وأما
ما يثار من معارضات فلها ردودها ومناقشاتها، وهي من ضيق فهم كثير من المبتدعة، أو من تمسكهم بأصول باطلة، فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم كان هذا منهجهم، فقد كانوا يعلمون أن الإيمان بالله، والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، والشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يعني أن لا يتلقى، وأن لا يؤخذ هذا الدين إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر واضح، الأمر الآخر: أن
الصحابة لم يكونوا يعارضون أو يضاربون بين كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فيضربون بعضه ببعض، بل طريقتهم -كما بين الله- هي اتباع المحكم وترك معارضته بالمتشابه، وأما أهل البدع فإن مذهبهم ومنهجهم اتباع ما تشابه منه؛ ليضربوا به وليعارضوا المحكم، وهذا ما فعله
الخوارج في أول الأمر من غير ضوابط عقلية معينة، ثم جاءت الفلسفات، وجاء علماء الكلام فجعلوه أصولاً قطعية كلية، ولما عم الفساد وطم وانتشر وكثرت الكتب في هذا، حتى دخلت في معظم المذاهب الأربعة وأكثر علماء الأمة، ظهر شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله تعالى فنصر الله به الدين، وقمع به الملحدين، وألف الكتاب الذي ما طرق العالم في بابه مثله أبداً، وهو كتاب:
درء تعارض العقل والنقل، وقد كتبه رحمه الله من هذه المجلدات الضخمة في هذه القضية، بل هو في أصل هذه القضية وهي التحاكم إلى القرآن والسنة لا إلى المقاييس العقلية أو القواعد القطعية إلى آخر ما ذكر، ومن جملة ما أبطله رحمه الله: قولهم: إن أحاديث الآحاد لا تفيد اليقين، أو أن النصوص جميعاً لا تفيد العلم اليقيني، وإنما تفيد الظن فقط، وأن الذي يفيد اليقين هو القواعد العقلية المزعومة، ونحن نعرض إن شاء الله تعالى لهذا من كلام الإمام العظيم
ابن القيم رحمه الله، فقد أجاد وأفاد، وذلك إذا أردنا أن نتحدث عن هذا الأصل، أو القانون الذي ردوا به أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ردوا به الوحي قاطبة، فلا بد أن نسنده إلى أهله، وهذا لا بد منه؛ لأن من منهج السلف الصالح رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أن لا ينسبوا لأحد قولاً لم يقله، فإذا أردتم أن تحيلوا فلا بأس أن تحيلوا إلى أصل هذه المسألة وأصل هذا القول، وهو في كتاب
فخر الدين الرازي المعروف بـ
أساس التقديس ، والكتاب مطبوع -وإن كان غير منتشر والحمد لله كثيراً- لكنه موجود فيه في الفصل الثاني والثلاثين، وهو الذي ذكره
شيخ الإسلام في أول
درء التعارض، وأيضاً
الرازي ذكر مثله في كتاب آخر له اسمه:
نهاية العقول ، وذكر نحواً منه أيضاً في كتابه:
الأربعين ، وكلها موجودة مطبوعة، ثم من جاء بعد
الرازي لم يكتب عنه
شيخ الإسلام؛ لأنه ناقل له فقط، وهو تلميذه والمتلقي عنه الذي نقل هذا الكلام وأشاعه وهو:
عضد الدين الإيجي صاحب
المواقف، وهو موجود في صفحة أربعين الطبعة الموجودة من غير شرح، والتي طبعت لتكون مقرراً لكلية أصول الدين في الأزهر، وسننقله كاملاً بإذن الله تعالى، وإنما نحن الآن نحيل فقط، والكلام الذي ذكره الشارح هنا مأخوذ ومنقول من كلام الإمام العلامة
ابن القيم ، وهو في
مختصر الصواعق الطبعة القديمة في الجزء الثاني، ويمكن أن نبدأ بكلام
ابن القيم رحمه الله لأهميته في تأصيل المسألة، ثم ننتقل إلى كلام
الرازي و
الإيجي وأتباعهما، ثم نأتي بكلام المتقدمين أيضاً وكلام
الجويني و
الغزالي والمتأخرين كـ
السنوسي ، بل حتى الأقدم منهم كـ
البغدادي وغيره، ولعل الأفضل أن نبدأ بكلام
ابن القيم في تأصيل هذا الأمر، ثم بعد ذلك نأتي بكلامهم بعد أن تكون القضية قد اتضحت ونرد عليه.