المادة كاملة    
لقد ذهب بعضهم إلى أن الإسلام والإيمان لفظان مترادفان، واحتجوا ببعض الأدلة، لكنها عند التحقيق لا تثبت، والذي عليه أهل الحق أنهما لفظان إذا اجتمعا انفردا، وإذا انفردا اجتمعا، فإذا اجتمعا كان الإسلام هو الأعمال الظاهرة، وكان الإيمان هو الأعمال الباطنة.
  1. تابع القول بترادف الإيمان والإسلام

     المرفق    
    ‏الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    فنواصل ما بدأناه فنقول: وأما التشنيع الثاني فيبدأ من قول الشارح: [ويندفع أيضاً بتشنيع من قال: ما حكم من آمن ولم يسلم، أو أسلم ولم يؤمن؛ في الدنيا والآخرة؟ فمن أثبت لأحدهما حكماً ليس بثابت للآخر ظهر بطلان قوله، ويقال له في مقابلة تشنيعه: أنت تقول المسلم هو المؤمن؛ والله تعالى يقول: (( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ ))[الأحزاب:35] الآية، فجعلهما غيرين، وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمناً؟! قال: أو مسلماً، قالها ثلاثاً )، فأثبت له الإسلام، وتوقف في اسم الإيمان، فمن قال: هما سواء؛ كان مخالفاً، والواجب رد موارد النزاع إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد يتراءى في بعض النصوص معارضة ولا معارضة بحمد الله تعالى، ولكن الشأن في التوفيق وبالله التوفيق.
    وأما الاحتجاج بقوله تعالى: (( فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ))[الذاريات:35-36]
    على ترادف الإسلام والإيمان؛ فلا حجة فيه؛ لأن البيت المخرَج كانوا متصفين بالإسلام والإيمان، ولا يلزم من الاتصاف بهما ترادفهما.
    والظاهر أن هذه المعارضات لم تثبت عن أبي حنيفة رضي الله عنه، وإنما هي من الأصحاب، فإن غالبها ساقط لا يرتضيه أبو حنيفة، وقد حكى الطحاوي حكاية أبي حنيفة مع حماد بن زيد ؛ وأن حماد بن زيد لما روى له حديث: ( أي الإسلام أفضل؟.. ) إلى آخره؛ قال له: ألا تراه يقول: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، ثم جعل الهجرة والجهاد من الإيمان؟ فسكت أبو حنيفة ، فقال: بعض أصحابه: ألا تجيبه يا أبا حنيفة ؟! قال: بم أجيبه؟ وهو يحدثني بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم].
    1. الرد على القائلين بالترادف بين الإسلام والإيمان في الإلزام بمن آمن ولم يسلم والعكس

      قول الشارح رحمه الله تعالى: (ويندفع أيضاً -أي: بما تقدم- تشنيع من قال: ما حكم من آمن ولم يسلم، أو أسلم ولم يؤمن في الدنيا والآخرة) أي: أنكم يا أهل السنة ! تقولون: إن الإسلام غير الإيمان، فنسألكم: ما حكم من آمن ولم يسلم، أو نقول: ما حكم من أسلم ولم يؤمن في الدنيا أو في الآخرة؟ فإن قلتم: هما سواء ولا فرق بينهما؛ فهم مسلمون مؤمنون، وهم من أهل القبلة، وهم الموحدون، وهم الموعودون بالجنة؛ قلنا لكم: إذاً فلماذا تفرقون بين المسلم والمؤمن؟! فهذا دليل على أن قولكم بالمغايرة باطل، وأن ما نقوله نحن -أي: المرجئة - من الترادف هو الحق، فمن أثبت لأحدهما حكماً ليس بثابت للآخر ظهر بطلانه.
      ويمكن الجواب على هذا قبل الدخول فيما ذكره الشارح من مقابلة التشنيع بتشنيع، أو مقابلة اللازم؛ فنقول لهم: نعم هناك ما يتفق فيه الاثنان، ولكن هناك أيضاً ما يختلفان فيه، فإذا قلنا: فلان مؤمن، وفلان مسلم وعنينا بذلك عصمة الدم والمال وغيرهما من أحكام الدنيا؛ فلا شك أن الحكم واحد، لكن لا يعني ذلك أننا عبرنا بتعبيرين مترادفين، فكلاهما معصوم الدم والمال، وكلاهما من أهل القبلة، وكلاهما له مالنا وعليه ما علينا؛ لكن ليس هذا دليلاً على أن التعبير واحد، فإذا قلنا: فلان آمن؛ فإننا نعني: أنه أسلم وحسن إسلامه، فدخل في الإسلام عن يقين وإخلاص، وعن اعتقاد جازم، وعن تجرد من كل ما كان يعتقده قبل أن يهديه الله، ويشرح صدره للإسلام.
      وإذا قلنا: فلان أسلم؛ فهو أقل من ذلك، أي: أنه رجل حدث عن دين الله تعالى الحق فقبله، وأظهره، وأعلنه، فنقول في حق هذا: أسلم، ونقول في حق ذاك: آمن، إذاً فهناك فرق؛ وإن كانت أحكام الدنيا واحدة من جهة: أن له ما لنا، وعليه ما علينا إلى آخر ما تقدم.
      وكذلك في الآخرة؛ فإذا قيل: فلان مات على الإيمان، وفلان مات على الإسلام؛ فالمعنى قد يكون واحداً إن أريد أنهما لم يموتا على ملة أخرى من ملل الكفر، وقد يطلق ذلك ولا يلزم منه الترادف، بل يكون لهذه العبارة معنى، ولتلك العبارة معنى آخر، فإذا قيل: مات فلان على الإيمان، أو إنه من المؤمنين الموعودين بالجنة، أو إن صفاته صفات المؤمنين؛ سواء قال هذا القول أحد من الناس وهو يعلم حال ذلك الإنسان على سبيل التزكية له مثلاً، أو كان الأمر أوضح من ذلك كأن يكون هذا القول جاء في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً، فهناك فرْق بين هذا وهذا، فمن قيل فيه: إنه مات على الإيمان؛ فهو أفضل ممن قيل فيه: إنه مات على الإسلام.
      إذاً فهناك فرق، فكيف تقولون: يلزمنا أن نسوي بينهما، فإن لم نفعل ذلك كان قولنا باطلاً! فنثبت لهذا ما لا نثبت لذلك، وهو الفرق في صفة الإيمان، فهي أكمل، وإطلاقها يقتضي المدح والتزكية لصاحبها، وأما صفة الإسلام فهي أقل.
      بل إننا -كما عرضنا فيما مضى- نجد أن الله تبارك وتعالى قد فرق في القرآن بين نوعين من المرتدين، فقد ذكر عن طائفة أنهم كفروا بعد إيمانهم، وذكر عن طائفة أخرى أنهم كفروا بعد إسلامهم، وهذا دليل على الفرق بينهما، فليس هؤلاء هم هؤلاء، فعندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة هناك من الناس من آمن به حقاً عن صدق وليس عن كذب، ولم يكن ممن أخبر الله تعالى عنهم أنه ممن قال: نشهد إنك لرسول الله كذباً، بل كانوا مؤمنين عن حق واعتقاد، ولكنهم انحرفوا وارتدوا على أعقابهم، وبدلوا فيما بعد إما بتأثير اليهود ، وإما بتأثيرات ووساوس من الشيطان، وإما بتأثير إخوانهم المنافقين من قبيلتهم أو أقربائهم.. إلى غير ذلك، فهذا يقع، فكلما قوي عود الإسلام واشتد وصلب؛ ازداد حنق المنافقين وكيدهم ومكرهم، فيأتون إلى قوم آمنوا في أول قدوم النبي صلى الله عليه وسلم كي يحرفوهم عن هذا، فيكون هذا النوع ممن كفر بعد إيمانه.
      وأما النوع الآخر: فهو من كفر بعد إسلامه؛ فهم الذين أسلموا ظاهراً ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، فقد انحرفوا كما انحرف أولئك، فلا غرابة أن ينحرف هؤلاء؛ فقد انحرف من هو أعلى درجة منهم، وهم الذين كانوا في مرتبة ومنزلة الإيمان.
      إذاً فهناك فرق في أحكام الدنيا وأحكام الآخرة بين المؤمنين والمسلمين.
    2. الرد على من يقول بالترادف بين الإسلام والإيمان بالنصوص الدالة على التغاير

      قال الشارح رحمه الله: ويقال له في مقابلة تشنيعه -أي: المرجئ- علينا: أنت تقول: كذا. أي: كأنه يقول: إن لازم بطلان قولكم أوضح من لازم بطلان قولنا الذي تشنعون به، والدليل: أننا نقول له: أنت تقول: إن المسلم هو المؤمن؟ فسيقول: نعم؛ هما واحد، فيقال له: إن الله تعالى يقول: (( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ))[الأحزاب:35] الآية من سورة الأحزاب، فالله تبارك وتعالى قد غاير بينهما، وقد مر معنا أن المرجئة يقولون: إن العمل ليس داخلاً في الإيمان؛ بدليل المغايرة بينهما، كما في قوله تعالى: (( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ))[العصر:1-3] فهذا دليل على أن العمل الصالح غير الإيمان؛ لأنه عطفه عليه، والمعطوف غير المعطوف عليه.
      فنجيب على ذلك ونقول: أنتم هنا أولى أن تلتزموا بهذا، ولا جواب لكم عليه كأجوبتنا السابقة؛ لأنه هنا يعدد صفات مختلفة، فالمسلمون صفتهم هي غير صفة المؤمنين، وكذلك الخاشعون والصابرون والصادقون، وكلها شعب من شعب الدين لكنها تتفاوت وتختلف، فجعلهما غيرين، أي: جعل هذا غير هذا، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي اتفق الشيخان على روايته، وذكرنا أن الإمام أحمد رواه أيضاً وقال: [ هو أحب إليَّ من حديث جبريل ] ؛ لأنه في هذا المقام أوضح في الدلالة من حديث جبريل عليه السلام، أي: في الدلالة على التغاير بين الإسلام والإيمان.
      فلما قال سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: ( يا رسول الله! مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمناً! قال صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً ) أي: لم تعطيه الدرجة العليا؟ لم لا تقول: مسلماً؟ فربما كان من أهل الدرجة الأقل، فغاير النبي صلى الله عليه وسلم بين هذا وهذا، وقالها ثلاثاً.
      يقول الشيخ: (فأثبت له اسم الإسلام، وتوقف في اسم الإيمان) أي: أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الدرجة الدنيا وهي اسم الإسلام، ولم يثبت له العليا وهي: الإيمان، فهو صلى الله عليه وسلم لم يجعله منافقاً، ولم يجعله أيضاً مؤمناً، وإنما أشار إلى أنه مسلم، وأشار إلى أنه لا يزكى، فإن كان في الواقع كذلك؛ فلا يجوز أن يزاد عليه، أي: إن كان في الواقع مسلماً وليس مؤمناً؛ فهكذا ينبغي أن يقف الإنسان عند العدل والقسط ولا يزيد عليه، وإن كان الرجل مؤمناً فتنبيه إلى من يزكي إلى ألا يزكي؛ لأنه لا علم له بذلك، فهذا أمر غيبي؛ فينبغي عليه الاحتياط، فلا يزكي في الدرجة العليا، ولكن يحتاط.
      فهذه فائدة وهي: الاحتياط في التزكية، فإذا كان الإنسان مزكياً لنفسه فقد نهى الله تبارك وتعالى عن ذلك: (( فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ))[النجم:32] وقال تبارك وتعالى: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ))[النساء:49]، وإن كان الإنسان يزكي غيره فينبغي له أن يحتاط ويقيد ويقول: أحسبه والله حسيبه، أو يقول ولا أزكي على الله أحداً، فيحتاط في ذلك؛ لأن هذا أمر باطن لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى على حقيقته، وإنما نحكم بالظاهر، ولولا الحاجة إلى الشهادة أو التزكية في الظاهر لمصلحة شرعية؛ لما تكلم الناس في هذا، لكن لا يُتكلم باعتبار حقيقة الباطن فهذه لا يعلمها إلا الله، وإنما يكون الكلام بما يظهر في موضعه لمصلحة شرعية تقتضي التزكية أو الشهادة.
    3. كيفية التعامل مع النصوص المتعارضة وعلاقة ذلك بالترادف بين الإسلام والإيمان

      يقول: (فمن قال: هما سواء) يعني: بعد هذه الآية، وبعد هذا الحديث -وهم أنتم أيها المرجئة - كان مخالفاً للكتاب والسنة، والواجب رد موارد النزاع إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه قاعدة عظيمة، فنحن وأنتم قد اختلفنا في هذه المسألة؛ فالواجب أن نرد هذا إلى الله ورسوله، فإذا رددنا إلى كتاب الله فهذه الآية، وإذا رددنا إلى السنة فهذا الحديث، إذاً نحن يجب علينا وعليكم أن نرد الأمر إلى الله ورسوله، وأن نقول جميعاً: إنهما متغايران، كما أمر الله تبارك وتعالى: (( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ))[الشورى:10] وأيضاً قوله تعالى: (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ))[النساء:59].
      والله تبارك وتعالى لم يقل لا تختلفوا قط، أو: لا يجوز أن تتنازعوا قط، أي: في هذه المواضع وهي مواضع الاجتهاد، وأما ما نهانا الله تبارك وتعالى عنه من مواضع الاختلاف: (( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ))[آل عمران:105]، وقوله: (( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ))[الأنعام:159] وما أشبه ذلك فالمقصود به أصل الدين، والمقصود: اتباع السنة أو البدعة، فهنا لا يجوز أن نختلف، فيجب علينا جميعاً أن نعتصم بحبل الله، وهو دينه، وهو كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا نتفرق ولا نختلف في ذلك.
      وأما الموضع الآخر الذي يجوز الاختلاف فيه فهو: الاجتهاد الذي تتفاوت العقول في فهمه، وكل منا يرى أنه أولى بالحق وبما جاء عن الله ورسوله من غيره، فهنا في مواضع الاجتهاد نرجع الأمر إلى الكتاب والسنة؛ ففيهما الجواب إما نصاً واضحاً جلياً، وإما ظاهراً يفهمه من تأمله، وإما فحوىً أو إشارة يدركها من وفقه الله تبارك وتعالى لإدراكها، وكان أسعد بأن يتنبه لها، وفي هذا يتفاوت الخلق، والله تبارك وتعالى يرفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، وفوق كل ذي علم عليم، فقد يجتهد البعض فيصل إلى الحق في مسائل، وغيره لا يصد إليها، وإنما يصل إلى الحق في مسائل ومواضع أخرى، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وكلاهما بين الأجر والأجرين مادام كل منهما يريد الحق، ويريد موافقة الكتاب والسنة.
      وكذلك يجب رد كل منهج أو قاعدة أو أصل؛ سواء كان في أصول الفقه، أو كان في أصول بعض الأئمة، أو كان مما قد يجعل قاعدة من القواعد الفقهية وهي غير قاعدة؛ مما لم يرد في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز إقرار هذه الأصول أو هذه القواعد.
      فمثلاً تقول الحنفية: إن الزيادة على القرآن نسخ له، وعلى هذا يقولون: إننا لا نعمل بما جاء في الحديث من تغريب الزاني؛ لأن الذي جاء في القرآن هو الجلد: (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ))[النور:2]، فلماذا تضيفون أنتم إليه التغريب؟! قلنا: قد جاء في الحديث الصحيح الذي لا شك في صحته: ( جلد مائة، وتغريب عام )، قالوا: لا، الزيادة على القرآن نسخ، والقرآن لا ينسخ بالسنة، وهذه القاعدة أيضاً فيها نظر، وهي أيضاً محل نقاش، فهذا الذي قالوه خطأ؛ وإن كان صاحبه يظن أنه قد أخذ هذه القاعدة من القرآن ومن السنة، فنقول: لا، (( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ))[الشورى:10]، وبرد النزاع إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر التغريب، وصح ذلك عنه، إذاً فيجب العمل به، وقس على ذلك أموراً كثيرة في الصلاة والزكاة وغيرها عند بعض المذاهب.
      قال الشارح: (وقد يتراءى في بعض النصوص معارضة) وهذا كثيراً ما يقع؛ ولا سيما لطلبة العلم في أول مراحل الطلب، فيلتبس عليهم الجمع والتوفيق بين النصوص، لكن هذه المعارضة ليست حقيقية، وإنما هي فقط في فكر وذهن ذلك الناظر، فلا يمكن أن يتعارض شيء من دين الله تبارك وتعالى، ولا يتناقض، (( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ))[النساء:82].
      وإنما يقع التعارض بين النصوص -وهذا لم يذكره الشارح هنا؛ لأنه ليس من غرضه ومراده، وهو كثيراً ما يقع- إما بسبب أن أحد الدليلين غير صحيح، فمن أتى بحديث ضعيف أو موضوع وقال كيف نجمع بينه وبين حديث صحيح؟ قلنا له: هذا لم يصح، والذي يصح لا يعارض به ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      إذاً لا تعارض في هذه الحالة، لكن المبتدئ باعتبار أنه لا يميز بين هذا وذاك ظهر له التعارض، وعيي في جوابه وحل إشكاله في نظره.
      فإذا كان كلا الدليلين صحيحاً ولكن تعارضا؛ فننظر فيهما، ونقول كما قال الشارح: لا تعارض مطلقاً في الحقيقة والواقع، ولكن الشأن في التوفيق بين الأدلة، فمن تسرع وقال: نرد هذا الحديث ولا نعمل إلا بهذه الآية؛ لأن هذا ظاهر القرآن وغيرها ليس كذلك مثلاً؛ فنقول له: لماذا ترده؟ ولماذا لا تجمع؟ فلا يجوز رد أحد الدليلين الثابتين -والآية لا شك في ثبوتها- إلا إذا عجزت عن الجمع بينهما، والجمع بين الأدلة من صفات الراسخين في العلم؛ الذين يعلمون دلالة كل نص، وعلى أي شيء يدل، وكيف يمكن أن يستدل به من دون معارضة للآخر، فليس كل أحد يحسن هذا.
    4. رد نصوص إثبات القدر من قبل المعتزلة ورد نصوص الفعل للعبد من قبل الجبرية

      فكثير من طلبة العلم إذا عرض لهم ذلك ردوه، وربما كانوا في الحقيقة -وإن لم يقصدوا ذلك- متبعين لأهل الأهواء، فأهل الأهواء شأنهم وعملهم أن يضربوا النصوص بعضها ببعض، فإذا كان الرجل قدرياً -أي: ممن ينفون القدر- فإنه يرد كل حديث يظن أنه يُثبت الجبر، ويؤيد مذهب الجبرية، كما يرد المعتزلة وأشباههم الحديث الصحيح الثابت في احتجاج آدم وموسى عليهما السلام، فقالوا: نرد هذا الحديث؛ لأن فيه احتجاجاً بالقدر، فآدم عليه السلام يقول لموسى: (كيف تلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني بأربعين ألف سنة)، وهذا احتجاج بالقدر، وهذا جبر.
      فنقول لهم: فكروا في معناه وتأملوا، وكذلك تجد الجبري أيضاً كل حديث أو آية تثبت أن أعمال العباد تسند إليهم على الحقيقة، وهذا موجود في القرآن، فالقرآن كله عندما يذكر أفعال العباد فإنه يسندها إليهم، فتجد فيه: بما كنتم تعملون، كفرو، كذبوا، آمنوا: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ))[المائدة:38]، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) وقوله: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه))[الزلزلة:7-8]، فالأعمال يذكرها الله تبارك وتعالى مسندة إلى العاملين، لكن الجبرية يقولون: إن العامل والفاعل الحقيقي لها هو الله، والعبد مجبور على أفعاله.
      فنقول لهم: لقد خالفتم كل هذه الأدلة مع وضوحها، وقد استدلوا على الجبر بنصوص وأدلة مشتبهة اشتبهت عليهم، فقد أخذوا بقوله تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى))[الأنفال:17]، وردوا كثيراً من الآيات كما ذكرنا، فنقول لهم: خذوا بالآيات الكثيرة، وافهموا هذه الآية على وجهها، فقوله: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) المقصود بها: وما أصبت إذ رميت؛ لأن الرمي لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم إلا بمباشرة عمل يسير لا يؤدي عادة إلى ذلك التأثير الذي وقع في المشركين، فلو أن أحداً غيره صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من التراب ورمى بها المشركين فإنه لا يؤثر فيهم كتأثيره صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تبارك وتعالى هو الذي رمى فجعل هذه الرمية أوسع وأعظم تأثيراً، وهذا خاص بهذا الفعل لأنه آية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يعمم هذا على كل الأفعال.
    5. معارضة نصوص الصفات من قبل المشبهة والمعطلة

      وهناك من عارض آيات ونصوص وأدلة تنزيه الله تبارك وتعالى كقوله: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))[الشورى:11]، وقوله: (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ))[الإخلاص:4]، وقوله: (( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ))[مريم:65] وما أشبهها؛ عارضها بالآيات التي تثبت لله تعالى الصفات العلى؛ كقوله تعالى: (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))[طه:5]، ولا تعارض بينها، فيأتي الذين يتوهمون هذا التعارض -كما فعل نفاة الصفات- ويقولون: إن قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) يدل على أنه لم يستو على العرش، فنؤول آيات الاستواء، ونجعل العمدة والأصل قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، فنقول: لا، استوى على العرش كما أخبر، وليس كمثله شيء كما أخبر، وليس هناك تعارض والحمد لله، وأما هم فيجعلونها متعارضة.
      وفي مقابل هؤلاء يأتي الممثلة أو المشبهة فيثبتون لله عز وجل من الصفات كما هي في حق المخلوق، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وينكرون و ينفون دلالة قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).. وقس على ذلك في بقية أمور العقيدة والإيمان.
    6. معارضة الرافضة أدلة تفضيل بعض الصحابة

      وحتى في قضية التفضيل، فإذا وجدوا ثناءً أو مدحاً من النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي رضي الله عنه؛ جعلوا ذلك حجة على أنه الخليفة، وحجة على إبطال خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، مع أن ذلك لا يلزم، وفي المقابل أيضاً لو أن أحداً احتج بدليل يدل على صحة خلافة عثمان رضي الله عنه، أو معاوية رضي الله عنه، وقال: هذا دليل على بطلان خلافة علي ، فهذا أيضاً باطل، فيجب علينا أن نؤمن ونصدق بالجميع.
      فكل ما اختلفت فيه الأمة، واشتبه أمره، وتنازعت فيه؛ يجب على الأمة أن ترده إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تجمع بين الأدلة فالأدلة لا تتعارض ولا تتناقض بفضل الله تبارك وتعالى، يقول الشارح: (ولكن الشأن في التوفيق، والله الموفق)، أي: ليس كل أحد يوفق إلى التوفيق، فالتوفيق بين الأدلة فضل من الله تبارك وتعالى يمن به على من يشاء، فالواجب على الإنسان أن يكل الشأن إلى أهله، أو يرده إلى الله ويقول: الله أعلم؛ فيما اشتبه عليه، ولم يتنبه إلى موضع الجمع بينه من الأدلة، وهذا لا ينفي أن في القرآن نسخاً، فإذا لم يمكن الجمع بين الأدلة؛ سواء كانت من القرآن أو في السنة، وعلم المتقدم من المتأخر فالمتأخر يكون ناسخاً للمتقدم، والمقصود هنا غير موضع النسخ.
  2. الرد على احتجاج القائلين بترادف الإسلام والإيمان بقوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها...)

     المرفق    
    ثم قال رحمه الله تعالى: (وأما الاحتجاج بقوله تعالى: (( فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ))[الذاريات:35-36] على ترادف الإسلام والإيمان؛ فلا حجة فيه)؛ لأن المسلم قد لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر مثلاً؛ فيؤاخذ فيعاقب فيهلك، وقد يفعل المسلم من الكبائر ومن الموبقات ومن موجبات العذاب ما يصيبه بسببه العذاب، فلا يكون مؤمناً، بل هو مجرد مسلم، والنجاة معلقة بالإيمان؛ لذا قال الله تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، وفي غيرها من الآيات: (( وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا ))[النمل:53]، (( أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ))[الأعراف:165].. إلخ، ففي كل قصص الأنبياء نجد أن الإيمان هو مناط النجاة.
    ففي الآية الأولى بين الله تبارك وتعالى أن النجاة والإخراج وقعا للمؤمنين: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، وهذا لم يقع إلا للوط عليه السلام وابنتيه، وأما زوجته فقد أهلكت مع الغابرين، ثم قال: (( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ))[الذاريات:36]، ولو قال الله تعالى: (( فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ))[الذاريات:35] مباشرة وسكت لقال قائل: كم عدد المؤمنين؟ وربما ذكر لوطاً عليه السلام وابنتيه؛ لأنهم أهم من يذكر، لكن ما المانع أن يكون في الأمة غيرهم من المؤمنين، ولم يذكرهم الله تبارك وتعالى بأسمائهم.
    إذاً: قد يكون هناك من قوم لوط من آمن؛ لكن لا يريد الله تبارك وتعالى أن يبين لنا أسماءهم، ولم يؤمن حقاً إلا هؤلاء، وأما من عداهم فقد شمله وعمه العذاب، فقال: (( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ))[الذاريات:36]، فالبيت المسلم بيت واحد فقط، فالوصف هنا للبيت، فكأنه قال: بيت مسلم واحد، ولا يلزم من ذلك أن يكون أهله كلهم مؤمنين، فـمكة مثلاً دار إيمان و بغداد كان الخلاف عليها في تلك الأيام بين أهل السنة و المعتزلة ؛ لأنها كانت حاضرة الخلافة، وقد ذكر في كتب الفرق -كما ذكر الأشعري -: هل بغداد دار كفر أم دار إيمان؟ والمدينة ، دمشق ، القاهرة ، فإذا قلنا: هذه البلاد دار إسلام فلا يعني هذا أن كل واحد ممن يسكنها هو مؤمن أو مسلم، ولا سيما هنا أن البيت واحد، وساكنوه أربعة: لوط عليه السلام، وابنتاه، وهؤلاء مؤمنون، وقد نجوا، والرابع امرأته، وقد كانت تسكن في البيت معه، فهي في بيت مسلم ولكنها لم تكن مؤمنة، فاستفدنا معنىً جديداً جاء بهذه الصيغة العظيمة، وليس في الإمكان صيغة أبلغ ولا أبين بالدلالة من هذه، مع الإشارة والتنبيه على اختلاف حكم الدار عن حكم ساكنيها وأهلها، وهذا أصل فيما بعد عندما اختلفت الفرق في أحكام الدار، وما يتعلق بها، فإن الدار قد يسكنها المسلم وغير المسلم، فتكون دار إسلام إذا حكمها الإسلام، أو إذا كان غالب أهلها مسلمين.
    قال: (فلا حجة فيه؛ لأن البيت المخرج كانوا موصوفين بالإسلام والإيمان، ولا يلزم من الاتصاف بهما ترادفهما) وهو يقصد بذلك نجوا وأخرجوا وهم مسلمون مؤمنون، وأما امرأة لوط عليه السلام فهي في بيت مسلم، فاجتماع الصفتين فيمن أخرجه الله وأنجاه لا يدل على التلازم، وإنما هما وصفان يمكن أن يطلقان على سبيل أن هذا الذي استحق أن يوصف بالإسلام يوصف أيضاً بالإيمان.
    1. براءة الإمام أبي حنيفة مما ينسب إليه من كثير من انحرافات المرجئة القائلين بالترادف بين الإيمان والإسلام

      ثم ذكر رحمه الله تعالى مسألة مهمة، وهي مع أهميتها مسألة واضحة، لكن كثيراً ممن يعميهم التعصب للرجال والهوى يتغاضون عنها ويغفلونها، قال الشارح: (والظاهر أن هذه المعارضات) أي: التشنيعات، أو اللوازم والمعارضات التي عورض بها مذهب أهل السنة والجماعة ، وذكرت في كتب الحنفية المرجئة (لم تثبت عن أبي حنيفة رضي الله عنه، وإنما هي من الأصحاب)، والمشكلة أن بعض الناس ينسبون إلى الإمام أبي حنيفة أقوالاً؛ للدفاع عن مذهبه، ويشبهون في هذا ما تنسبه الرافضة إلى أئمة أهل البيت مما اختلقوه هم، فحتى الاعتزال والمروق من الدين في بعض الأمور ينسبونه إلى أهل البيت؛ ظناً منهم أنهم بهذا يعظمونهم، ويثنون عليهم، ويكون القول باطلاً، فيكون من نسب ذلك إلى أهل البيت قد أساء إليهم بنسبة هذا الباطل أو المروق إليهم، وكذلك أتباع الأئمة الأربعة وقع منهم شيء من ذلك.
      فيذكر الشيخ هنا أن هذه المعارضات لم تثبت عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما فعل صاحب كتاب العالم والمتعلم ، وقد نقلنا منه جملة، فهو ينسب أقوالاً إلى أبي حنيفة رحمه الله وهو لم يقلها قطعاً، أو إلى غيره، وإنما هي من الأصحاب، ويستدل الشيخ على هذا فيقول: فإن غالبها ساقط لا يرتضيه أبو حنيفة ، فالإمام أبو حنيفة رحمه الله أعقل وأجل من أن يرتضي معارضات ساقطة متكلفة، والدليل يبطلها من القرآن والسنة، والعقل السليم، وقد كان رضي الله عنه في الذروة في صحة العقل والفهم والاستنباط.
      ثم أتى بدليل آخر، فالأول افتراض افترض أن الإمام أبو حنيفة رحمه الله لا يمكن أن يقر هذا، والآن يأتي بدليل من الرواية، فقد روى الإمام الطحاوي حكاية أبي حنيفة مع حماد بن زيد ، وهذه الحكاية أوردها أيضاً الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى، وهذه الرواية تدور حول حديث، يقول الشيخ هنا: وإن حماد بن زيد لما روى لـأبي حنيفة الحديث الذي أخرجه أحمد و عبد الرزاق في مصنفه من طريق معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو بن عبسة قال: قال رجل: ( يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال: أن يسلم قلبك لله عز وجل، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، قال: فأي الإيمان أفضل؟ فقال: الهجرة -أي: أن أفضل المؤمنين هم المهاجرون-، قال: فما الهجرة؟ قال: تهجر السوء )، ولعل ذلك كان بعد فتح مكة ؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية ). قال: ( فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد ) أي: أن من هاجر للجهاد هو أفضل ممن هاجر مجرداً عن الجهاد، قال: ( وما الجهاد؟ قال: أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم ).
      فالأعرابي يسأل والنبي صلى الله عليه وسلم يجيبه بأبلغ عبارة، وأوضحها وأبسطها، قال: ( فأي الجهاد أفضل؟ ) فالرجل يسأل عن الأفضل في كل شيء، والرسول صلى الله عليه وسلم يجيبه: ( أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده، وأهريق دمه ) أي: أنه رجل خرج بماله ونفسه في سبيل الله فلم يرجع من ذلك بشيء، فذهب ماله وذهبت روحه في سبيل الله عز وجل، قال: ( ثم عملان هما أفضل أعمال إلا من عمل بمثلهما: حجة مبرورة، أو عمرة ).
      والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.