المادة    
قال المصنف رحمه الله:
[وأما ثبوته بالفطرة، فإن الخلق جميعاً بطباعهم وقلوبهم السليمة يرفعون أيديهم عند الدعاء، ويقصدون جهة العلو بقلوبهم عند التضرع إلى الله تعالى، وذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمذاني حضر مجلس الأستاذ أبي المعالي الجويني المعروف بـإمام الحرمين، وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان، فقال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا الله! إلا وجد في قلبه ضرورة تطلب العلو، لا يلتفت يمنةً ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا؟ قال: فلطم أبو المعالي على رأسه ونزل، وأظنه قال: وبكى، وقال: حيرني الهمذاني، حيرني الهمذاني ..! أراد الشيخ أنَّ هذا أمر فطر الله عليه عباده من غير أن يتلقوه من المعلمين؛ يجدون في قلوبهم طلباً ضرورياً يتوجه إلى الله ويطلبه في العلو.
وقد اعترض على الدليل العقلي بإنكار بداهته؛ لأنه أنكره جمهور العقلاء؛ فلو كان بديهياً لما كان مختلفاً فيه بين العقلاء؛ بل هو قضية وهمية خيالية.
والجواب عن هذا الاعتراض مبسوط في موضعه، ولكن أشير إليه هنا إشارة مختصرة، وهو أن يقال: إنّ العقل إن قبل قولكم فهو لقولنا أقبل، وإن ردَّ العقل قولنا فهو لقولكم أعظم رداً، فإن كان قولنا باطلاً في العقل فقولكم أبطل، وإن كان قولكم حقاً مقبولاً في العقل فقولنا أولى أن يكون مقبولاً في العقل، فإنّ دعوى الضرورة مشتركة.
فإنا نقول: نعلم بالضرورة بطلان قولكم، وأنتم تقولون كذلك، فإذا قلتم: تلك الضرورة التي تحكم ببطلان قولنا هي من حكم الوهم لا من حكم العقل، قابلناكم بنظير قولكم، وعامة فطر الناس -ليسوا منكم ولا منا- يوافقونا على هذا، فإن كان حكم فطر بني آدم مقبولاً ترجحنا عليكم، وإن كان مردوداً غير مقبول بطل قولكم بالكلية، فإنكم إنما بنيتم قولكم على ما تدعون أنه مقدمات معلومة بالفطرة الآدمية، وبطلت عقلياتنا أيضاً، وكان السمع الذي جاءت به الأنبياء معنا لا معكم، فنحن مختصون بالسمع دونكم، والعقل مشترك بيننا وبينكم.
].
الشرح:
يستعرض المصنف رحمه الله تعالى الأدلة التي يستدل بها أهل السنة على علو الله تعالى، وقد ذكر فيما سبق دليل الكتاب والسنة ودليل الإجماع، وهو هنا يستعرض دليل العقل مع دليل الفطرة.
وفي هذا الموضع نجد لـشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلاماً عظيماً نفيساً؛ يتعلق بمسألة العلو ومعنى علو الله تبارك وتعالى، وسعة هذا المفهوم وشموله، وآثاره التربوية في حياة الإنسان، ولهذا رأيت أن نعقب به على كلام المصنف هنا، ثم نبين بعد ذلك الدليل الفطري، وقصة الهمذاني مع الجويني .
  1. كلام شيخ الإسلام في دحض مستند نفاة العلو من المنظور العقلي

  2. معنى اسم الله (الأعلى) ودلالته على العلو

  3. معاني العلو

  4. مقتضيات العلو