى قال: (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ))[المائدة:67]، وقال: (( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ))[النور:54]، وقال صلى الله عليه وسلم: ( بلغوا عني ولو آية ) )، وفي يوم عرفه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنتم مسئولون عني، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت )، ومعلوم أن البلاغ واجب على النبي صلى الله عليه وسلم بنص هذه الآيات وغيرها، وأن الإبلاغ عنه، ونقل هذا البلاغ إلى الأمة من الصحابة أيضاً أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.
      يقول الشيخ: (ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلَّغ، ويحصل به العلم، فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد، فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه) ومن أوضح الأدلة على ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم أبلغ أمماً عظيمة من أمم الدنيا يومئذ أبلغها الدين بخبر واحد، وليس أيضاً خبراً، وإنما هو عن طريق الكتابة، والرواية عن طريق الكتابة يسميها علماء المصطلح: الوجادة، والوجادة من أضعف أنواع الرواية، والنبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أعظم ملوك الأرض حينئذ وهو هرقل عظيم الروم، وهذا الكتاب لم يدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل مباشرةً، وإنما دفعه إلى عامله بـبصرى ، ثم هو دفعه إليه، وكان مقره في حمص ، فأعطاه الكتاب، فقامت عليه الحجة بذلك، ولا يستطيع أحد أن يقول لم تقم عليه الحجة بذلك، مع أن الذي حمله واحد، ولو أنه وصل إليه خبر من رسول الله من غير كتاب وفيه: إن الله ابتعثني رسولاً بكذا وكذا؛ لقامت عليه الحجة أيضاً بذلك.
      وهكذا عقلاء الدنيا، فـهرقل لم يقل: هذا جاء به أحد الناس ولم يأت بطريق التواتر، ثم يرميه ولا تقم عليه حجه عند الله، لم يفعل ذلك، بل اهتم به، وجمع كل البطارقة والقساوسه -وهم رجال الدين- وأغلق الأبواب، وكاد -كما في القصه أن يسلم، فحاصوا إلى الأبواب، وارتج عليهم الأمر، وخافوا أن يتبع دين محمد صلى الله عليه وسلم، فرأى أن ملكه سيضيع، فأعادهم إليه وقال إنما أردت أن اختبر دينكم، ثم كتب إلى عامله بـفلسطين : أن ائتني بأحد من العرب، والقصة في صحيح البخاري وغيره، فتأكد زيادةً على ذلك.
      فالشاهد أنه عمل هذه الأعمال، وجمع هؤلاء القوم، وأرسل وأتي بـأبي سفيان ، فكيف يقول هؤلاء وهم يدعون الإسلام: إن خبر الواحد لا يفيد العلم، وهؤلاء الكفار قد علموا بذلك، وأفادهم ذلك هذا العلم عنه صلى الله عليه وسلم.
      وكتب إلى كسرى، وكذلك كتب إلى المقوقس عظيم القبط وغيرهم؛ ليبلغهم دين ودعوة الله، فكتب إليهم رسالةً واحدة، وبعث إليه آحاداً: إما واحداً، وإما اثنين، وحملوا الجواب إليه.
      وكذلك بعث النبي صلى الله عليه وسلم مع وفد نجران ، وقد كانوا أمة وجمعاً كبيراً من أهل اليمن ، وكانوا على دين النصرانية ، فلما وافقوه على الجزية طلبوا منه أن يرسل معهم رجلاً أميناً، فأرسل معهم أمين هذه الأمة وهو: أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى، فأسلم عامتهم بعد ذلك، فالذي علمهم الدين هو أبو عبيدة ، وهو فرد واحد، ولا يعقل أنه علمهم الفروع وترك الأصول، فهذا مستحيل، فأول وأعظم ما يجب أن يعلمهم إياه هو أن يتركوا ما هم عليه من التثليث والشرك؛ فهم نصارى ، وأن يدينوا بدين التوحيد، فعلمهم الأصول، إذاً: فالواحد تقوم به الحجة، وخبره يفيد العلم في الأصول وفي الفروع.
      وكذلك بعث إلى اليمن وهي أعظم أطراف بلاد العرب عدداً من حيث السكان؛ فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل و أبا موسى الأشعري ،ثم بعد ذلك ذهب علي ، وحتى لو ذهب رابع وخامس فلا يزال العدد آحاداً، ولم يعلموهم الفروع فقط، بل إن أول ما اهتموا به هي الأصول كالتوحيد.
      ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : ( إنك تأتي قوماً أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله )، أو إلى توحيد الله، أو عبادة الله؛ على روايات كلها صحيحة، ومعناها واحد: أن أول شيء يدعون إليه هو التوحيد.
      إذاً: فكيف يقول هؤلاء: إن خبر الواحد لا يفيد العلم، وإن أفاد العلم ففي الفروع، والعمليات، والأحكام، لا في العمليات والأصول كما يسمونه.
    8. الدليل الثامن: قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً...)

      قال: (الدليل الثامن: قوله تعالى: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ))[البقرة:143]) وجه الاستدلال: أنه تعالى أخبر أنه جعل هذه الأمة عدولاً خياراً، فالوسط: هم العدول الخيار، أي: أنه اختارهم وجعلهم عدولا، فهذه ميزةٌ وتكرمه من الله سبحانه وتعالى أكرم بها هذه الأمة: أن جعلهم شهداء على الناس.
      والوسط في اللغة العربية يعني: المختار النفيس، وليس هذا الذي بين طرفين فقط، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أوسطهم نسباً، أي: من أعلاهم نسباً، فالوسط يطلق على الشيء النفيس المختار الثمين، فهم خيار وعدول، وبذلك تمت صفتا الشهادة أن يكون الشاهد مختاراً، وأن يكون عدلاً، فيشهد على الناس بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغهم، ويشهد على الأمم السابقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم بلغهم أن الرسل السابقين بلغوا أممهم، فإذا جاء نوح عليه السلام، أو هود أو صالح، أو شعيب أو غيرهم فقال الله تعالى لهم: من يشهد لكم أنكم بلغت؟ فيقولون: محمد وأمته، فتشهد هذه الأمة أن هؤلاء الأنبياء بلغوا أممهم.
      يقول الشيخ: (وهذا يتناول شهادتهم على الأمم الماضية، وشهادتهم على أهل عصرهم) فما داموا قد شهدوا على الماضيين فكيف لا يشهدون على من رأوه، ومن عاصروه من الأمم! وكذلك يشهدون على من بعدهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بكذا، ونهاهم عن كذا، فهذه حجة الله على من خالف رسول الله، وزعم أنه لم يأتهم من الله ما تقوم به عليه الحجة، فتشهد هذه الأمة الوسط عليه: بأن حجة الله بالرسل قد قامت عليه، ويشهد كل واحد بانفراده ما وصل إليه من العلم، كما أن الأمة بمجموعها تشهد بما بلغها من العلم، فلو كانت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد -كما يقول أولئك- لم يشهد الشاهد، ولم تقم به الحجة على المشهود عليه.
    9. الدليل العاشر: شهادة الكل وجزمهم بمذاهب الأئمة وأقوالهم

      الدليل العاشر: أن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم العلم يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم؛ أنهم قالوا: تلك الأقوال، ولو قيل له: أن هذا الكلام الذي تقطع أنت بأن أمامك قد قاله لم يقله الإمام؛ لأنكر ذلك، وقال: أنا متأكد من إمامي وأقواله، وأن هذا هو مذهبه، ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم، فمذهب مالك مثلاً هو من رواية ابن القاسم ، أو من رواية ابن عبد الحكم ، ومذهب الشافعي من رواية الربيع وغيره وهم آحاد، ومذهب أبي حنيفة إما أن يكون من راويه محمد بن الحسن ، أو من رواية أبي يوسف .
      إذاً فمذهب الأئمة مرجعها في الأخير إلى اثنين أو ثلاثة، وأحياناً إلى واحد، ومع ذلك نجد اتباعهم يجزمون ويقولون هذا مذهب الإمام، ويقطعون به، فيا سبحان الله! ماذا نقول فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجعلوا أصحابه صلى الله عليه وسلم كأصحاب الإمام، فإذا حدثكم الثقة عن ابن عمر ، أو عن أبي هريرة ، أو عن أنس أو عن أم المؤمنين، عن أي صحابي فاقبلوه كما تقبلون كلام رواة المذاهب واقطعوا واجزموا أنه قاله كما تقطعون وتجزمون بأن إمامكم الفلاني قد قال ذلك، فالحكم واحد، والحال واحد.
      وأما أن تشترطوا التواتر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشترطوه في كلام أئمتكم؛ فذلك حيف وتحكم.
      وهناك أمر آخر وهو: أننا نقول لغير الفقهاء من المتكلمين والمتفلسفين: إن النظرية الفلانية ليست من كلام أفلاطون ، كنظرية أفلاطون في المثل، أو أن الكلام في الكليات الخمس في المنطق ليس من كلام أرسطو ، أو قلنا: نحن لا نقبل أي خبر عن أرسطو إلا بخبر يقين؛ لو قلنا ذلك لأنكروا ذلك غاية الإنكار، وتعجبوا وقالوا: هذا دليل على جهلكم، وأنكم لا تفقهون؛ فإن أفلاطون قال كذا وكذا، وأرسطو قال كذا، فنقول: سبحان الله! لم تجزمون بكلام أرسطو وأفلاطون مع أن بينكم وبينهما قروناً طويلة؟! وهم من أمة أخرى منقرضة، والنقل هنا من لغة إلى لغة، وهناك أجيال كثيرة، فربما كانت هناك أكثر من لغة أيضاً، ثم مع ذلك تجهلون وتسخرون ممن يقول هذا ليس ثابتاً عن أرسطو أو أفلاطون ! لماذا تقطعون بذلك؟! لقالوا: هذا معلوم، وقد بلغنا عمن يهتم بهذا العلم، وأثبت ذلك كل المهتمين بالعلم، وهم حجة في هذا، وأما أنتم يا أهل الكتاب فلستم حجة! لأنكم لا تعلمون كلام الفلاسفة.
      فنقول: ونحن أيضاً الذين نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نجزم ونقطع بأن هذا قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه ثابت عندنا بنقل العدل الضابط عن مثله، فهو متصل وغير معلل ولا شاذ، وسائر الشروط الصحة موجودة، بينما أنتم ليس لديكم ذلك، فأي الجزمين أو القطعين أقوى جزمنا نحن أم أنتم؟! ومن هو أولى بأن يرد كلامه وقطعه؟!
      وقد ذكر الشيخ رحمه الله في (ص:434) كلاماً عجيباً في بيان الطوائف المختلفة التي ردت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إما جزئياً أو كلياً، فهي إما أن تردها رأساً، وإما أن تقول لا نقبل إلا ما وافق القرآن، أو أن يقولوا: لا نقبل إلا المتواتر، ولا نقبل الآحاد، وإما أن يردوا أخبار الصحابة إلا ما كان عن أهل البيت، وهو قول الرافضة ، وإما أن يردوا أخبار المقتتلين في الجمل و صفين ، وهذا مذهب طائفة من المعتزلة ، وإما أن يقبلوا خبر الأربعة بشرط تنائي بلدانهم.. إلى آخر الطوائف، ولعلنا سنأتي عليها إن شاء الله، وكل طائفة لها منهج في رد ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أهل السنة والجماعة فيؤمنون بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم.
    10. الدليل التاسع: قوله تعالى: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون)

      قال: (الدليل التاسع: قوله تعالى: (( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))[الزخرف:86]) فذكر الله تبارك وتعالى أن الذي تقبل شهادته هو من شهد بالحق وهو عالم، فيشهد شهادة حق، ويشهد بها عن علم. قال: وهذه الأخبار -يعني: ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- التي رواها الثقات الحفاظ عنه إما أن تكون حقاً، أو باطلاً، أو مشكوكاً فيها، فإن كانت باطلاً أو مشكوكاً فيها وجب اطراحها؛ ولهذا يرد الموضوع، ويرد أيضاً الضعيف؛ للشك فيه، ولا يلتفت إليها، وهذه انسلاخ من الإسلام بالكلية، أي: إذا جعلنا كل الأحاديث التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبيل ما هو باطل أو مشكوك فيه، ثم رديناها، فهذا انسلاخ من الإسلام بالكلية والعياذ بالله، وهذا لا يقول به عاقل.
      وإن كانت حقاً فيجب الشهادة بها، فنقول لهم: أنتم بين هذين النوعين، فإن كانت حقاً وجب الشهادة بها على البت والقطع لا على سبيل الظن كما تزعمون، (( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))[الزخرف:86]، فنشهد شهادة عن علم أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وأمر به، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم.
    11. الدليل الحادي عشر: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ...)

      الدليل الحادي عشر: قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ))[الأنفال:24].
      وجه الاستدلال: أن هذا الأمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وذلك أن يدعوهم صلى الله عليه وسلم ويكلمهم مشافهةً ومواجهةً.
      والنوع الثاني: أن يدعوهم بواسطة المبلِّغ والمخاطِب، فهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين، وقد علم أن حياته بتلك الدعوة، والاستجابة لها، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً، أو يحييه بما لا يفيد علماً.
      إذاً فما دام الأمر كذلك فإنه يجب عليه أن يستجيب لدعوة الله، وإذا استجاب لها فإن ذلك يفيده العلم، ويفيده الحياة، فظهر بذلك بطلان قول القائلين إن أخبار الآحاد عنه صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم.
    12. الدليل الثاني عشر: قوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره...)

      الدليل الثاني عشر: قوله تعالى: (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))[النور:63]، يقول ابن القيم رحمه الله: (وهذا يعم كل مخالف بلغه أمره صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة) وليس هذا خاصاً بحياته صلى الله عليه وسلم، فإذا أمر في حياته، أو من بلغه ذلك بعد مماته بأمر؛ فإن من خالفه يدخل تحت هذا الوعيد أن تصيبه فتنه، أو يصيبه عذاب أليم؛ لمخالفته أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      يقول: (ولو كان ما بلغه لم يفده علماً لما كان متعرضاً لمخالفة ما لا يفيد علماً للفتنة والعذاب الأليم) وإنما يكون العذاب وتكون الفتنة لمن بلغه ما يفيد العلم؛ فتكون الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيدة للعلم إذاً.
    13. الدليل الثالث عشر: قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء...)

      الدليل الثالث عشر: قوله تعالى: (( إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ))[النساء:59].
      وجه الاستدلال: أن الله أمر برد ما يتنازع فيه الناس إلى ما ذكر وهو إلى الله، أو إلى رسوله، أي: إلى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فالرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم يكون بالرد إليه في حياته، والرد إلى سنته بعد مماته، فلولا أن المردود إليه يفيد العلم، وفصل النزاع؛ لم يكن في الرد إليه فائدة.
      إذاً فلابد يكون المردود إليه مما يفصل ويحسم النزاع، فمثلاً اختلفنا نحن وهم في إثبات أسماء الله وصفاته، واختلف أهل السنة وأهل البدع في إثبات أمور من القدر، وفي إثبات أمور من أخبار الآخرة كالصراط، والميزان، والحشر، أمور كثيرة، والنزاع فيها شديد، وهو من أعظم أنواع النزاع في الدنيا؛ لأنه نزاع في الدين والمعتقد، فنريد أن نعمل بهذه الآية، فنرجع موضع النزاع إلى الله ورسوله، فرجوعه إلى الله تعالى معلوم، ورجوعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته لا شك فيه، وأما بعد مماته صلى الله عليه وسلم فلابد من أن نرجع إلى ما ثبت عنه، فهذا دليل على أن ذلك المنقول والثابت عنه صلى الله عليه وسلم، يفيد العلم وفصل النزاع؛ وإلا فلا فائدة من ذلك الرد إليه.
      يقول رحمه الله: (وهذا برهان قاطع بحمد الله، فلهذا قال من زعم أن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم: أن نرد ما تنازعنا فيه إلى العقول والآراء والأقيسة، فإنها تفيد العلم) فنأخذ من كلامهم هذا القدر، أي: نأخذ من كلامهم ما يرد إليه عند التنازع، وما يتحاكم إليه، فهو يفيد العلم ولابد، ولهذا قالوا: نرد مواضع النزاع هذه إلى الأقيسة والآراء، وهم يقولون : إلى القواعد القطعية، والبراهين العقلية؛ لأنها تفيد العلم وتقطع في مواضع النزاع.
      فنقول: نحن نوافقكم على أنه لا يرد إلا إلى ما يفيد القطع والعلم، فإذا أمر الله تعالى أن نرد إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك دليل -بنص الآية- على أنها تفيد العلم، وتقطع النزاع.
    14. الدليل الرابع عشر: قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله...)

      الدليل الرابع عشر: (( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ))[المائدة:49] إلى قوله تعالى: (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ))[المائدة:50]، فالله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما أنزل الله، وبين له أن من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، وأخبر أن حكم الله هو خير الأحكام: (( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ))[المائدة:50]، فمن مجموع ذلك نعلم أن ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حكم الله، وأنه أحسن وأفضل الأحكام، وأنه لا يجوز لأحد أن يحاكم إلى خلافه، وهو مما أنزله الله، ولو تحاكم أحد إلى غيره لكان متحاكماً إلى الجاهلية، ويكون قد ارتكب كفراً، فهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى متكفل وحافظ للسنة؛ لأنها حكم الله، كما أنه تكفل بحفظ القرآن لأنه كلامه والسنة أيضاً أنزلها الله، فيجب أن تحفظ، ويشملها حفظ الله لدينه؛ وإلا لما كان هناك فائدة للإلزام بها، ومن ثبوت كون حكمه صلى الله عليه وسلم هو نفس حكم الله، ومن كون من لم يحكم بها فقد خالف حكم الله.
      قال: (ونحن لا ندعي عصمة الرواة، فالراوي قد يكذب، أو يغلط؛ لكنه إذا كذب أو غلط أو سها لا بد أن يقوم دليل على ذلك) لأن الله تعالى تكفل بحفظ هذا الدين، فمحال أن يغلط الراوي مثلاً فيقول إن الله تبارك وتعالى أمركم بالزكاة، أو بالصلاة، أو أخبر أنه يكون في يوم القيامة كذا ويغلط الراوي في هذا الحديث، وينقلب عليه، ويفتي أو يجزم بشيء، ويحكم الناس أو يفتون بأمر مبني على هذا الحديث المغلوط، أو المنسي؛ ولا تقوم أي قرينة ولا دلالة على ذلك، فهذا قدح في حفظ الله سبحانه وتعالى، وصفات الله أعظم، والله تعالى لا يمكن أن يقرها على هذا.
      إذاً فلو أن راوياً غلط أو أخطا أو سهى في حديث فلابد أن يعرف: إما عن طريق المقارنة بالثقات الآخرين من أمثالة، وإما مقارنة سند بسند، أو متناً بمتن، أو بأي أمر من الأمور التي يعلم بها الخطأ، وهذا معلوم لدى الفقهاء والعلماء ولله الحمد.
    15. الدليل الخامس عشر: قول النبي: (لا ألفين أحداً منكم متكئاً...)

      الدليل الخامس عشر: وهذا نذكره لأهميته، ونكتفي به، وهو حديث أبي رافع رضي الله عنه الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ألفين أحداً منكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري يقول لا ندري ما هذا، بيننا وبينكم القرآن، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ).
      ووجه الاستدلال: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر ممن يأتي متكئاً على أريكته -وهذا فيه إشارة إلى الترف والفراغ، فالذين يتكلمون ويتطاولون على السنة هم من الذين شغلهم الترف والفراغ، فليسوا من أهل التقوى، ولا من أهل الجد، ولا اليقين والإخلاص، فيأتي ويتكلم بما يسمى الآن عند الناس: سواليف، وأخبار، وأحاديث، فهو متكئ لا يهمه أمر، وليس مهتم بهذا دين، وأنه شيء عظيم، وأنه لا بد من التأكد، ولا يقال على الله إلا بحق، فيأتي رجل فيقول لأحدهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيقولون: ما ندري ما هذا؛ إن كان في كتاب الله أخذنا به، وإلا فلا ندري ما هذا، فهذا هو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن الرجل يرد الحديث مستنداً إلى القرآن، ومطالباً فقط بما جاء في القرآن، فكيف بمن يرد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد الرجوع إلى كلام وآراء اليونان ، أو الفلاسفة ، أو المناطقة أو غير ذلك مما يسمونها: القواعد العقلية، أو الآراء التي كلها أراء بشرية؛ وأكثرها باطل؟!! إذاً فهذا يدخل في هذا الوعيد دخولاً أولياً.
      وفي آخر الدليل الحادي والعشرين ذكر كلاماً جميلاً مفيداً للإمام أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني ، وقد أحببت أن أنبه إليه لنفاسته، وكلام ابن القيم وكلام شيخ الإسلام رحمهما الله أعظم منه قوة وبلاغة، لكن هذا الكلام نفاسته وأهميته تأتي من كون صاحبه متقدماً، وهو رحمه الله له كتاب جليل عظيم نفيس القدر بعنوان: الانتصار لأهل الحديث ، والإمام السمعاني كان ممن أقام الله تعالى بهم الحجة على المقلدين والمبتدعين قبل شيخ الإسلام بهذا الكتاب الجليل، لكن الكتاب فقد، وقليل من يشير إليه، ولا يوجد منه الآن فيما بلغني وقد بحثت عنه كثيراً؛ لا يوجد منه إلا نسخة واحدة في طهران في إيران ، وقد بذلت جهداً ولم أستطع أن أصل إليها، فهذا كتاب قيم جداً، ومن عنوانه يعرف مضمونه: الانتصار لأهل الحديث ، فهو يبين فيه وجه تفضيل أهل السنة وأهل الحديث؛ المتبعين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الفرق المختلفة، ومن الكلام تعرف قيمته.
      والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.